حرب 1982على لبنان والثورة الفلسطينية
الثورة أمام التشويه والخذلان والعدوان
صالح عوض عوض
لا أجد أكثر دقة في توصيف طبيعة المعركة الرهيبة سوى
كلمات درويش وهو يصف حال الثورة الفلسطينية التي وقفت أمام القرار الأمريكي
والصهيوني ليس لها الا أبناء الشعب الفلسطيني والأحرار من أبناء الشعب اللبناني.
كَمْ كنتَ وحدكْ !
هي هجرةٌ أُخرى...
فلا تكتب وصيتكَ الأخيرةَ والسلاما.
سَقَطَ السقوطُ , وأنت تعلو
فكرةً
ويداً
و...شاما!
لا بَرَّ إلاّ ساعداكْ
لا بحرَ إلاّ الغامضُ الكحليُّ فيكْ
فتقمَّصِ الأشياء خطوتَك الحراما
واسحبْ ظلالكَ من بلاطِ الحاكمِ العربيِّ حتى لا
يُعَلِّقها
وساماً
واكسرْ ظلالك كُلَّها كيلا يمدُّوها بساطاً أو ظلاما.
كسروكَ , كم كسروكَ كي يقفوا على ساقيك عرشا
وتقاسموك وأنكروك وخبَّأوك وأنشأوا ليديكَ جيشا
حطُّوك في حجرٍ... وقالوا: لا تُسَلِّمْ
ورموك في بئرٍ.. وقالوا : لا تُسَلِّمْ
وأَطَلْتَ حربَكَ ’ يا ابن أُمِّي,
ألف عامٍ ألف عامٍ في النهارِ
فأنكروكَ لأنهم لا يعرفون سوى الخطابة والفرارِ
هم يسرقون الآن جلدكْ
فاحذرْ ملامحهم...وغمدَكْ
كم كنتَ وحدكَ ’ يا ابن أُمِّي,
==========
تجلت فكرة فتح أم العواصف في السنوات الاثنى عشر في
لبنان من 1970 إلى 1982 عن حياة مبدعة في كل اتجاه ولكن ينبغي عدم إغفال مطبات
سلوكية لمؤسسات أو أفراد في حقل الألغام اللبناني وفي الوقت نفسه ينبغي عدم
الاعتقاد ولو للحظة أن ذلك هو سبب خسارة الثورة للساحة اللبنانية لان الأمر هنا
مناط بالمؤامرة الصهيونية الأمريكية.. نعم انا أؤكد على ضرورة المراجعة المستمرة
للسلوك والدعوة المستمرة للانضباط ولكن لكي لا نشتت المسألة ليست هنا.. المسألة أن
فكرة فتح التي كانت قادرة على تفجير طاقات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية
المحيطة بفلسطين تعرضت لعمليات منهجية من التشويه وتنامي طفيليات على جوانبها
وصورا مشوهة عنها في ظل العدوان المستمر وهنا ينبغي بوضوح عدم الانجرار مع مخطط
العدو في تشويه حركة طليعية قارعت المشروع الاستعماري في اخطر حلقاته.. وبالتأكيد
كانت هناك محاولات اختراق في الساحة اللبنانية ليس لها هدف إلا التشويش والتشويه
لكن ما كان لذي عقل أن ينساق مع عمليات التشويه لأنه يدرك أنها إنما تصب في مصلحة
العدو الاستعماري.. لان أي محاولة لتشويه فكرة فتح يعني بوضوح تشويه أهم فكرة
فلسطينية وحدها القادر على تفجير طاقات الشعب بدون تصنيفات وحزازات.. أن محاولات
التشويه التي واجهتها الثورة منذ انطلاقتها كشف لنا في مفاصل كثيرة ان هناك أجهزة أمنية
عربية وأجنبية اشتغلت على اختراقات بأشخاص لم تكن لهم مهمة إلا التصرفات غير
المسئولة ونسبتها للثورة.. ولقد أشار مالك بن نبي رحمه الله إلى هذه الملاحظة وهو
يتحدث عن فتح في الأردن ويحذر من الطفيليات التي بدأت تنمو على جوانب الفكرة محذرا
من أنها قد تستطيع في لحظة ما خنق الفكرة.
ما كان ينبغي لمن قعد عن الكفاح خلال عشرات السنين وهو
يفتي بان يموت تحت راية فتح إنما هو "فطيسة" أن يبرر ذلك بان فتح ليس
لها رصيد إلا تلك التصرفات غير المسئولة متناسيا تاريخا لا حبا بكل أنواع العطاء
والبطولة وقوافل الشهداء وانتزاع واقع جديد للقضية الفلسطينية.
بل إن احد الحكام العرب قال لياسر عرفات بالحرف الواحد إننا
نحن من أخرجك من لبنان لأنك أردت أن تكون عنتر بن شداد ونحن جواسيس... هكذا قال لي
ابوعمار وأنا اسأله عن الحكام العرب واحدا
واحدا فوصفهم لي واحدا واحدا..
جاءت الحرب الكبرى لجيش تزود بكل آلة التفوق العسكري
وبقرار دولي وبتواطؤ رسمي عربي بعد أن فشلت كل المحاولات الحربية والأمنية الأخرى..
ووقفت الثورة الفلسطينية بقلة ما في اليد في مواجهة العدوان الاستعماري.. وكان
شعار أبو عمار في هذه الحرب: هبت رياح الجنة.
جاءت الحرب لتكمل المخطط الاستعماري لاجتثاث الثورة وقد
تورط النظام الإقليمي في هذه المؤامرة ظنا منه ان ذلك سيوفر له شروطا أفضل في
التفاوض أو في إقناع الأمريكان بصلاحيته في الحكم فلطالما عانى من عدم قدرته على ضبط
الثورة الفلسطينية في نسق حدد لتخدم اشتراطاته أو لتكون ورقة قوة بيده في سجال
اتصالاته بالأمريكان وغيرهم.
