آخر الأخبار

فتح الفكرة المتطورة.. من الأردن إلى لبنان..





فتح الفكرة المتطورة..
من الأردن إلى لبنان..





استكمالا للحلقات السابقة نتابع مع صالح عوض عوض
من حركة ثورية إلى حركة تؤسس: لمجتمع ودولة وكيان سياسي بمؤسسات متنوعة.. لتصبح تقود التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني وعلاقات إقليمية ودولية موسعة ومركز إسناد لحركات التحرر العالمي ونهضة ثقافية وأدبية وفكرية وبحثية واسعة...

من مجازر أيلول ...إلى مجزرة صبرا وشاتيلا !!

رحلة المذابح ولكن أيضا رحلة الكفاح التي ثبتت للشعب الفلسطيني خريطة في الوعي والوجدان والسياسة.

رحلة انتقلت بالفكرة إلى أن تصبح شجرة أحيانا عبث بها بعض أبنائها وبعض من تفيئوا بظلالها وكم حاول الحطابون تقزيمها.. وفي النهاية اجتهدوا لقلعها من الأرض..

لم تكن أفران خبز فتح في بيروت في السبعينات إلا تعبيرا واضحا عند إدراك ان الكفاح الفلسطيني يتركز في جوهره لرفع الضغوط عن الناس وتحريرهم من العوز والاحتياج وهذا هو السبب في انتشار مستشفيات الثورة الفلسطينية في لبنان.

الأفران والمستشفيات المفتوحة للبناني والفلسطيني حيث تطورت فكرة فتح عمليا لتحرك الفلسطيني واللبناني في معركة المصير الواحدة ضد مشروع استعماري يستهدف الأمة.. فكانت الوحدة اللبنانية الفلسطينية مجسدة على الأرض.

وظلت الفكرة الثورية تصارع التحديات الكبيرة التي يشرف عليها المعلم الأكبر الإدارة الأمريكية وأدواتها في المنطقة وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني ولكن رغم أنها مثخنة بالجراح إلا أنها كانت تصنع أجمل تجربة ثورية وتمثل بؤرة ارتكاز الفعل الثوري في المنطقة وبقعة الضوء المعيارية في العالم.

تبدأ الرحلة في الموجة الثورية الثانية بخروج الفدائيين من الأردن بعد مجازر أيلول إلى سورية ولبنان.. وتنتهي الموجة في لبنان بحرب 80 يوم تشنها إسرائيل على المقاومة الفلسطينية وتتبع بمجازر صبرا وشاتيلا مرورا بمجزرة تل الزعتر..

كان موت عبد الناصر في آخر المرحلة السابقة خسارة سياسية كبيرة للثورة الفلسطينية رغم ما بينهما من افتراقات وكذلك ما حصل في سورية من انقلاب أو تصحيح للنظام السياسي فدخل الفدائيون إلى لبنان حيث حقول الألغام وأجهزة المخابرات العالمية والبلد المحكوم من قبل السفارات والبلد الذي تعتبره سورية مجالها الحيوي ومنطقة نفوذها السياسي..

 البلد الذي توزعت الطوائف به وتمترست حول مواقف وولاءات خارجية مستنفرة من التوزع الديمغرافي الطائفي والخشية الطائفية من الثقل الفلسطيني الذي يحسب طائفيا لصالح جهة ما.. كل هذا إنما هو ألغام يشرف عليها المعلم الأكبر وأدواته في لبنان.. كان دخول لبنان مغامرة كبيرة ولكن توازنها الطائفي فيه كذلك فرصة للتحرك وإيجاد حالة وطنية مختلفة لكنه سير على الحبال.

على الصعيد الفلسطيني أصبحت مخيمات الفلسطينيين في لبنان قواعد فعالة للثورة الفلسطينية وانتشرت التنظيمات المسلحة ومؤسساتها الأمنية في المخيمات وتحول الشعب الفلسطيني في لبنان إلى حالة ثورية متقدمة وبشكل اقل مخيمات الفلسطينيين في سورية كما كانت قواعد الثورة ومكاتبها نقطة الاستقطاب والمحور لأبناء الشعب الفلسطيني أينما كانوا..

وعلى صعيد الحالة اللبنانية اصطدمت فكرة فتح بالحالة الطائفية المشتتة فعمدت إلى التمدد في دائرة الوعي الوطني في لبنان بمساعدة اللبنانيين الوطنيين على تشكيل حالات وطنية سياسية وثقافية بل وقتالية..وعلا شان الوطنيين اللبنانيين وأصبحوا قوة لا يستهان بها وقدمت لهم الثورة الفلسطينية كل ما من شانه تعزيز موقعهم وقوتهم وأنشأت غرفة عمليات مشتركة بين الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية للبنانية.. ولكنها في خضم دعم الكيانات السياسية اللبنانية الوطنية تجاوزت عن قيام كيان وليد على أساس طائفي هو حركة أمل فدعمته بالمقاتلين اللبنانيين الذين كانوا منخرطين في صفوف فتح وساعدتهم لتشكيل فصيل مقاوم ولعل الثورة الفلسطينية أخطأت بذلك خطا استراتيجيا منافيا لفكرتها.. إذ ما كان لها أن تعزز الكيانات الطائفية في بلد يتمزق طائفيا ولان الكيانات الطائفية لها حسابات خارجية تجد نفسها بعد حين متصادمة مع الداخل اللبناني أو مع الثورة الفلسطينية.

