آخر الأخبار

الأبطال تأليف توماس كارليل وترجمة محمد السباعي

 

 




صدر الكتاب للمرة الأولى عام 1841 في بريطانيا، واسمه باللغة الإنجليزية On Heroes ملحقًا بعنوان ثانوي يوضح قضية الكتاب هو عبادة البطل والبطولة في التاريخ Hero-worship & the Heroic in History. يعظم كارليل في كتابه من دور البطل الفرد في حركة التاريخ، وهو وإن كان يقع في خطأ منهجي خطر، إذا لا يضع في مدخل عمله تعريفه لمن هو البطل، إلا أن القارئ يمكنه تخيل مفهوم كارليل عمن هو البطل فهو ذلك الشخص الصادق مع نفسه وقضيته، والتي هي التزام الحق المحض والدفاع عنه حسب ظروف زمانه ومجتمعه.

 

يستعرض كارليل أنماط البطولة عبر التاريخ، مؤكدًا دائمًا أن جوهر البطولة واحد، ولكن تختلف صورها باختلاف العصور والمجتمعات وتقدم الإنسانية، فيزعم أن البطولة في العصور القديمة تمثلت في المعبودات الوثنية القديمة، ضاربًا مثلًا بأودين كبير محفل المعبودات النوردية، والذي كان بطلًا أتى من خارق الأعمال ما جعل شعبه يعبده، فالوثنية القديمة في نظره في صورتها الأولى الصرفة صورة فجة لعبادة الأبطال، ثم يعرض إلى صورة أخرى من صور البطولة – في نظره – وهي صورة النبي، معتبرًا النبي بطلًا كان من الجراءة والشجاعة أن كشف الباطل الحادث عن الحق الأصيل، ثم اختار الرسول، صلى الله عليه وسلم، مثالًا للنبي البطل، مستندًا إلى أنه النبي نجح في تمام رسالته والانتصار لقضيته، بما لم يتوفر لمن سبقه من الأنبياء، وقد تناول كارليل صورة الرسول، صلى الله عليه وسلم، المتخلية في الوعي الغربي بالنقد منتصفًا للرسول من ناقديه الغربيين، وفي كلامه نظر نقف معه لاحقًا. ثم يرى أن البطولة في مرحلة تاريخية لاحقة، وأحسبها عصر النهضة الأوروبي، قد تمثلت في الشعراء، والذي اختار منهم دانتي وشكسبير، وشعراء هذا العصر قضيتهم الجمال والفن، الروحي منه والدنيوي، وهي قضية في جماليتها وخطابها الشعري العاطفي تناسب الانتقال من بربرية أوروبا، إلى أوروبا الحديثة، كما ناسبت قضية الإصلاح المسيحي، العصر اللاحق، لذا اختار كارليل بطل هذا الزمان المصلح الديني متخذًا من لوثر الألماني والمبشر البيورتاني الاسكتلندي جون نوكس مثالًا على أبطال هذا الزمان، فإذا دخل عصر العقل، أصبحت وظيفة بطل هذا العصر النضال عن العقل، وأبطالها الكتاب، والذين اختار منهم سامويل جونسون وجان جاك روسو وبيرنز، لينتهي الكتاب بمقالته حول الملك والقائد والزعيم باعتباره صورة البطولة في أنظار عامة عصره، متخذًا من نابليون وكرومويل نموذج لهذا البطل.

 

اشتهر كتاب الأبطال في العالم العربي بسبب انتصاف كارليل للرسول، صلى الله عليه وسلم، من منتقديه الغربيين، وهو في دفاعه عن النبي مخلصًا لعقيدته في البطل، وإن كانت صورته المتخلية عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أكثر موضوعية من المتخيل الغربي العام، خاصة في زمنه، فهو يؤكد أن النبي لم يكن مدعيًا صنع دينًا على نموذج اليهودية أو المسيحية كما كان ولا زال كثير من الغربيين يعتقدون، فيؤكد على أصالة دعواه الدينية، وإن كان يرى أنها نابعة من نفسه الشريفة، لا موحى بها من الله عز وجل، ومن ثم يعرض لأكثر ما يلجأ إليه الغربي من حجج لمهاجمة النبي والإسلام، وهي الجهاد وتعدد الزواج، فيهدم هذه الحجج فوق رأس القائلين بها.

 

ولكن يجب أن نشير ثانية إلى أن مفهوم كارليل الغامض عن البطولة، بل قل مفاهيمه الغامضة التي يناقشها، تؤدي إلى كثير من اللبس في تناول أفكاره، فالرجل عندما يتناول النبوة بالذات، تراه يخلط ما بين مفهوم الوحي، ومفهوم الكشف الصوفي، وإذا أسقطنا الفصل الأول عن المعبود الوثني كبطل، الفصل الأخير عن القائد كبطل، يمكن أن نزعم أن هناك وحدة موضوعية بين الفصول الأخرى، يذهب فيها كارليل إلى أن البطولة هي حالة من التواصل الروحي مع العالم، فيربط في فصل ما بين النبوة والشعر، فالنبي يأخذ بيد الانسان ليميز الخير من الشر، فالشاعر يأخذ بيد الإنسان ليميز الجميل من القبيح، ثم يربط ما بين النبوة والأدب فالأديب في أدبه يسعى أن يميز صحيح الفكر من سقيمه، وهذه الفكرة الأخيرة قد وجدت لها صدى واسعًا بين الأدباء، حتى لتجدها تتردد على لسان أديب العربية مصطفى صادق الرافعي في أركان وحي القلم.
النسخة العربية التي قرأتها لأبطال كارليل من ترجمة محمد السباعي، وحري بها أن تكون تعريب لا ترجمة، فالسباعي أعاد أنتاج نص كارليل من جديد في ثوب عربي أصيل، حتى أن القارئ ليخال أن المؤلف ليس من أبناء الجزر البريطانية الغارقة في الضباب، بل أديب من أدباء القاهرة أو دمشق.

 

د. وسام الدين محمد

 

الخامس والعشرين من رمضان 1444 هـ

 

السادس عشر من ابريل 2023 م

إرسال تعليق

0 تعليقات