آخر الأخبار

مما لم أنشره من قبل

 




على الحفناوى

 

عندما نشرت مذكرات والدي الدكتور مصطفى الحفناوى عن خلفيات تأميم قناة السويس، استبعدت أجزاء منها لابتعادها عن موضوع التأميم، وحيث أنى بصدد نشر طبعة جديدة، سأدرج فيها تلك الأجزاء السابق استبعادها. وفيما يلى بعض الصفحات من تلك المذكرات تتعلق بموقف الدكتور الحفناوى، المتخصص في القانون البحري الدولي.

 

كان الدكتور مصطفى الحفناوى، قد أصدر عام 1962موسوعة قانونية بعنوان: "قانون البحار الدولى في زمن السلم". ونظرا للاعتراف الدولى بمساهماته في هذا المجال، فقد تشرف بتمثيل مصر في عدة مؤتمرات دولية تحت رعاية الأمم المتحدة، جمعت كبار أساتذة القانون الدولى من كل الدول، وناقشت مختلف قوانين البحار، وبصفة خاصة أخطار عبور السفن المسيرة بالمحركات الذرية في الممرات الملاحية، مثل قناة السويس وقناة بنما ومضيق جبل طارق ومضيق البوسفور... وفى الصفحات التالية يتحدث الدكتور الحفناوى عن وقائع تظهر استمرار سيطرة الفكر الاستعمارى على علماء القانون الدولى بالدول الغربية... يقول:
((
في يوم الجمعة 3 ديسمبر 1965، غادرت العاصمة الأمريكية واشنطن ووصلت إلى نيويورك بعد ظهر ذلك اليوم. وهنالك كنت على موعد مع شخص:

 

هذا الشخص هو البروفيسور "باكستر"، وهذا الرجل هو أستاذ القانون الدولى بجامعة "هارفرد" في بوسطن بأمريكا، ومن المقرر أن يقوم بتدريس هذه المادة في جامعة "كمبريدج" بانجلترا اعتبارا من السنة القادمة، مع احتفاظه بكرسيين في "هارفارد".
وقد علمت أن هذا الأستاذ هو الذى رغب في لقائى، واهتم بهذا اللقاء إلى حد أنه أثناء زيارتى لبلاده، كان موجودا بكندا واستقل الطائرة التي نقلته إلى نيويورك، حيث قابلنى. وبعد تقابلننا الذى استغرق ثلاث ساعات، عاد إلى المطار وذهب إلى بوسطن.
ولهذا الأستاذ علاقة بقناة السويس، ترجع إلى أنه وضع كتابا بعنوان "قانون الممرات المائية الدولية" (Law of international waterways). وقد قرأت نسخة من هذا الكتاب منذ سنتين، ومع شديد الأسف انتهى إلى وضع الممرات المائية الكبرى، وفى مقدمتها السويس وبنما، تحت اشراف لجنة دولية تابعة للأمم المتحدة، وهى الفكرة الخبيثة التي كان ينادى بها الاستعماريون، وفى مقدمتهم جون فوستر دالاس. وقد لاحظت أنه في سياق كتابه، اتخذ من مؤلفاتى عن قناة السويس مراجع نوه بها في هوامش كتابه نحو أربعين مرة.

 

ولما قابلنى، كانت بيده نسخة من كتابه وضع عليها إهداءاً موجهاً لى بخط يده؛ فناقشته مناقشة علمية لتفنيد نظريته، وقلت له أنها نظرية سياسية وهى أراء بعض السياسيين الذين يعيشون بعقلية القرن التاسع عشر، ويجب على أستاذ كبير من أساتذة القانون الدولى المعدودين أن يرتفع فوق هذا المستوى، وألا يكون قلمه في خدمة السياسة، وأن يعالج الأمور بفنية، معالجة منزهة عن كل شبهة. والحق أنى وجدت من الرجل صدرا رحبا، بل انساق في المناقشة وقال أنه تطلع إلى لقائى في سنة 1952، وفى وقت سابق على تأميم شركة قناة السويس السابقة. ولما سألته عن السبب، اعترف بالحقيقة الآتية:

 

ذكر أن شركة قناة السويس المنحلة هي التي دعته لوضع هذا الكتاب الذى أبديت له رأيى فيه، واستضافته في القاهرة والاسماعيلية وفى باريس. وكانت الفكرة من وضع هذا الكتاب هي الوصول إلى نظرية بقلم عالم من علماء القانون الدولى، تعارض أو تقطع السبيل على التأميم الذى كنت أدعو إليه. ولكن سوء حظه أن الرئيس جمال عبد الناصر ضرب ضربته وأمم قناة السويس قبل أن يظهر الكتاب، وبالتالي ماتت هذه النظرية كما ماتت ودفنت بفعل الرئيس فكرة جمعية المنتفعين.

 

قال الرجل أنه يوم أن التقى برجال شركة قناة السويس، ذكروا له اسمى وقالوا عنى أنى أحاربهم وأطاردهم، وذكروا الكثير الذى لفت نظره حتى قال في نفسه، إذا كان رجل تعلم القانون الدولى في السوربون قد أصبح يزعج هذه الشركة إلى هذا الحد، فلا شك أن أستاذ القانون الدولى يهم أن يرى هذا الرجل ويتحدث معه. وذكر أنه لاحظ وهو في القاهرة أن رجال شركة قناة السويس المنحلة وهم يضيقون باسمى، ويصدرون عن عداء شديد، فلم يشأ أن يغضبهم واستغنى عن محاولة مقابلتى)).

 

وسنستكمل تفاصيل أخرى ولقاءات عديدة هامة في بعض فصول الطبعة الجديدة لمذكرات الدكتور مصطفى الحفناوى.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات