آخر الأخبار

سيد قطب والإخوان 3/3





سيد قطب والإخوان 3/3







 محمود جابر

هذه هي الحلقة الثالثة والأخيرة فى الرد على الأستاذعز الدين البغدادى، وغيره ممن يحبون أن يروا فى الإخوان وقادتهم مفكرين ومناضلين ودعاة للإسلام وللحرية، وأنهم ماء السماء واليد المتوضئة ...
فى الأخير أحببت أن انوه أن الحلقات الثلاثة لم اكتبها بقصد الرد عليه ولكن هى جزء من كتاب الإخوان المسلمون وهو كتاب مخطوط لم ينشر حتى الآن ....

القضية التي حرص الإخوان على إبقائها غامضة هي العلاقة بين الإخوان وسيد قطب.
الانطباع السائد لدى الغالبية العظمى من البشر أن الرجل شكل نوعا من الخروج على (الصف الإخواني) إن لم يكن تنظيميا فمن الناحية الفكرية.
يزعم الإخوان أنهم ممن وصفهم الله تبارك وتعالى بأنهم يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص إلا أن تاريخهم الذي شهدنا عليه ينطق عليهم (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)[1] إذ لا مرجعية فكرية ثابتة لهم.
يقول علي عشماوي أحد قياديي الجماعة السابقين الذين انشقوا عنها بعد ذلك (إن فكر الإخوان هو فكر تكفيرى يكفر الناس جميعاً ما لم ينضموا إليهم، وإنه لهول عظيم، فالناس غير المنضمين للإخوان من جهة نظرهم مرتدون، لا توبة لهم ودمهم حلال وكان عداؤهم للأستاذ سيد قطب لأنه جهر بهذا الفكر، وطوره وقننه، وهم كانوا يعملون على إخفاء تلك الحقيقة طوال عمر الجماعة فخرج سيد قطب على إجماعهم في الإخفاء وأعلن أن فقه الجماعة واعتقادها قائم على فكر الخوارج، وفصل هذا الفكر وصدرت فيه كتب كثيرة حتى أعتنقه الكثير من الجماعات الإسلامية)[2].
أما عن علاقة التنظيم بسيد قطب فكانت في إطار انتماء الجميع للجماعة الأم وبمباركة المرشد حسن الهضيبي حيث يقول علي عشماوي: (بعد خروج الأستاذ سيد قطب من السجن تم استدعاؤنا أنا والشيخ عبد الفتاح إسماعيل للقائه فذهبنا إليه، سألنا عن أحوالنا وسألناه عن حال السجون، وأخبرناه عما نحن فيه، وطلبنا منه أن يتابع العمل معنا، فوافق على شرط أن نعطيه فرصة ليستأذن الأستاذ الهضيبي في الأمر. ثم حدد لنا موعداً في منزله بحلوان لنلتقي معه بمجموعة القيادة الخمسة ليبدأ معنا توجيهاته. كان اللقاء مع الأستاذ سيد قطب بمثابة تحول كبير في اتجاه التنظيم، وإعادة تشكيل الفكر تشكيلاً كاملاً في الاتجاه الذي رسمه ثم التقينا في منزله بحلوان، وأخبرنا بزيارته لمنزل المرشد، وأنه استأذنه في العمل معنا، فأذن له)[3].

الإرهابي سيد قطب
ثم تزعم جماعة المدافعين عن الإرهاب والإخوان أن الرجل هو شهيد الفكر والقرطاس والقلم!!.
فلنسمع اعترافاته عن خططه لنسف المنشآت وتخريب البلاد.

يقول سيد قطب: قال الأخ علي عشماوي: (ألا يخشى أن نكون في حالة تدمير القناطر والجسور والكباري مساعدين على تنفيذ المخططات الصهيونية من حيث لا ندري ولا نريد؟ ونبهتنا هذه الملاحظة إلى خطورة العملية فقررنا استبعادها والاكتفاء بأقل قدر ممكن من تدمير بعض المنشآت في القاهرة لشل حركة الأجهزة الحكومية إذ أن هذا وحده هو الهدف من الخطة. ولكن الأمر في هذا كله سواء في القضاء على أشخاص أو منشآت لم يتعد التفكير النظري كما تقدم وكانت تعليماتي لهم ألا يقدموا على أي شيء إلا إذا كانت لديهم الإمكانيات الواسعة)[4].

