آخر الأخبار

سلاما لروح الشيخ خضر

 




عمر حلمي الغول

 

خمسة وأربعون عاما قضى جلها في الكفاح التحرري دفاعا عن فلسطين الأرض والشعب والقضية والمشروع الوطني. خضر عدنان منذ تلمس تضاريس الحياة وتعقيداتها، انخرط في دروبها دون تردد، واقتحم مسالكها ومعرجاتها وازقتها مع التحاقه بحركة الجهاد الإسلامي، وهذه قناعاته وخياره، التي دافع عنها حتى الرمق الأخير فجر امس الثلاثاء الموافق الثاني من أيار / مايو الحالي، لم يستسلم، ولم يرفع الراية البيضاء، وجابه سلطات السجون في معركة الأمعاء الخاوية 87 يوما، لم ينكسر، رغم انه كان يدرك انه ماض الى اجله المحتوم، الا انه لم يتردد او ينكفىء او يتراجع او يساوم على ارادته وقراره الشجاع والبطولي.

 

الشيخ المناضل خضر عدنان اعتقل ما يزيد على عشر مرات، وشق نموذج الإضراب الفردي (رغم اني شخصيا لست مع هذا النموذج، ومع الإضرابات الجمعية، لانها اكثر تاثيرا وفعالية) ستة مرات، وفي كل مرة انتصر على إرادة الجلاد، وهزم المحتل الفاشي، حتى خشيت سلطات السجون من تداعيات الافراج عنه المرة الأخيرة داخل السجون وفي العلاقات الداخلية الإسرائيلية مع وزراء حكومة الترويكا الفاشية الى ان وفاه الاجل.

 

رحل الشيخ خضر شامخا، عملاقا عاكسا نموذج الفلسطيني الأسطوري، الذي لم يعترف للجلاد بانتمائه يوما، ولم يقدم معلومة مهما كانت صغيرة حتى ادخل الرعب في قلوب المحققين الصهاينة. لانه درب نفسه جيدا على تحديهم وهزيمتهم، وكان مؤمنا بفكرة اما النصر او النصر او الشهادة، وهي نصر له ولانتمائه وللوطن والشعب وهزيمة للجلاد الصهيوني الفاشي.

ابن عرابة جنين البطل تمثل سيرة ونماذج كل من سبقوه من أبنائها الابطال الشهيد القائد أبو علي مصطفى وغيره من الشهداء والقادة الاحياء، حتى ترسخت لديه القناعة بكتابة صفحة مشرقة جديدة للقرية الشامخة بسجل أبنائها من السلف الصالح، وشاء ان يجدد العهد والوفاء لسيرة ومسيرة الابطال الميامين الأوائل في سيرورة النضال الوطني التحرري، ليكون عنوانا ورمزا للمناضلين الشباب، ليس في عرابة ويعبد ومخيم جنين غراد، وانما في فلسطين كلها يحتذى به في الدفاع عن الثوابت الوطنية.

 

رحل وهو يعلم علم اليقين انه قاب قوسين او ادني من الموت، ولكنه لم يخش ملك الموت، ولم يرفض قضاء الله جل جلاله ولكنه واجه الموت باقتدار ونبل الفارس المقدام، وتقدم بخطى ثابته نحو الجلجة غير مدبر. وكان الصهاينة يعلمون انه سيفارق الحياة، ومع ذلك رفضوا الافراج عنه، وهم من تحمل ويتحمل كامل المسؤولية عن استشهاد أبو عبد الرحمن. ورغم رحيله مازالوا يخشون جسده الذي سيوارى الثرى خلال الساعات القادمة. لانه علمهم درسا قديما جديدا مثله القادة الابطال من أبناء الشعب العربي الفلسطيني الذين سبقوه، ان الفلسطيني رمز الصمود الأسطوري لا يهزم.

 

لم يكن الشيخ خضر رقما عاديا، ولم يضع رأسه بين الروس، وانما كان رقما صعبا ومميزا، وعنوانا من عناوين الكفاح والعطاء العظيم، وماذا اعظم من ان يقدم الانسان روحه قربانا دفاعا عن الحقوق والثوابت الوطنية؟ ومع ذلك سار موشحا بعظامه بعد ان فقد شحمه كله تقريبا، مدركا انه ماض الى السماء مع الشهداء لملاقاه وجه ربه مكرما ومعطرا برسالة الشهادة، بعد ان صلبوه اسوة بالمسيح عيسى عليه السلام 87 يوما.

 

رحل القائد المغوار خضر جسدا عن الدنيا، لكنه باق حي يرزق مع الشهداء والنبين والصحابة في السموات العلى، وباق بما مثله من فروسية ونبالة وعطاء، وبما دونه في سجل الخالدين الفلسطينيين، وسطر اسمه بحروف من نار ونور، وبما تركه من ارث كفاحي لابنائه ولاقرانه من المناضلين في كل فصائل العمل الوطني.

 

رحم الله الشيخ المجاهد خضر عدنان، ولاسرته ورفاقه ولمحبيه احر التعازي القلبية، الذين يتوجب عليهم ان يفخروا به وان لا يحزنوا، رغم مرارة وحرقة الوداع، لانه كان جديرا بالشهادة والخلود جنبا الى جنب مع اقرانه شهداء الحركة الاسيرة البطلة ال236، وعليه لا تقولوا وداعا ياشيخ خضر، بل سلاما لروحك الباقية ابدا في معركة التحرر الوطني.

إرسال تعليق

0 تعليقات