المشهد الليبى صراع من المتوسط حتى سواحل الاطلنطى
يعبر هجوم حفترعلى طرابلس عن
تقاطعٍ للمصالح بين قوي محليّة ودولية بمنطقة المغرب الكبير .
بعدما تمكّنت قيادة الأركان في
الجزائر من تحقيق انتصارٍ أولّي في صراع الأجنحة شنّ اللواء حفتر هجومه للسيطرة
على طرابلس القريبة من الحدود الشرقية للجزائر، في نفس التوقيتٍ يُطلق فيه المغرب
أضخم مناورةٍ عسكريةٍ في تاريخه على مقربة من الحدود الغربية الجزائرية في منطقة
تحمل رمزيةً ذاتُ صلةٍ بحرب الرمال بين المغرب والجزائر سنة 1963.
فهل سيدخل إقليم المغرب الكبير
قريباً مرحلة غليانٍ مُتناميٍ؟
ُعتبر الوضع الحالي في منطقة
المغرب الكبير مسرحاً لتداخلات قائمة بين دول المنطقة من جهة والقوى الدولية والإقليمية من جهةٍ أخرى..
فرنسا تعيش اليوم “صراعاً
وُجودياً” في الجزائر قد يُنهي نفوذها القائم هناك منذ سنة 1830 خاصّةً مع هزيمة
“حلفائها المحلّيين” في الجزائر تحت أقدام الجيش الحليف المفضل للروس .
دعمها لحفتر وأمثاله، سيبقيها
طرفاً فاعلاً في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل على مقربةٍ دائماً من الجزائر “تاج مستعمراتها القديمة
ونفوذها المتلاشي الحديث”.
تمّ تصوير هجوم حفتر في
الجزائر بأنّه تهديدٌ للأمن القومي للبلاد وتشتيتٌ تقوده فرنسا ضدّ الجيش الجزائري
المنتصر لتوّه وأنّها رسالة لقيادة الأركان أن تكون حذرةً قبل اتخاذ أيّ قرارٍ
مستقبليٍ قد يُهدّد المصالح الفرنسية المُتبقيّة في جزائر-ما بعد بوتفليقة...!
روسيا تُعتبر أيضاً داعماً
كبيراً لحفتر، فمن المستحيل أن يُقدِم الرجل على خطوةٍ كهذه من دون علم الروس كما
سيُعزّز حفتر من حظوظ روسيا في تحقيق حلمها الجيوبوليتيكي القديم، قاعدةٌ عسكريةٌ تطلّ
على المتوسط، قد تأخذ مكانها شمال غرب ليبيا..
بالنسبة للإمارات، فقد صرّحت
علانيةً بدعمها لهجوم حفتر...وتحظى الإمارات بعلاقات وديّة مع الجزائر ومع قائد
الأركان الحالي الذّي كانت له زيارة إليها قبل بداية الحراك .
دعمها
لهجوم حفتر سيُساهم في حشد جهودها الساعية إلى سدّ الطريق أمام النفوذ التركي
أو
القطري في العالم العربي.
هجوم حفتر في هذا التوقيت ساعد
قطرعلى محاولة الاستثمار في حراك الجزائر لاستقطاب الجماهيرالجزائرية الشبابية
بخطابٍ إعلاميٍ يُصوّر المسألة بأنّها خطةٌ إماراتيةٌ-سعوديةٌ بالتعاون مع قيادة الأركان
الجزائرية لأجل الالتفاف حول المطالب الشرعية للحراك بإسقاط النظام ...!
أما المغرب فقد أدرك بأن
التغيرات الطارئة في الجزائر واسترجاع الجيش لنفوذه هناك من شأنه أن يعزز سياسة
الجزائر تجاه قضية الصحراء الغربية، كما يُدرك المغرب أيضاً الطريقة التّي تتحرّك
بها القوى الدولية والمال الخليجي في ليبيا والمنطقة عموماً ..
لذلك فإنّ أفضل وسيلة لإظهار
قدرة المغرب على حماية أمنه القومي هي القيام بمناوراتٍ عسكريةٍ ضخمةٍ على مقربة
من حدوده مع الجزائر.
الخلاصة
إنّ أغلب القوي الإقليمية
والدولية في المغرب الكبير تجد لها مكسباً ما من وراء الهجوم علي طرابلس في هذا
التوقيت بالضبط أمّا الخاسر الأكبر على رقعة الشطرنج المغاربية الجديدة فهي شعوب
هذه المنطقة في الجزائر والمغرب وليبيا التّي يُقدّر عليها أن تعيش “تراجيديا
مُتجدّدة” لا تنتهي.
0 تعليقات