نصر القفاص
خطف أنظارنا إعلان
منشور فى الصفحة الأولى بجريدة "الأهرام" لأنه كان عبارة عن لغز.. قل
أنه "رسالة مشفرة" كما ظن قطاع عريض من القراء.. فرض حجم الجدل حول
الإعلان على رئيس التحرير أن يصدر بيانا, لتكون المرة الأولى التى أسمع أو أقرأ
فيها مذكرة دفاع تحاول تفسير اللغز – الإعلان – وما يهمنى أن صفحة "الأهرام"
الأولى هانت لدرجة نشر إعلان عن بيع سيارة قديمة فيها.. اعتقدت أن الأمر مقصود
لإهانة الجريدة العريقة..
أدهشني أن سعر المساحة المنشور فيها الإعلان, قد
انخفض بصورة مذهلة.. وكان هذا ما يهمنى ويحزننى.. بعد ذلك طالعت تعليقات الذين
يرون فى "الإعلان اللغز" رسالة "مشفرة" يفهمها صاحبها والمرسل
إليه.. لكن اللافت للنظر هو السخرية على طريقة "الشعب المصرى السقيق" حين
يفجر الضحكات فى قلب المأساة.. فقد كتب أحدهم تعليقا: "الفيل فى المنديل"
وقال آخر: "الفلة فى الفانلة" بينما يرى ثالث أن: "العملية فى
النملية" واستمر سيل التعليقات الساخرة.. فكتب أحد الظرفاء: "مين اللى
قال إن الزمان مالوش أمان.. ياعينى"!!
وهكذا كلما قرأت
تعليقا ساخرا تأخذنى نوبة ضحك, مع أن الموضوع جد خطير.. بما أنه هناك أمور كثيرة
تحمل من الخطورة الكثير, دون أن يناقشها أحد.. فلا نملك غير أن نضحك.. لكنه ضحك
كالبكاء.. وبكاء بالدم بعد أن جفت الدموع!!
عندما نكتشف أننا بلا
حول ولا قوة.. لابد أن نضحك!!
أضحك عندما أطالع ما
يكتبه الذين يبشروننا بما فى كتاب "الإنجازات المقدسة" لأنهم يحدثوننا
عن أكبر مسجد.. دون ذكر إغلاق أكبر وأقدم مصانع الحديد والصلب فى المنطقة.. هؤلاء
يبشروننا بمستقبل زاهر, بعد أن امتلكنا "البرج الأيقونى" كما يسمونه.. وهم
يعلمون أن "برج الجزيرة" هو "الأيقونة" الحقيقية, لأن مصر
شيدته ليبقى شاهدا على حماقة المخابرات المركزية الأمريكية.. وقد أصبح رمزا وعلامة
من العلامات الدالة على "القاهرة" التى جعلوها "مقهورة" بما
تتعرض له!! وفى صفحات كتاب "الإنجارزات المقدسة" ستجد "مدينة
الأثاث" فى دمياط, التى أنفقنا عليها مليارات لنكتشف أن هناك "عنصر فقد
أثناء التنفيذ".. البشر.. وكانت النتيجة تدمير صناعة الأثاث.. ويضم الكتاب
صفحات عن مليارات تم إنفاقها على تطهير البحيرات, وإنشاء أكبر مزارع للأسماك فى "غليون"
لتشتعل النيران بعدها فى أسعار الأسماك.. كما اشتعلت فى أسعار اللحوم, بعد مشروع
قالوا أن تكلفته تجاوزت المليار لتسمين الماشية.. وطالت النيران أسعار الغاز
الطبيعى, لمجرد أننا اكتشفنا "حقل ظهر" باعتباره الأضخم فى شرق البحر
المتوسط.. وامتدت النيران إلى فواتير الكهرباء, بعد إنفاق عشرات المليارات لأجل
تشييد محطات ضخمة نباهى بها الأمم.. دون اعتبار إلى أنها جلبت البؤس والألم
للمواطنين.. وهكذا حدث مع "الصوب الزراعية" التى جعلت أسعار الخضروات
والفاكهة فى حالة جنون وهستيريا!!
الجراحة فى كل هذه
الحالات وغيرها.. ناجحة.. لكن المريض مات!!
