آخر الأخبار

فتح من النكبة حزيران جوان1967 إلى مجزرة أيلول سبتمبر 1970









فتح من النكبة حزيران جوان1967 إلى مجزرة أيلول سبتمبر 1970








صالح عوض عوض 



"نحن لم نهزم، الدول العربية هي التي انهزمت..أما نحن فالآن نبدأ"
ياسر عرفات


فتح أنبل ظاهرة عربية ولدت لتبقى-
جمال عبد الناصر.. وأكملها عرفات: ولتنتصر..


- لقد كان قدر فتح أن تنتشل الأمة من الهزيمة النفسية...

- كان قدر فتح أن تثبت للأمة انه يمكن قهر العدو وجيشه...

كان على فتح أن تزيح عن أرواحنا الوهن وتبث فينا روح التفاؤل والأمل فكانت فتح على قدر المسئولية التاريخية لتحقق في أشهر قليلة قدرة فائقة في منازلة العدو وإرباكه بل وإيقاع الهزيمة به.. كان ذلك بانطلاقتها الثانية بعد نكبة 1967.

انطلق رجال الفتح الأوائل وقد قرءوا الواقع جيدا فقال ياسر عرفات يومها: "نحن لم ننهزم انهزم النظام العربي" وذلك في معرض رده على من جاءه يخبره بهزيمة حزيران 1967..وانتقل أبو عمار إلى الداخل الفلسطيني بقرار شبه فردي وقد اختلفت معه القيادة السورية التي أبلغت قادة فتح الموجودين في سورية عدم قبولها بذلك.. لكنه دخل مع مجموعة من الشباب المتميزين عبد الحميد القدسي ومجاهد وأبو علي شاهين وسواهم ليتحركوا بين القدس وجنين والخليل يبنون الخلايا وينسقون العمل لفعل فدائي كبير.. وفي هذه المرحلة كان السلاح الذي تركه الجيش المصري خلفه في غزة وسيناء هو مصدر السلاح الوحيد في الداخل يتم نقله من غزة إلى الضفة ..والذي يهمنا هنا ذكر عناصر المرحلة حيث انطلق العمل الفدائي لينقذ الأمة من شعور كارثي خلفته نكبة الجيوش العربية في حرب حزيران 1967 .. حينها طالب عبد الناصر الذي اضطر لاستقبال قيادة فتح بعيد النكبة أن يكون الفعل الفدائي في الأرض المحتلة منتشرا وفاعلا كما أعلن الملك حسين انه هو الفدائي الأول.. وفتحت مصر الأبواب لحركة فتح وسهلت لها كثيرا من الأمور السياسية في العلاقات لاسيما العلاقة مع الاتحاد السوفيتي وترك المجال لإذاعة الثورة الفلسطينية صوت العاصفة ينطلق من القاهرة لمدة ساعة ليليا..

وهنا لابد من الإشارة إلى فعالية الشعر والأدب والأناشيد الثورية التي رافقت هذه السنوات الثلاثة وأصبحت الأغاني الثورية مادة حقيقية للاستقطاب للعمل الثوري..
أما الأحزاب والتيارات السياسية الفلسطينية والعربية فأصابها الزلزال واضطرت أمام الواقع الجديد أن تقترب من الملف الفلسطيني عمليا فقدم القوميون العرب فصيلا مقاتلا تحت عنوان الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش والتي انشقت فيما بعد إلى شعبية وديمقراطية.. واندفع العبثيون السوريون لتشكيل فصيل فلسطيني باسم الصاعقة وتحرك البعثيون العراقيون لتشكيل جبهة جديدة باسم جبهة التحرير العربية وكذلك فعل الإخوان المسلمون بالأردن حيث فرزوا مجموعة قتالية تجاور حركة فتح باسم الشيوخ..
سجلت حركة فتح معارك فذة غرب النهر حيث أصبحت دوريات الفدائيين سلوكا يرتفع بالمقاتلين إلى اعلي مستويات العطاء.. وتحركت فتح لتجنيد الشبان الفلسطينيين في الأردن وجاءت معركة الكرامة في 21 مارس 1968 لتكون النقلة الكبيرة لفتح من كونها تنظيم إلى أن تصبح حركة ثورية واسعة متنوعة الفعل..

