آخر الأخبار

عام الرحيل والمقاومة والمجازر والانشقاق والبغي العربي الرسمي





عام الرحيل والمقاومة والمجازر والانشقاق
والبغي العربي الرسمي
1982-1983








يصف شاعر فلسطين محمود درويش اللحظة القاسية:
كم مرة تتفتح الزهرة..كم مرة تسافر الثورة
- أنا لا أودَّع ’ بل أُوزِّع هذه الدنيا
على الزِّبد الأخيرْ
- وأين تذهبُ ؟
أينما حَطَّتْ طيورٌ البحرِ الكبيرْ
.........
والآن ’ أكملنا رسالتنا
إذْ اُتَّحدَ الشقيقُ مع العدوِّ
ولم نجد أرضاً نُصَوِّب فوقها
دَمَنا
ونرفعه قلاعا...
=====
قال لي الدكتور فتحي شقاقي (رحمه الله) في جلسة حوار ساخنة في صيف 1983 في بيته بمخيم رفح أمام مجموعة من الأصدقاء: لو أي نظام عربي اشتبك مع حركة فتح فإننا بلا تردد سنقف مع فتح.
============
الرحيل عن لبنان:
هي أسطورة فلسطينية أخرى.. حيث تأخذ الأشياء معان أخرى.. هنا القداسة والترجل الشهي عن صهوة التاريخ لكتابة جملة خارج النص تظل أكثر وهجا من النص.. هنا وبعد 88 يوم يستجمع الفدائيون الفلسطينيون عزيمتهم لرحلة جديدة وعندما سوئل زعيمهم إلى أين المسير؟
 لم يتردد قائلا إلى القدس.. رست السفن على شواطئ بيروت التي أحبوها ورووا ترابها دما حرا.. كان يوما فلسطينيا بامتياز حيث يودع الفلسطينيون شهداءهم ومغادريهم بالزغاريد والرصاص..
رفع ياسر عرفات يده بإشارة النصر لم يبدو عليه انكسارا بل توهجا ومعه الفدائيون الذين طالما تواعدوا على اجتياز الحدود القريبة نحو وطنهم.. غصت الشوارع باللبنانيين الأحرار وبأهل المخيمات يودعون الفدائيين وزعيمهم و فوهات البنادق مشرعة للسماء والناس يهتفون للثورة وفلسطين وبين بكاء عزيز وروح منتصرة كان المشهد ولازال يحتاج إلى من يستطيع الاقتراب من روحه فيترجمه إلى عمل أدبي وفني يستحقه.
قضت المؤامرة الدولية أمريكا وإسرائيل وبعض دول الإقليم ودول الطوق أن يبتعد الفدائيون عن حدود فلسطين..
توجهت السفن إلى تونس والجزائر واليمن والسودان.. وانشأ الفلسطينيون معسكرات لهم في تلك الديار البعيدة وأصبح واقع جديد باحتياجات جديدة ولكن لم يغب عن القيادة الفلسطينية التفكير بعودة الكرة إلى حدود فلسطين فرجع أبو جهاد خليل الوزير إلى طرابلس وخلال عام1982-1983 وبدأت مجموعات الفدائيين تعود إلى الساحة اللبنانية.. لم يتوقف العمل الفدائي خلف قوات العدو وسجل الفدائيون الفلسطينيون واللبنانيون حضورا لافتا في الأداء والنوعية على مدار أشهر السنة ضد أهداف عسكرية صهيونية.
ولكن هذه السنة شهدت كذلك أحداث رهيبة قصد منها قلع جذور الثورة الفلسطينية من المنطقة بشكل نهائي وتورطت فيها أطراف عديدة أمعنت إثخانا في جروح الشعب الفلسطيني
1- مجزرة صبرا وشاتيلا: صبرا هوية عصرنا حتى الأبد
أدرك شارون انه لم يستطع قهر الشعب الفلسطيني ولم يستطع كسر إرادة القيادة الفلسطينية بل لقد حول ياسر عرفات صموده 88 يوما إلى انتصار كبير تتغنى به الأمة ويرتفع به شان الشعب الفلسطيني، وأدرك شارون أن هذا من شانه يمنح القيادة الفلسطينية فرصة جديدة في فرض نفسها في المنطقة والخريطة السياسية..
كما أراد بشير جميل أن ينتهي من بقية صمود الفلسطينيين وروحهم التي أربكت المخططات الانعزالية في لبنان وفرضت صيغة أخرى للفرز بين الناس من هو وطني مع الشعب والأمة والقضية الفلسطينية، ومن هو في ركاب امن السفارات المنتشرة في بيروت..
 فكان شارون وبشير جميل وايلي حبيقة في ملتقى اتخاذ القرار بتوجيه ضربة نفسية ماحقة للفلسطينيين فكانت مجزرة أيلول سبتمبر 1982 في مخيم شتيلا وصبرا في حق آلاف المدنيين الفلسطينيين رغم التعهدات الأمريكية بسلامة أبناء المخيمات في لبنان حسب وساطة المبعوث الأمريكي فيليب حبيب.
2- الانشقاق في حركة فتح:
بعد العدوان الصهيوني والحرب التي استمرت 88 يوما و خروج الفدائيين من لبنان بدأت تقييمات المواجهة الفلسطينية وكثر الجدال في الساحة الفتحاوية والفلسطينية وتطور ذلك عندما وفر النظام السوري أرضية لتنامي الخلاف وتم طرد ياسر عرفات من دمشق وتزعم الخلاف داخل فتح اثنان من لجنتها المركزية وخمسة أعضاء من مجلسها الثوري تميزوا بتوجههم اليساري وبدأ التحريض من اجل الإصلاح والتصحيح والتظهير داخل مؤسسات فتح وبالفعل تمكنت هذه المجموعات في سورية من حسم الأمور وسيطرت على كل مؤسسات فتح الاستثمارية والتنظيمية الرسمية بحماية أمنية سورية..وكان التحرك يتم تحت عنوان( فتح الانتفاضة).. ووجد هذا الحراك دعما واسعا من القذافي والأسد ورفض علي ناصر رئيس اليمن إغراء ليبيا سخيا بالاشتراك مع سورية وليبيا في شطب حركة فتح..
وبدأ سعار الاستقطاب في الساحة الفتحاوية ودبت النزاعات في كل الساحات الخارجية.. كانت عناوين المطالب التي تبناها حراك فتح الانتفاضة يندرج تحت الإصلاح وتطهير المؤسسات من الفاسدين والفساد وتعزيز المقاومة..ومحاسبة الذين سهلوا انسحاب قوات الفدائيين من جنوب لبنان أمام قوات الغزو الإسرائيلي.
3-حرب طرابلس:
لملمت فتح نفسها في الساحة اللبنانية وكانت الكتيبة الطلابية رائدة في ذلك حيث تمكنت من الالتحاق بطرابلس مهيئة قاعدة أساسية لاستقبال القائد ابوجهاد والذي بدا يوزع قواته على المدينة وضواحيها ولم يطل الوقت حتى تمكن ياسر عرفات من الوصول متخفيا إلى طرابلس ليشرف بنفسه على إدارة قواته.. كان لتحالف فتح مع شيخ طرابلس سعيد شعبان الدور الكبير في استقبال أهل طرابلس للثورة الفلسطينية وكان لمخيمات الفلسطينيين في الشمال دور بارز في إمداد قوات فتح بمزيد من الشباب كما أن اللبنانيين الطرابلسيين انخرطوا جنبا الى جنب مع قوات فتح في طرابلس.
أصبح واضحا انه لو ترك الأمر فان الفلسطينيين سيستعيدون حيويتهم ويعودون بقوة إلى الساحة اللبنانية بمعنى فشل استراتيجي للحرب الصهيونية على لبنان.. ولكن ظهر لدى بعض الفتحاويين المنخرطين تحت عنوان (فتح الانتفاضة) شيء آخر انه لابد من القضاء على قوة عرفات في طرابلس للحجج سابقة الذكر وهنا يبرز الخلل الكبير في وعي التطهريين عبر التاريخ أنها الفكرة الخارجية والسلوك الخوارجية بمعنى أنهم يدينون عرفات لأنه لم يقاتل كما يجب فلم ينصرفوا للقتال ضد العدو كما يجب بل يعودون لمقاتلة عرفات كما فعل الخوارج مع سيدنا علي الذي قبل بالهدنة مع معاوية فخرج الخوارج من أنصار علي لمقاتلته لأنه توقف عن مقاتلة معاوية ولم يذهبوا هم لمواصلة القتال ضد معاوية.. صحيح انه من الصعب توجبه تهم لهم تمس روحهم الوطنية ولكن بلا شك التهمة كبيرة لوعيهم وما ساروا فيه.
كانت الفرصة سانحة للقذافي والأسد في تصفية وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فكان الدعم بالسلاح والمال والسياسة لتكون محاصرة طرابلس والقصف الشديد والهجمات المتعددة من قبل الجبهة الشعبية القيادة العامة وفتح الانتفاضة وبعض الفصال الفلسطينية الصغيرة بسلاح ليبي متطور.
وكان للتدخل العربي والإسلامي دور في إنهاء الأزمة الكارثة برحيل ياسر عارفات ومقاتليه من طرابلس والخروج بشكل رسمي نهائي من لبنان.. أما طرابلس فلقد كانت مهددة باجتياح رهيب لولا تدخل شخصي من الإمام الخميني الذي ابرق للسوريين بأنه يعتبر طرابلس مثلما هي قم تماما..
لقد كانت ضربتان عميقتا الأثر في جسد الثورة الفلسطينية مجزرة صبرا وشاتيلا وحرب طرابلس.. فيما أصبح المقاتلون الفلسطينيون في حالة من التشتت وغياب الرؤية لاستئناف الكفاح. لتبدأ مرحلة أخرى من الكفاح والمعاناة مرحلة هي الأكثر هجوما على الثورة الفلسطينية ومنجزاتها السياسية.
1983-1993 هي مرحلة الضغوط المستمرة انتهاء بالوصول إلى اتفاقيات أوسلو فما الذي حصل في هذه المرحلة وهل ما حصل هو الذي مهد للاتفاقيات؟ هذا ما سأحاول الإجابة عليه في حلقات قادمة


إرسال تعليق

0 تعليقات