وعلى الصعيد العربي شهدت هذه السنوات السبعينات مشاحنات بين الثورة الفلسطينية وبعض الأنظمة العربية كان أكثرها حدة تلك التي كانت مع النظام السوري الذي رفض تمدد نفوذ الثورة الفلسطينية التي غيرت الخريطة السياسية في لبنان.. ووجد نفسه يواجهها بقسوة في منتصف السبعينات منحازا لمكونات سياسية أخرى الأمر الذي استدعي قدوم قوى الردع العربي تفصل بين المتقاتلين وفي هذه المرحلة حصلت مجزرة مخيم تل الزعتر التي اشرف عليها ميشيل عون الرئيس الحالي..

استطاعت الثورة الفلسطينية في لبنان أن تفح جبهة الجنوب للقتال والدوريات المتوالية يقوم بها الفدائيون الفلسطينيون من الجنوب نحو أهدافهم في العمق الفلسطيني بلا اي مانع أو تحسب من قبل المقاومة الفلسطينية.. كما كان العالم كله ساحة مواجهة مع أجهزة الأمن الصهيونية والأهداف الصهيونية.

وفتحت أبواب التوسع في الإعلام والدراسات ومراكز البحث التي ضمت لصفوفها كثير من الشخصيات العربية كالهيثم الأيوبي السوري وعادل عبد المهدي العراقي رئيس وزراء العراق الحالي وشخصيات عديدة لبنانية ومصرية وشهدت مؤسسات الإعلام والدراسات الفلسطينية نهضة عملاقة.
في هذه المرحلة كانت الجزائر تأخذ بيد منظمة لتحرير الفلسطينية للأمم المتحدة ليلقي ابوعمار خطابه وبندقية الثائر بيده وغصن الزيتون بيده الأخرى ولتصبح حقيقة سياسية بعد أن كان للجزائر موقف كبير في دعم المنظمة في مؤتمر القمة في 1974 لتصبح هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وفتحت الثورة الفلسطينية ذراعيها لحركات التحرر في العالم تساعدها وتدربها وتقف معها بكل إمكاناتها ولعل موقف فتح من المعارضة الإيرانية وقت ذلك كان متميزا فكان العديد من الشباب الايرانى الثوري يتدرب في قواعد فتح ليصبح فيما بعد قيادات الحرس الثوري الإيراني كما كانت هناك شخصيات بارزة صاحبة الاتصال المستمر بياسر عرفات على رأسها الشيخ المرحوم رفسنجاني الذي كان يتلقى دعما مباشرا من ياسر عرفات كما اخبرني بتفصيلات ذلك.

وبعد صعوبة أن تجر المقاومة الفلسطينية إلى اتفاقيات كامب ديفيد وبعد عدة اجتياحات عسكرية صهيونية للجنوب اللبناني وبعد ان تمكنت الثورة الفلسطينية من بلورة موقف عربي بمشاركة الجزائر وسورية والعراق وكثير من الدول العربية لعزل مصر من جامعة الدول العربية بسبب توقيع السادات على كامب ديفيد قرر الأمريكان شطب المقاومة الفلسطينية كما صرح بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في نهاية 1978 : بأي بأي لمنظمة التحرير الفلسطينية فكان رد عرفات بعد انتصار الثورة الإيرانية وطرد الشاه وطرد إسرائيل من إيران: بأي بأي للمصالح الأمريكية في المنطقة.

تحرك الأمريكان بسرعة لمنع استثمار الفلسطينيين في الثورة الإيرانية وذلك بخطوتين متزامنتين الأولى إغراق إيران في أزماتها الداخلية والإقليمية وشن هجوم واسع على المقاومة الفلسطينية في لبنان وإخراجها من الساحة الأخيرة لها حول فلسطين.

كان النصف الأول من السبعينات شاهدا على ان الثوار يقبلون ببرنامج النقاط العشر واستعداد الثورة الفلسطينية لمواقف يبدو منها التنازل وفي هذا الموقف يشرح ابو إياد كيف تم اتخاذ القرار بان قيادة فتح التقت وتعاهدت على القرآن أنها لن تتنازل عن حبة تراب من فلسطين لكنها تريد ان تنجو بالثورة من مؤامرة محققة عليها وعلى فلسطين.

كان القرار الدولي يقضي بالتخلص من الثورة الفلسطينية وإخراجها من لبنان. فكان عدوان إسرائيل في صيف 1982 بجيشها وقواتها البرية والبحرية والجوية وصمد الفلسطينيون 80 يوم في معركة غير متكافئة وغاب الموقف العربي والإسلامي والعالمي المساند واضطر الفدائيون للخروج من لبنان بعد ان طلب منهم قادة الحركة الوطنية اللبنانية ذلك.
حاول ابو جهاد وابو عمار العودة بشكل او بأخر الى الساحة اللبنانية لكن القرار السوري الليبي كان صارما بمنع المقاومة الفلسطينية من العودة وتمت مطاردة الفدائيين الفلسطينيين من كل لبنان حتى طرابلس.

في هذه الإثناء حصلت مجزرة صبرا وشاتيلا التي أنفذها ايلي حبيقة وشارون وبشير جميل .. وكانت صبرا ..

 في الحلقة القادمة نتابع انعكاسات هذه المرحلة الخطيرة على عمر القضية الفلسطينية



إرسال تعليق

0 تعليقات