عمر حلمي الغول
تاريخ العلاقات
السعودية مع إيران لم يسر في خط مستقيم، فالعلاقات بين البلدين شهد مد وجزر نجم
عنها قطع العلاقات بينهما ثلاث مرات، في أربعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ومطلع
العام 2016 في إثر إحراق الإيرانيين مقر السفارة والقنصلية السعوديتين في
الجمهورية الإيرانية في أعقاب إعدام الشيخ نمر النمر، وأول أمس الجمعة تمكنت
جمهورية الصين الشعبية من إحداث اختراق إيجابي بين البلدين نتاج رعايتها محادثات
مشتركة بين ممثلي البلدين ما بين السادس والعاشر من شهر آذار / مارس الحالي، التي
قادها كل من الوزير السعودي مسعد بن محمد العيبان، ورئيس مجلس الأمن القومي
الإيراني، علي شمخاني اللذين عقدا خمس جولات رسمية، بالإضافة للاجتماعات
التمهيدية، التي ساهمت فيها كل من العراق وسلطنة عُمان خلال العامين الماضيين.
وتم الاتفاق المبدأ
بين البلدين وفق البيان الثلاثي الرسمي الصادر يوم الجمعة الماضي على عودة
العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الإسلاميين خلال شهرين، واحترام النظامين
السياسيين سيادة كل منهما في بلاده، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وتنفيذ
اتفاقية التعاون الأمني، التي وضعت أسسها اعتبارا من العام 2001. ولترجمة هذه
الخطوات، تم الاتفاق على التئام اجتماع يجمع بين وزيري خارجية البلدين.
والاتفاق السعودي
الإيراني يعتبر إنجازا للتنين الصيني، وتكريسا لدوره العالمي الجديد، ولثقله
السياسي والاقتصادي والعسكري على الخارطة الدولية. وهو ما يعني خطوة نوعية باتجاه
سحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت ومازالت تلعب دورا
مركزيا في إقليم الشرق الأوسط الكبير، فضلا عن دورها كقطب أساس في الحلبة العالمية.
ويمكن الافتراض العملي، ان عملية إعادة تقاسم النفوذ في العالم آخذة في التدحرج،
والتعاظم ككرة الثلج.
كما ان الاتفاق
الجديد بين البلدين العربي والفارسي يؤكد للمرة المليون، لا ثابت في السياسة بين
الدول، ولا عدوات دائمة، ولا صداقات ثابتة. كل العلاقات البينية بين الدول والقوى
متحركة بتحرك المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمنية، وأيضا ارتباطا
بالتحولات الإقليمية والدولية. وكما ذكر من سبقونا، وجايلونا ومن سيأتوا بعدنا،
عدو اليوم، قد يكون صديق الغد، والعكس صحيح. ومن الضروري انتباه قوى حركات التحرر
المختلفة في الوطن العربي والاقليم، ان حسابات الأنظمة السياسية لا تحكمها
المبادئ، انما تحكمها المصالح.
وعلى صعيد آخر، فإن
العلاقات بين البلدين ستؤثر إيجابا على الملفات ذات الصلة بين النظامين العربي
السعودي والإيراني الفارسي، أولا تخفيف حدة التوتر بين البلدين ومنطقة الخليج
العربي، وإزالة شبح الصراع لحين. لا سيما وان كلا البلدين لا يريد الدخول في
مغامرة الحروب؛ ثانيا الملف اليمني، الذي تعتبر الهدنة التي التزمت بها القوى
المتصارعة على الأرض وتمثل الطرفين السعودي والايراني، ومازالت سارية حتى الان، هو
واحد من الملفات البارزة المستفيدة من هذا التقارب بينهما؛ ثالثا الملف البحريني
أيضا سيشهد هدوءا نسبيا؛ ورابعا الملف الاماراتي وجزره الثلاث المحتلة من قبل
ايران، قد تؤثر عودة العلاقات بين البلدين إيجابا على هذا الصعيد؛ خامسا الملفات
السورية والعراقية واللبنانية والليبية بالضرورة ستستفيد لجهة تخفيف حدة التوتر
بين النظامين.
بيد ان هناك ملفات
عربية اخرى، لا تعتبر أولوية سعودية، وبالتالي من الصعب الافتراض ادراجها في
محادثات الطرفين السعودي والإيراني. لان بعضها (الملف الاحوازي) يعتبر وفقا
لمعايير النظام الإيراني شأنا داخليا، وبالتالي ستغض النظر عنه الى حين من الزمن،
وبعضها الاخر ستنأى قيادة المملكة العربية السعودية عن اثارتها، لانها أكثر تعقيدا
من باقي الملفات، دون ان تسقطها القيادة السعودية من حساباتها.
بالنتيجة عودة
العلاقات بين المملكة السعودية والجمهورية الإيرانية الإسلامية يعتبر بحسابات
النظامين ربحا لكليهما، وأيضا لدول الخليج وللعلاقات العربية الإيرانية عموما. وللحديث
بقية بشأن أثر عودة العلاقات بين النظامين وإسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة..
0 تعليقات