د جهاد الحرازين
المتابع للقضية الفلسطينية وتطوراتها الجارية على الأرض يلاحظ بان هناك
محاولات حثيثة تجرى لحرف البوصلة ونزع الصفة السياسية والوطنية عن القضية
الفلسطينية وتحويلها لمجموعة من الحوافز والتسهيلات الاقتصادية التي لا تغنى ولا
تسمن من جوع وإنما تحول الأنظار وجعلها باتجاه ان القضية الفلسطينية ومواجهة
الاحتلال وكافة التضحيات التي قدمت لأجل مجموعة من التسهيلات والحوافز الاقتصادية
بعيداً عن اية حلول أو مواقف سياسية ولذلك فان اكبر خطر أصبح يهدد مستقبل الحلم
الفلسطيني بالدولة هو تحويلها من إطار قضية سياسية ووطنية بامتياز الى موضوع
اقتصادي او إنساني يتحكم به الاحتلال كيفما يشاء وحسب رغبة حكومة الاحتلال ولذلك
لا بد من إيضاح القضايا التالية التي تساهم في ايضاح الرؤية والعمل وفق إستراتيجية
تحمى القضية الفلسطينية وما يواجهها من تحديات ومخططات تصفوية.
أولا: شكلت حالة الانقسام الفلسطيني الذى نتج عن الانقلاب عام 2007 هدية
كبرى لدولة الاحتلال للتهرب من الالتزامات المترتبة عليها وفق القانون الدولي
والاتفاقيات الموقعة وكافة قرارات الشرعية الدولية مما دفع حكومات الاحتلال
المتعاقبة للعمل على تعزيز حالة الانقسام وإيصالها الى مرحلة الانفصال من خلال الإجراءات
التي تقوم بها وذلك بإدخال بعض التسهيلات الاقتصادية والمادية وذلك السماح بنقل الأموال
والإجراءات الاقتصادية الأخرى ( تسهيلات اقتصادية مقابل الهدوء وهدنة طويلة الأمد)
على الجهة الأخرى القيام بحرب شعواء في الضفة الغربية والقدس بمواصلة الاستيطان
وعمليات القتل والإعدام بدم بارد والاقتحامات ومهاجمة القرى والمدن والقرصنة على الأموال
الفلسطينية أموال المقاصة والخصم من هذه الأموال لصالح المستوطنين وفرض الاغلاقات
على المدن والقرى من خلال الحواجز والدعوة لمواصلة الاستيطان والتهويد للأرض
والطرد للفلسطينيين.
ثانيا: الفصل السياسي ما بين شطري الوطن والتعامل على ان هناك حكومتان
ومحاولات الالتفاف وخلق البديل عن منظمة التحرير الفلسطينية وطرح البعض نقسه
بديلاً عن القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني وتسوله أمام العالم بانه قادر على تمثيل
الشعب الفلسطيني والتجاوب مع الحلول المؤقتة الأمر الذى اضر بالقضية الفلسطينية
وبالتوجهات السياسية امام العالم وخاصة ان هناك البعض الذى يصطاد بالمياه العكرة
وبعمل على طرح مشاريع تتوافق مع رؤية الاحتلال بان الدويلة بقطاع غزة وان الضفة
والقدس تصبح تحت السيطرة الإسرائيلية .
ثالثا: على مدار كافة الحروب والعدوانات التي شنت على قطاع غزة وما تلى ذلك
من اتفاقات لوقف اطلاق النار من خلال وسطاء تدخلوا لإيقاف المجازر التي ترتكب بحق
الشعب الفلسطيني لم تتضمن هذه الاتفاقات في اي مرة وحدة الوطن او كافة الأراضي
الفلسطينية بما يشمل القدس والضفة والقطاع وانما اقتصرت فقط على قطاع غزة وكانه
دولة منفصلة عن بقية الأراضي الفلسطينية له نظام معين وسياسة خاصة وحكومة منفصلة
ولا علاقة له بما يجرى ببقية الأراضي الفلسطينية وهو ما عملت على ترسيخه حكومات
الاحتلال كمفهوم اصبح مقرا به.
