آخر الأخبار

الحلقة الثانية الكيانية السياسية الفلسطينية في معركة الوجود


الحلقة الثانية
الكيانية السياسية الفلسطينية في معركة الوجود






التمثيل السياسي للفلسطينيين:
اللجنة العربية العليا


لقد كان التشكيل السياسي الأول الذي رأى النور هو "اللجنة العربية العليا" والتي مثلت الشعب الفلسطيني طوال الفترة الممتدة من عام 1922-1948 وتتكون هذه اللجنة من أعضاء منتخبين من المؤتمر العربي الفلسطيني الذي عقد اجتماعه الأول في 3فبراير- شباط 1919، وقد أرسلوا ببرقية احتجاج إلى مؤتمر السلم العام ضد جعل فلسطين وطناً قومياً لليهود جاء فيها" نحن المسلمين والمسيحيين بصفتنا مندوبين لأمه عربية حية، جئنا بهذا رافضين رفضا باتا كل قرار يتخذ بهذا الشأن قبل أخذ رأينا". هذا وقد كان المفتي الحاج أمين الحسيني يترأس اللجنة، أما أعضاء اللجنة فكانوا: جمال الحسيني نائبا للرئيس، والدكتور حسين الخالد أمينا عاما للسر، وأحمد حلمي عبد الباقي وأميل الغوري عضوين، ثم اختير أعضاء جدد في فترات لاحقة وهم: محمد عزة دروزة، ورفيق التميمي والشيخ حسن أبو السعود وإسحاق درويش ومعين الماضي.


وبمراجعة الوثائق وقراءة ردود الأفعال آنذاك يمكن القول بأن معظم شرائح الشعب الفلسطيني رحبت بتشكيل الهيئة -اللجنة العربية العليا- واعتبرتها ممثلة للشعب، وتم الاعتراف بها عربيا بهذه الصفة السياسية، كما شاركت اللجنة الحكومات العربية في مفاوضاتها مع الحكومة البريطانية وكانت تحضر جلسات جامعة الدول العربية بعد تأسيسها عام1945 ولجنته في مؤتمر لندن الذي عقد عام 1947، ومثلت الشعب الفلسطيني في جميع دورات هيئة الأمم المتحدة وجلساتها ولجانها وفروعها أثناء نظر القضية وقبل صدور قرار التقسيم، وعندما أعلنت الحكومة البريطانية في آب -أغسطس 1947 قرارها بانتهاء الانتداب على فلسطين وانسحابها من أراضيها في منتصف عام 1948، طالبت الهيئة الدول العربية تحقيق قيام حكومة عربية في فلسطين، وقدمت إليها مشروعا لإقامة مثل تلك الحكومة، غير أن الدول العربية تأخرت في البت بشأن هذه الحكومة، ولما حيل بين الفلسطينيين وبين إنشاء أي نوع من الحكومة أصدرت الهيئة بيانا إلى جميع الموظفين الفلسطينيين تدعوهم فيه إلى الاستمرار في أعمالهم بعد انسحاب البريطانيين، وأن يتحمل أكبر مسئول عربي فلسطيني في أية دائرة أو مصلحة مسؤولية أعمال دائرته.. واستجاب الفلسطينيون لنداء الهيئة ، ولكن الجامعة العربية لم تعتمد هذه الخطوة ولم تقرها .. ودخلت الجيوش العربية فلسطين قبل الموافقة على إقامة حكومة فلسطينية تتعاون و الجيوش لإدارة البلاد، وأخذ جيش كل دولة عربية يدير المنطقة التي احتلها إدارة مباشرة على الشكل الذي يراه مستعينا بموظفين من بلاده أو من فلسطينيين.


رغم ملاحظات البعض على عمل اللجنة أو الهيئة العليا الفلسطينية إلا أننا نستطيع الاعتراف بأنهم كانوا ممثلي الشعب الفلسطيني خلال الفترة الأولى من القضية وأنهم أدوا دورهم في حدود ما يستطيعون عمله حيث خاضوا العمل السياسي وساهموا في الثورات الشعبية في فلسطين، صحيح أنها لم تكن الإطار التنظيمي الوحيد للفلسطينيين فهناك الحزب الشيوعي الفلسطيني وجمعية الفدائية، وتنظيمات الجهاد المقدس والجهادية وغيرها من العناوين العسكرية والسياسية ولكن اللجنة كانت هي الوحيدة التي تمثل غالبية الطيف السياسي الفلسطيني، بمن فيهم الشهيد عز الدين القسام الذي عرض على الحاج أمين الحسيني إشعال الثورة المسلحة، ورغم رفض الحسيني إلا أن تقديره للقسام كان عاليا، كما أن اجتماع اللجنة العربية العليا عام1936 أفرز لجانا ثورية في كل المدن والقرى الفلسطينية، وهو ما أدى إلى الإضراب العام في 8 أيار-مايو من العام نفسه، الذي لم ينته إلا بعد حوالي ستة أشهر وبعد تدخل ملوك السعودية والعراق واليمن وشرق الأردن الذين ناشدوا الجماهير الإخلاد إلى السكنية"معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية".


إن فكرة إقامة الدولة الفلسطينية تعود إلى ثلاثينيات القرن المنصرم حيث نشط الفلسطينيون من خلال أحزابهم وجمعياتهم للتأكيد على فكرة تكوين دولة ثنائية القومية في فلسطين تضم كلاً من العرب واليهود إلا أن الكيان الفلسطيني السياسي المستقل عن بلاد الشام لم يكن واضحاً في أذهان العرب الفلسطينيين آنذاك .. ، ولقد كان التعبير عن هذه المنطقة يعرف بمتصرفية القدس و أحيانا كان يطلق عليها سوريا الجنوبية.


إلا أن ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين المرتكزة على الكفاح المسلح - أداة أساسية – وتعبئة الجماهير الفلسطينية من اجل إنجاح الكفاح الوطني واستمرار العمل في هذا الاتجاه تعزيزا لصمود الشعب الفلسطيني وتأكيدا على عدم شرعية المشروع الصهيوني وتأكيدا على بطلان دعاويه وخاصة بعد سنة 1947 حقق منجزات سياسية ومادية ملموسة على طريق بعث الكيان الفلسطيني بمنظماته ومؤسساته المختلفة وفي إطار المعركة الطويلة والشاقة التي خاضتها المؤسسة الفلسطينية لنيل مشروعية وجودها العلني وأهلية مركزها التمثيلي على قاعدة حق تقرير المصير وهدف الاستقلال الوطني، ومنذ ذلك الوقت اخذ مفهوم الكيان الفلسطيني مدلولاً قانونياً محدداً وتعبيراً دولياً شائع الاستخدام وهو «صيغة الدولة الفلسطينية المستقلة».
في الحلقة القادمة نلقي الضوء على حكومة عموم فلسطين وما واجهت من تحديات


إرسال تعليق

0 تعليقات