أما هذه المنشآت التي قرر المفكر العظيم داعية السلام غاندي الإخوان أن يفجرها فيقول علي عشماوي (حضرت اجتماعاً للقيادة، وكان خاصاً بترتيب خطة المواجهة مع الحكومة والتي كانت تتضمن اغتيال كبار الشخصيات، وتخريب بعض المنشآت التي يمكن أن تساعد في إحداث خلل وفراغ وارتباك في الدولة ومن الشخصيات المقترحة للاغتيال، شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، والمشير، وزكريا محي الدين، وبعض المنشآت منها مبنى الإذاعة والتليفزيون، ومحطات الكهرباء، لإحداث إظلام يمكن أن يفيد التحرك. وهدم القناطر الخيرية. ولمَّا عرض موضوع نسف المنشآت اعترضت أنا على نفس القناطر الخيرية وقلت لهم إن هذا العمل لن يفيد أحداً إلا القوى الصهيونية التي تقولون إنها تنفذ مخططاتها لتخريب الدول العربية، وأننا بهذا نقوم بالتخريب نيابة عنهم، ولذلك استبعدوا القناطر الخيرية، لكنهم أصروا على تدمير باقي المنشآت مثل محطات الكهرباء، ومبنى الإذاعة والتليفزيون)[5].
يتحدث البعض أن سيد قطب كان من رجالات عبد الناصر المقربين لا من رجالات الأخوان، إنه رجل التعليم "الأديب" الذي كتب وثيقة (هيئة التحرير) ويعرف هؤلاء أيضا أن انقلاب سيد قطب على حليفه وصديقه عبد الناصر جاء بعد ما عجز عن الوفاء بوعده له بتعيينه وزيرا للمعارف في حكومته و هكذا قرر سيد قطب أن يحرق الأرض من تحت أقدام عبد الناصر وأن ينضم إلى خصومه الأخوانيين في ذروة صدامهم مع صديق الأمس.
يقول سيد قطب في شهادته المسماة (لماذا أعدموني):
(استغرقت في العمل مع رجال ثورة 23 يوليو حتى فبراير سنة 1953 عندما بدأ تفكيري وتفكيرهم يفترق حول هيئة التحرير ومنهج تكوينها وحول مسائل أخرى جارية في ذلك الحين لا داعي لتفصيلها.. وفي الوقت نفسه كانت علاقاتي بجماعة الإخوان تتوثق باعتبارها في نظري حقلاً صالحاً للعمل للإسلام على نطاق واسع في المنطقة كلها بحركة إحياء وبعث شاملة، وهي الحركة التي ليس لها في نظري بديل يكافئها للوقوف في وجه المخططات الصهيونية والصليبية الاستعمارية التي كنت قد عرفت عنها الكثير وبخاصة في فترة وجودي في أمريكا. وكانت نتيجة هذه الظروف مجتمعة انضمامي بالفعل سنة 1953 إلى جماعة الإخوان المسلمين. ثم كانت حوادث 1954 فاعتقلت مع من اعتقلوا في يناير وأفرج عنهم في مارس! ثم اعتقلت بعد حادث المنشية في 26 أكتوبر، واتهمت بأني في الجهاز السري ورئيس لقسم المنشورات به، ولم يكن شيء من هذا كله صحيحاً).
المهم فيما يتعلق بالخلاف بين رجال الثورة والإخوان المسلمين. وكنت في ذلك الوقت ألاحظ نموه عن قرب، لأنني أعمل أكثر من اثنتي عشرة ساعة يومياً قريباً من رجال الثورة ومعهم ومع من يحيط بهم.. أقول المهم أن الأستاذ فؤاد جلال (توفي وكان وزيراً في أول وزارة برياسة الرئيس السابق محمد نجيب) كان من بين أعضاء جمعية الفلاح وكان وكيلاً للجمعية (المتهمة من قبل سيد قطب بالعمالة للأمريكان؟!). وكنت ألاحظ في مناسبات كثيرة أنه يغذي الخلاف بين رجال الثورة والإخوان المسلمين، ويضخم المخاوف منهم. ويستغل ثقة الرئيس جمال عبد الناصر به، ويبث هذه الأفكار في مناسبات كثيرة لم يكن يخفيها عني لأنه كان يراني كذلك مقرباً من رجال الثورة وموضع ثقتهم مع ترشيحهم لي لبعض المناصب الكبيرة الهامة ومع تشاورنا كذلك على المفتوح في الأحوال الجارية إذ ذاك، مثل مسائل العمال والحركات الشيوعية التخريبية بينهم بل مثل مسألة الانتقال ومدتها والدستور الذي يصدر فيها .. الخ).
(المهم أنني كنت أربط بين خطة الأستاذ فؤاد وجمعية الفلاح كمنظمة أمريكية الاتجاه والاتصال وبين إشعال الخلاف بين الثورة والإخوان، وقد حاولت في وقتها ما أمكن منع التصادم الذي كنت المح بوادره، ولكني عجزت، وتغلب الاتجاه الآخر في النهاية.
ولكن ما علاقة هذه المقدمة الطويلة بحادث المنشية؟ والقضية الجديدة؟