رابعا: كافة الاتفاقات تضمنت مواضيع اقتصادية او حوافز او تسهيلات ولم
تتضمن موقفاً سياسياً واحداً بل بعضها ذهب الى وصف أعمال المقاومة بالأعمال
العدائية او وقف متبادل فقط دون اية التزامات من الاحتلال وقى كل مرة يتم الاتفاق
نجد البند الرئيسي فى الاتفاق يتمثل بتوسعة مساحة الصيد وكأن كل الشعب الفلسطيني
يعمل بالصيد والذى نسبة من يعملوا بالصيد لم تتجاوز واحد على الألف من عدد السكان
وعلى البقية الأخرى من السكان دفع ضريبة الصيد او المناطق العازلة .
خامسا: هناك أكثر من 2 مليون فلسطيني يعيشون بقطاع غزة يعانون من الفقر والبطالة
وانعدام الأمن الغذائي والصحي والاجتماعي نتيجة حالة الانقسام المتواصلة منذ عام 2007
نتيجة سيطرة فصيل مسلح على القطاع والتحكم باهله الذين يعانون كل الويلات فقي
الحروب هم الضحايا وفى الفقر والجوع والبطالة هم الضحايا وفى كل شيء هم من يدفعون
الثمن ولذلك فهناك معاناة تتطلب حلولاً شاملة تستند لحالة من وحدة الموقف ومواجهة
التحديات القائمة لتضميد جراح المواطنين والتخفيف من آلامهم وسد رمق جوعهم
والتخفيف من حدة البطالة التي قضت على أجيال بأكملها.
سادسا: التعامل مع فصائل أو حركات مسلحة لا تمثل أكثر من 20% من عدد السكان
على أنهم هم من يمثل الشعب الفلسطيني ويتحكم بمصيره ومنحهم امتيازات وتسهيلات
ومزايا تختزل جميعها لصالحهم الخاص وبالمقابل لا تغير على حياة المواطن الذى يعانى
بل يفرض عليه المزيد من الأعباء وخاصة الضرائب والجباية التي لم تتوقف لحظة بل
تزداد يوما بعد يوم لإشباع فئة محددة فقط.
سابعا : عدم وجود حساب خزينة موحد يتبع وزارة المالية تحول إليه الأموال
والضرائب والجباية ساهم فى تشتيت مصادر المال الفلسطيني وادي الى فقدان جزء كبير
من المال العام لصالح بعض الأحزاب أو الشخصيات دون حسيب او رقيب .
ثامنا: سيواصل الاحتلال دعمه لحالة الانفصال والانقسام لأنها تخدم مشروعه
الاستيطاني والانقضاض على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس ومحاولة إيصال
رسالة للعالم بأسره بأنه لا مكان للفلسطينيين بالقدس والضفة ومكانهم في قطاع غزة
فقط.
تاسعا: تلك التسهيلات أو الحوافز تخضع لحالة من التقييم الدوري من قبل
حكومة الاحتلال وجيشه أي كلما كان هناك هدوء طويلا كان المزيد من التسهيلات التي
تقدم بقدر محدود وفى أي لحظة يتم سحب تلك التسهيلات وإخضاعها للابتزاز الإسرائيلي
مقابل مطالب معينة تطلبها حكومة الاحتلال,
ووفقا لما تقدم لا بد من تحصين الموقف الفلسطيني من خلال الوحدة الوطنية
والتجاوب مع مبادرة الرئيس ابو مازن للمصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية وهذا يتطلب
مجموعة من العناصر من أهمها:
• الالتفاف حول القيادة
الشرعية للشعب الفلسطيني ممثلة بالرئيس ابو مازن و بمنظمة التحرير الفلسطينية
الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
• وقف مظاهر الانقسام والعمل
على توحيد المؤسسات الفلسطينية من خلال حكومة وحدة وطنية او وفاق وطني تعمل على حل
الأزمات القائمة ومعالجة أثار الانقلاب وما ترتب عليه من تداعيات سياسية واقتصادية
واجتماعية.