لقد كانت السبعينات مرحلة صناعة القرار الفلسطيني الوطني
المستقل القائم على حيثيات قوة الواقع وأصبح هذا العامل الخطير مربكا لسياسات
الدول الإقليمية وللمخططات الأمريكية لاسيما وهو يتقدم في مطاردة النفوذ الأمريكي
في المنطقة حيث كان وقوفه مع الثورة الإيرانية إعلاميا وسياسيا بل وتزويد بالسلاح
كما صرح قادة الحرس الثوري انه خلال العامين الأولين لم يكن احد يزودنا بالسلاح إلا
ياسر عرفات..
كانت السبعينات العشرية الحاسمة في القضية الفلسطينية
والتي أخرجت الملف الفلسطيني من ملحق وإمكانية التدخل فيه إلى قضية واضحة المعالم
لها أهلها وقيادتها بقرار وطني مستقل.. ولقد سرت الروح الوطنية في النخب الثقافية
والسياسية في الضفة الغربية وانتقلت الحركة الوطنية الفلسطينية لتحسم السيطرة على
البلديات وأسقطت مشروع روابط القرى.
أطول حرب عربية إسرائيلية "80 يوم" كانت
البطولات الفلسطينية أسطورة في خلده وعين الحلوة وقلعة شقيف وجنرلات الاربي جي ..
في بيروت كان الفلسطينيون يسطرون ملحمة فلسطينية من نوع أسطوري.. عشرات القادة
العسكريين الصهاينة سقطوا قتلى في ميدان المواجهات واستخدمت إسرائيل في حربها كل
مالديها من إمكانيات عسكرية وأمنية وإعلامية.
كانت فتح ومعها كل الذين ساروا في قطار الثورة تقف على أخر
لحظات الصمود خارج الوطن وكان القرار الاستعماري يقضي بان ينتهي وجود منظمة
التحرير الفلسطينية..وكانت المفاوضات ولكن ياسر عرفات أدرك أن اللحظة تاريخية
فاطال المفاوضات واستمع للجميع وبعد ان طالبته الحركة الوطنية اللبنانية بالخروج
من لبنان ووافق على ذلك كل قادة الفصائل الفلسطينية دخل مفاوضات الخروج من بيروت
بالسلاح والرصاص يزغرد في سماء بيروت في مشهد من الحزن والزهو الثوري قل نظيره
لتبحث فكرة فتح عن أماكن أخرى للنماء فكيف ستكون سنوات الثمانينات1982-1993؟
من الواضح أن السنوات عند فتح لها قيمة فهي ام العواصف
التي لاتبقي شيءا في مكانه سنراقب حركة فكرة فتح في التأقلم او التمرد على مرحلة الإبعاد
عن حدود فلسطين ولكن قبل ذلك وختاما لهذا المنشور نختم بكلمات لمحمود درويش:
وإن الموتَ يأتينا بكل
سلاحه الجويِّ والبريِّ والبحريِّ مليون انفجار في
المدينة
هيروشيما هيروشيما
وحدنا نُصغي إل رعد الحجارة ’ هيروشيما
وحدنا نُصغي لما في الروحِ من عبثٍ ومن جدوى
وأمريكا على الأسوارِ تهدي كل طفل لعبةً للموتِ
عنقوديَّةً
يا هيروشيما العاشقِ العربي أَمريكا هي الطاعون ,
والطاعونُ أمريكا
نعسنا . أَيقظتنا الطائرات وصوتُ أَمريكا
وأَمريكا لأمريكا
وهذا الأفق اسمنتٌ لوحشِ الجوِّ.
نفتحُ علبةَ السردين , تقصفها المدافعُ
نحتمي يستارةِ الشباك , تهتز البناية . تقفزُ الأبوابُ .
أُمريكا
وراء الباب أمريكا
ونمشي في الشوارعِ باحثين عن السلامة,
من سيدفننا إذا متنا ؟
عرايا نحن , لا أُفقٌ يُغَطينا ولا قبرٌ يوارينا
ويا ... يا يومَ بيروتَ المكسَّرَ في الظهيرهْ
عَجِّلْ قليلا
عَجِّلْ قليلا
عَجِّلْ لنعرف أَين صَرْخَتُنا الأخيرهْ
لقد كان شاعر فلسطين العظيم محمود درويش يتأمل نتائج
العدوان الصهيوني الأمريكي على الثورة والشعب في لبنان في ظل الخذلان الرسمي
العربي وكيف ان فكرة التحرير والعودة بالشعب كل الشعب تحاصر وتكاد تقتل فينشد
قائلا:
حُرّيَّةُ التكوين أنتَ
وخالقُ الطرقات أنتَ
وأنت عكسُ المرحلَهْ
واذهبْ فقيراً كالصلاةِ
وحافياً كالنهر في درب الحصى
ومُؤَجَّلاً كقرنفُلَهْ
فاذهب إليكَ ’ فأنَتَ أوسعُ من بلاد الناسِ ’
أوسعُ من فضاء المقصلَهْ
مستسلماً لصواب قلبكَ
تخلع المدنَ الكبيرةَ والسماءَ المُسْدَلَهْ
وتمدُّ أرضاً تحت راحتك الصغيرة
خيمةً
أو فكرةً
أو سنبلَهْ
تحياتي... الى حلقة جديدة من تجليات الفكرة برجالها
الكبار في مرحلة الحصار الرهيب 1983-1993
0 تعليقات