عندما
تنتظر القوى الكبرى المخلّص
السيد د. علي عبد الله فضل الله
العالم اليوم، يعيش حالة من الضغوط الموصوفة، التي يتسبب
بها مزيج من العوامل الموضوعية والبشرية. فمن ناحية، يؤدي التسارع في التواصل
البشري عبر منصات الانترنت وخدماتها إلى تكثيف هيمنة المادية ونزعات الاستهلاك
والفساد أكثر بكثير من الإضافة "العلمية" المفيدة للناس التي تقدّمها.
ومن ناحية ثانية، يزداد طغيان المستكبرين نفاذاً إلى كل فضاء منزلي أو مكاني على
سطح الكرة الأرضية، وكأن العالم يتّجه للمزيد من "الامتلاء" من الظلم
والجور. وفي هذه الحالة، كما في سوابق الاختناق من جور الجائرين التاريخي، فإن
التوق يكون للمخلّص الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
من الجلي أن الضغوط تزداد على بني البشر، رغم توقعاتهم
العالية بالخدمات والتسهيلات التي تؤمنها الطفرة التكنولوجية الحالية، وما قد
تؤمنه في المستقبل. لم تعد مفاهيم كالبساطة والقناعة والسعادة هي ذاتها كما في
السابق، وأمسى الأمر يحتاج إلى جهود فردية متزايدة للحفاظ على سلام داخلي وأسري في
هذا العالم المجنون. وتضيق مساحات الهدوء المجتمعي في العالم، وتكاد تنحصر خارج
المدن والسواحل في الدول الغنية شمالاً. هذا يدفع النفوس إلى التوق للبدائل، فلم
يعد الخطاب الراهن كافياً لبناء طمأنينة مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
الشعور بقرب النهايات عبّر عنه الرئيس الروسي مؤخراً
أمام "منتدى فالداي" في تشرين الأول الماضي. وكان فلاديمير بوتين واضحاً
في كلامه، الذي قد يكون تصريحا أو تهويلاً، لكنه كلامٌ صدر عنه. وقال أنه في حال
وقوع حرب نووية "ستكون روسيا الضحية، لكن على المعتدين أن يعلموا أن الانتقام
لا مفرّ منه. الحرب النووية ستفضي إلى كارثة عالمية، لكن الروس سيذهبون إلى الجنة
كشهداء، أما المعتدون فسينفَقون دون القدرة حتى على الاعتراف وطلب التوبة".
ويعزز الاعتقاد بترسيخ فكرة النهاية ما قاله رأس الكنيسة
الأرثوذكسية في موسكو، البطريرك كيريل (Patriarch Kirill)، حيث استنتج "أن المرء ينبغي أن يكون
مصاباً بالعمى حتى لا يلحظ دنوّ تلك اللحظة المرعبة التي تحدث عنها القديس يوحنا
الإنجيلي في كتاب الرؤيا".
أما ألكسندر دوغين (Aleksandr Dugin)، المفكر
الروسي البارز والمقرّب من بوتين، فقد اعتبر "أن العالم المعاصر، حاله كحال
القرون الوسطى، يتوق إلى يوم الدينونة، لأنه من دونه مملّ لأبعد الحدود".
قد يُقال أن هذه التصريحات تنم عن حالة روسية خاصة، لكن
هذه الأفكار شائعة ولافتة في تردّدها كل حين. صحيح أن بعض ما يُكتب في هذا المجال
قد يذكرنا بتنبؤات الفرنسي نورستراداموس (Michel de Nostredame) القديمة، أو بكتاب الأميركي روزنبرغ (Joel Rosenberg) الأخير
"الإمام الثاني عشر" (The Twelfth Imam)، إلا أن الحرب أولها كلام، والمساحات
الفاصلة بين النصوص الخيالية والحقيقية تتلاشى أحياناً.
هذا يعيدنا إلى تعالي الكاتب الأميركي هيرمان ميلفيل (Herman Melville) الذي كتب
يوماً يقول: "لطالما ساورنا سؤال عما إذا كان المسيح السياسي قد جاء، ولكني
الآن أقول إنه قد جاء متمثلاً فينا ولا يبقى سوى أن نعلن خبر مجيئه".
العبرة في ما مر، أن خطاب الخلاص فطرة بشرية، تستيقظ لدى
الجميع في زمن الأزمات، وتحيا دائماً في قلوب التائقين للعدل. لن يكون غريباً
القول أن الحاجة للعدالة في زمن تطور وسائل الاتصال بات أعلى. فالجميع يرى
المظالم، ويرى الحدود التي تضيق أكثر وأكثر في تطبيق العدل في العالم. هذا الكون
يستغيث طالباً للفرج، ولم تعد تكفي مسكّنات الأمل بمستقبل جميل تسوّق له بعض
الأكاديميات وشركات الإنتاج الفني. يحتاج البشر إلى صدمة معرفية تطرح نموذجاً
قابلاً للحياة في هذا العصر، وهي حاجة تزداد إلحاحاً. فالسبب الوحيد لاستمرار نظام
النهب والظلم العالمي اليوم هو غياب البديل لدى أغلب البشر. وهنا، يقع على عاتق
المؤمنين بالمخلص دور كبير في تعريف المجتمعات على "ابن البراهين الواضحات
الباهرات"، والإشارة إليه كأمل البشرية الوحيدة لإنهاء عصر الظلمات المعاصر
هذا.
0 تعليقات