• التعاطي مع ما تقوم به جمهورية
مصر العربية المكلفة بملف المصالحة من محاولات ولقاءات لإنهاء الانقسام وتحقيق
الوحدة الوطنية وخاصة ان هناك اتفاقات وقعت برعاية كريمة من مصر تضمنت حلولا لكافة
القضايا وعلى رأسها اتفاق أكتوبر 2017 الذى تنصلت منه حركة حماس.
• تعامل وتعاطى الدول مع
قيادة الشعب الفلسطيني الشرعية ممثلة بالرئيس الفلسطيني ابو مازن وحكومته الشرعية
فقط وعدم دعم جهة ما او التعاطي معها على انها ممثلة للشعب الفلسطيني لان من شان
ذلك تعميق الانقسام وتثبيت حالة الانفصال.
• الضغط على الطرف الرئيسي
الذى قام بالانقلاب وجسد حالة الانقسام لدفعه نحو انهاء هذا الانقسام وتسليم
مؤسسات الدولة الى حكومة يتم التوافق عليها دون اية معيقات او محاولات المناورة
المعتادة في كل مرة كما حدث مسبقا في اكثر من مرة.
• ضخ كافة الايرادات الضريبية
والجمركية ضمن حساب الخزينة الموحد التابع لوزارة المالية الفلسطينية للمساهمة في وقف ما يسمى بتمويل الانقسام
واستمراريته وتسريب المال العام.
• الانتقال من مرحلة الحوافز
الاقتصادية او التسهيلات في أي اتفاق او وساطة ليصبح مكانها مواقف سياسية ووطنية ومطالبات بإنهاء
الاحتلال ووقف الجرائم الاسرائيلية ليشمل
ذلك كافة الأراضي الفلسطينية الضفة والقدس والقطاع.
• مساندة الحراك السياسي
والدبلوماسي والقانوني الذى تقوم به القيادة الفلسطينية في كافة المحافل الدولية
والاقليمية وعدم التشويش عليه بمؤتمرات مدفوعة ومأجورة تهدف للنيل من هذا الحراك
وافشاله ومن شرعية وحقوق الشعب الفلسطيني ونضاله العادل.
• الالتزام بالقوانين
الفلسطينية المعمول بها والاحتكام اليها والاعلاء من مكانتها وقيمتها باعتبارها
الاساس يتم الاحتكام اليها في كافة القضايا.
• التوقف عن المتاجرة بمعاناة
والام المواطنين الذين كادوا ان يفقدوا الامل ومنهم من فقده ولجا للهجرة في مصير
غير معروف بين اسماك البحر وامواجه وبين عصابات دولية املا بطوق نجاة ينقذه من
واقع لا امل ولا مستقبل فيه ومحاولة خلق افاق جديدة تساهم في الحد من معاناتهم
وتمنحهم املا في مستقبل افضل.
• الانتماء للوطن والهوية
والدفاع عنهم بعيدا عن اية ولاءات او انتماءات حزبية او لأجندات خارجية في مقابل
امتيازات او حوافز او مغريات.
تضحيات الشعب الفلسطيني وما بذله من ارواح ودماء طاهرة وزكية وما عايشه من
معاناة الاسر والقتل والتدمير وهدم البيوت وفقدان الاحبة والعائلات وتدمير البنى
التحتية ومحاولات تمزيق النسيج الاجتماعي والاعتداء على المقدسات وتدنيسها
واقتحامها لن يكون ثمنها مجموعة من التسهيلات او الحوافز الاقتصادية لان فلسطين
وشعبها اكبر من ذلك بكثير
0 تعليقات