لقد كانت المعركة ردا نفسيا وعمليا قويا على الجيش الصهيوني إذ حقق مجموعات من المقاتلين الفلسطينيين بدعم من الجيش الأردني انتصار نموذجيا أحبط المخطط الصهيوني لاحتلال شرق النهر وتدمير قواعد الفدائيين.. فألهبت النتائج المدهشة مشاعر الشباب الفلسطينيين والعرب وتدافعوا نحو مكاتب التجنيد للثورة بالآلاف.

وأصبح واضحا أن فتح تقود الشعب الفلسطيني والأمة نحو مواجهة حقيقة جادة ضد المشروع الصهيوني والكيان الصهيوني . وفي هذه المرحلة أسست فتح أجهزتها الأمنية والتنظيمية والمالية والسياسية ودخلت منظمة التحرير الفلسطينية وأصبح ياسر عرفات الناطق الرسمي لحركة فتح هو رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي ضمت الفصائل الفلسطينية التي تشكلت بعد 1967 وكذلك المستقلين.

كانت سنوات 1967 و1968 من أعظم سنوات العطاء والنقاء لأجيال فلسطينية قل نظيرها ولم تتكرر بعد.. وفي الأردن أصبحت الثورة الفلسطينية القوة النافذة وبين الصواب والخطأ في الممارسة اليومية من قبل بعض التنظيمات الإيديولوجية بدأت التوترات تكبر بين الدولة الأردنية والثورة الفلسطينية ..

وكان الامتحان السياسي الأول الخطير أمام حركة فتح والثورة الفلسطينية ممثلا بمشروع روجرز وزير الخارجية الأمريكي الذي عرض على عبد الناصر والملك حسين ورفضه الفلسطينيون مطلقا.. وكان الرفض الفلسطيني صارخا ضد عبد الناصر والملك حسين .. كان مشروع روجرز في 28 أكتوبر 1969 ليبدأ جو ملبد بالغيوم بين المملكة الأردنية والثورة الفلسطينية ولتنفجر الأوضاع في أشهر بعده بالغ كل طرف في التعامل مع الآخر ولكن الحكومة الاردينة وجدت فرصتها في تعاطف مصر عبد الناصر مع الموقف الأردني لاسيما بعد أثارة موضوع مشروع روجرز فكان قرار المملكة بطرد المقاومة الفلسطينية من الأردن وان كان ذلك قد تم على مراحل ولانجاز ذلك كان لابد من ارتكاب مجازر ألحقت بالفلسطينيين شعبا وثورة أذى كبيرا..والقي مئات الشباب الفلسطينيين في سجون رهيبة بالأردن بتهمة الانتماء للثورة الفلسطينية واستمر ذلك سنين طويلة بعد خروج المقاومة.

في هذه السنوات الثلاث تشكل الوعي السياسي الفلسطيني وتلقى دروسا قاسية من النظام العربي لكنه رسم ملامح الوطنية الفلسطينية وسياجها بسياج عاطفي متين..

خرجت المقاومة الفلسطينية من الأردن الموقع الأخطر والاهم والاستراتيجي ذي الحدود الأطول مع فلسطين والشعب الأقرب لشعب فلسطين لما بينهما من علاقات القربى والأصول الواحدة.. فخسرت المقاومة الفلسطينية خسارة إستراتيجية وحاولت أن تفهم الدرس الكبير الذي تكرس نتيجة الاصطدام بالنظام العربي والاستنتاج يتمحور حول نقطتين أساسيتين الأولى أن يحرص الفلسطينيين على عدم الاصطدام بالإجماع العربي كما قال ياسر عرفات..

والنقطة الثانية انه لابد أن يكون في البلد الذي تكون فيه المقاومة حاضنة حقيقية من خلال المساعدة في قيام حركات وطنية ثورية كما قال أبو إياد.. خرجت الثورة الفلسطينية بهذه الاستنتاجات إلى لبنان الملغم بتناقضاته..

 في الحلقة القادمة نلاحظ أهم العناصر التي برزت في نمو فكرة فتح وتوسعها بعد انتقال قيادتها وفعلها إلى الساحة اللبنانية.


إرسال تعليق

0 تعليقات