منذ أن وقع هذا الحادث وأنا أشك في تدبيره لم أكن أعلم شيئاً يقينياً عن ذلك. ولكن كل الظروف المحيطة كانت تجعلني أشك في أنه ليس طبيعياً. كان شيء ما يلح على تفكيري في أنه مدبر لتكملة الخطة التي تنتهي بالتصادم الضخم بين الثورة والإخوان تحقيقاً لأهداف أجنبية .. أرجح من استقراء الأحوال ومن خطة الأستاذ فؤاد جلال وكيل جمعية الفلاح أنها أمريكية! وعندما كان السيد صلاح دسوقي يستجوبني هنا في السجن الحربي عام 1954 صارحته برأيي في تدبير الحادث.. وقد انتفض وقتها بشدة وهو يقول لي: هل أنت كذلك بكل ثقافتك من الذين يقولون أنها تمثيلية؟ وقلت له: أنا لا أقول أنها تمثيلية ولكني أقول أنها مدبرة لهدف معين وأن أصبعا أجنبياً ذات دخل فيها.. قال لي وقتها وقد هدأ اضطرابه: جايز! ولكن واحداً من الإخوان المسلمين هو الذي قام بالحادث! ثم أعود لسرد الأحداث المتعلقة بنشاطي بعد عام 1954 أن شعوري وتقديري بأن حادث المنشية مدبر تدبيراً، جعل يملأ نفسي رغبة في معرفة الحقيقة غير أنني لم أجد أحداً ممن التقيت بهم في سجن طره عام 1955 وكانوا كثيرين قبل ترحيلهم إلى الواحات يدلني على هذه الحقيقة .. كل من سألتهم ومنهم ناس قريبون جداً من محمود عبد اللطيف الذي انطلقت الرصاصات من مسدسه ومن هنداوي دوير كذلك قالوا لي: المسالة غامضة وموش عارفين الحكاية دي حصلت ازاي. وبعضهم قال: المسألة فيها سر لا يمكن الآن معرفته .. وكانت كل الأجوبة لا تملك أن تعطيني الحقيقة ..
غير أن هذا كله كان يزيد نفسي شعوراً من ناحية أخرى بأن السياسة المخططة من جانب الصهيونية والصليبية الاستعمارية لتدمير حركة الإخوان المسلمين في المنطقة تحقيقاً لمصالح ومخططات تلك الجهات قد تحققت بنجاح .. وأنه في الوقت ذاته لابد من محاولة الرد على تلك المخططات بإعادة حياة ونشاط الحركة الإسلامية حتى ولو كانت الدولة لسبب أو أكثر لا تريد. فالدولة تخطئ وتصيب!)[6].
من البديهي أن الصدام بين الدولة والإخوان وغير الإخوان لا يصب في مصلحة أي من الفريقين وكان من الضروري التدبر والتأمل في أسباب الصدام وموجباته قبل أن يحدث وقبل أن تقع الفأس في الرأس كما يقولون.
أما وقد وقع الصدام فقد أصبح لزاما أن يراجع كل فريق أعماله ويتحمل المسئولية عن تصرفاته بدلا من إلقاء العبء على الآخرين.
كان من المتعين على سيد قطب أن يتأكد من رفاق السلاح عمن قام بمحاولة الاغتيال الفاشلة في ميدان المنشية بدلا من إلقاء اللوم على الصهاينة والأمريكان وعدم استخلاص الدروس من التجربة الفاشلة والإصرار رغم ذلك على مواصلة السير في طريق الويل والثبور!!.
المهم أن سيد قطب عندما سأل إخوانه المسلمين داخل السجون عن حقيقة حادثة المنشية كان الجواب هو لا نعلم ولا نعرف وأبدى القوم اندهاشهم!!.
المهم أن إحساس الظلم والغبن قد ملأ النفوس كما يقول هو نفسه (امتلأت نفسي شعوراً بالظلم الذي أصاب آلاف الأفراد وآلاف الأسر والبيوت. بناء على حادث واضح جداً تدبيره- حتى ولو لم يعلم بالضبط في ذلك الوقت من دبره- وبناء على الرغبة من حماية النظام ثم تضخم هذا الشعور وأنا أرى النتائج الواقعية في حياة المجتمع المصري من انتشار هائل للأفكار الإلحادية وللانحلال الأخلاقي نتيجة لتدمير حركة الإخوان المسلمين ووقف نشاطها التربوي)[7].
في هذا المناخ ولد كتاب (معالم في الطريق) ذلك الكتاب الذي طبعت منه عشرات الطبعات المرخصة و غير المرخصة والتي شكلت وقودا بالغ الالتهاب لآلاف الشباب المتمرد والمتحول الى جموع ارهابية .
جاء سيد قطب مستخدما قدراته الكلامية و نفسه الطويل في استخدام الألفاظ و تكرارها و مطها و عكها ثم دكها في صياغة نظرية دموية فوضوية كان لها قصب السبق في ساحات الفكر الإسلامي المصاب بالأنيميا و الهزال من مشرق الأرض إلى مغربها.





[1] الحشر 14.
[2] التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين. مذكرات علي عشماوي آخر قادة التنظيم الخاص.  ص 56 طبعة مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية.
[3] ص 168 علي عشماوي, المرجع السابق.
[4] لماذا أعدموني ص 38-39.
[5] ص 213 علي عشماوي, تاريخ الإخوان.
[6] لماذا أعدموني. سيد قطب. http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=18&book=486
[7] نفس المصدر ص 10.

إرسال تعليق

0 تعليقات