أتوقف أمام الأخطر, والذى
لم يلفت النظر.. فقد شاهدت أحد ضباط القوات المسلحة, يستقبل الأمير "أحمد
فؤاد" ابن "الولد الذى حكم مصر" واسمه "فاروق" بالتحية
العسكرية.. أثناء زيارته لنصب الجندى المجهول.. فيما يضفى على الزيارة الطابع
الرسمى.. وكلنا نعلم أن آخر مرة تم رفع التحية العسكرية, للنظام الملكى الساقط
كانت فى وداع "فاروق" بعرض البحر.. والمدهش أن وزراء وفنانين احتفوا
بعدها بالأمير "أحمد فؤاد" فى النادى الدبلوماسى, وكانوا ينادون هذا
الرجل بوصفه "جلالة الملك" رغم أنه لم يكن ملكا فى يوم من الأيام.. ولن
يكون فيما أعتقد!! فقد كان "أحمد فؤاد" طفلا عمره شهور, وقت رحيله مع
أبيه الذى تنازل عن عرشه لهذا الطفل.. ذلك لا يعنى أن يناديه أحد على أنه "ملك"
باعتبار ما حدث بإعلان الجمهورية, وإلغاء الملكية وذلك تحفظه دساتير متعاقبة.. لكننا
إذا أصبحنا فى زمن يكون فيه العبث بالدستور هواية.. فلا مانع من تمجيد ابن "الولد
الذى حكم مصر" وهو وصف أطلقه عليه "لامبسون" السفير البريطانى.. يوم
أن أجبره على تكليف "مصطفى النحاس" بتشكيل الوزارة.. حدث ذلك فى 4
فبراير عام 1942 تحت تهديد المدفع والدبابة حول قصر عابدين!!
أعلم أن نيران
الأسعار أهم.. لكن إهانة الجمهورية والسخرية من التاريخ, إضافة إلى العبث بالدستور
أخطر كثيرا.. وكان يمكن أن ينتبه لها الشعب, لو كان فى حالة طبيعية.. كان يمكن أن
يهتم الناس بالخطير, لو أن المهم لم يتحول إلى "كرباج" يلهب ظهور
الملايين.. فالشعب الذى يدفع ثمن ضياع مياه النيل, مضطر لأن يرضخ ويمضغ حزنه وقهره
ورعبه!! لأنه يتابع نخبة سياسية تمارس "عادة الحوار الوطنى السرية" ويشغلها
نصيبها فيما تبقى من كعكة الوطن!!
ويشاهد نخبة من أشباه
الفنانين والمثقفين, يتنطعون على أبواب "شوال الرز" طالبين الرضا
بالدولار الذى دهس الجنيه.. أو حتى الريال!! لذلك لا تستغرب أن يلعنوا كل كافر
بكتاب "الإنجازات المقدسة".. حتى لو كانت الأغلبية الساحقة كفار بهذا
الكتاب!!.. يحق لهم أن يشاركوا فى إشغال و"اشتغال" المجتمع بدراما رديئة,
وإعلام ساذج.. وكلهم يتمتعون بحماية ومباركة مجلس الشيوخ والنواب, إذا وجد
أعضاؤهما وقت فراغ وسط انشغالهم بالدفاع عن الحكومة وستر عورات الفساد!!
الشعب لا يتحمل ذكر
اسم وريث "حسين سالم" الذى أصبح يملك الأراضى وشركات السياحة وتوكيلات
السيارات.. ويكتفى بذكر ما يفعله "الرجل المناسب" الذى أصبح ملياردير
هذا الزمان "الصافى".. طالما أن "رجل السيراميك" قد جعلوه
عنوانا للدولة.. فلا مانع من عودة كل رموز نظام سقط بثورة "25 يناير 2011"..
لم لا وقد عاد رموز نظام أسقطته "ثورة 23 يوليو 1952" وكل هؤلاء يباركهم
منهج "ثورة كوبرى 15 مايو" وقائدها, الذى ذهب إلى قبره "إبن الولد
الذى حكم مصر" وقال أن حجته إليه لأسباب شخصية!!
يتابع الشعب "مزاد"
الطرق على رأسه حتى يفقد الذاكرة.. ويتحمل سخرية وعجز المعتصمين بالصمت لحماية
أنفسهم.. لذلك لم يسأل أحدهم عن معنى ظهور شباب وفتيات فى مناسبات رئاسية رسمية, وهم
يرتدون وشاحا كتب عليه "قوات الدفاع الشعبى والعسكرى" مع أن الأمر شديد
الخطورة.. فهذه قوات سرية تمارس الدفاع بصفة عسكرية.. ونحن لا ندرى تبعيتها لأى
جهة.. ولا متى تشكلت!!
وكلنا لا نعرف الذى
تدافع عنه هذه القوات!!
نحن أمة بلا صحافة.. بلا
إعلام.. بلا مسرح.. بلا دراما.. بلا ثقافة.. فأهم القنوات التى تجذب الشعب المصرى
مملوكة لأكثر من "شوال رز".. وصحافتنا يديرها أمثال الذى ورطوه ليكتب "الحفاة
العراة" وفرضوا عليه تمجيد حفلة سحور غامضة فى "جدة" وخصصوا لها
صفحة فى كتابهم المقدس.. أما نجوم الدراما والمسرح فقد طلبوا اللجؤ إلى "الرياض"
بعد أن سبقهم آخرين فازوا باللجؤ إلى "دبى" أو "الدوحة".. وبقى
لنا إعلان عن بيع سيارة "مشفر" تنشره "الأهرام" فى صفحتها
الأولى.. لأن "العملية فى النملية"!!
0 تعليقات