الحلقة السادسة عشر
فتح رؤية
نقدية
عندما تم تجاوز الفكرة
يقول مالك بن نبي: "عندما
لايلتزم حملة الفكرة العبقرية القوية بها تنتقم منهم"
الكلام هنا يجعل مرجعية له
محددة في فكرة فتح وبها يقيس فنرى ان الحركة كلما التزمت الفكرة نجحت و حققت
المكاسب وفي كل موقف تخرج عن الفكرة تحدث انتكاسة وخسارة.. فالفكرة في حد ذاتها
توفر ضمانات النجاح وسبل الرشاد... هناك عدة مواقف تجاوزت الحركة الفكرة فتجرعت المرارة
.. ولكن الفكرة لازالت قوية ومتألقة وهي جامعة مانعة طالما كان هناك اغتصاب
لفلسطين وتشريد لأهلها.
سنتجه في هذه الحلقة إلى
النقد.. ويتبادر للبعض فورا عند سماعه لكلمة نقد إننا بصدد الحديث عن الأشخاص
والهيئات مشيرين إلى السلوكات الفردية والتجاوزات الأخلاقية بالتأكيد ليس هذا
نهجنا بل نحن نزدري هذا النهج فهو اقرب للوشاية والنميمة والغيبة والطعن في الأعراض
منه إلى النقد.. إنما نحن نريد أن نشير إلى نقاط جوهرية في المسيرة كانت تجاوزا
لفكرة فتح...
الموقف الأول:
إدارة الأوضاع الفلسطينية
الثورية في الأردن 1967-1970
لم تكن الثورة حازمة في صياغة
سلوك فلسطيني ثوري ملتزم في الأردن فلئن قبلت فتح وهي الطليعة والوعي الثوري
الفلسطيني الأصيل بتنظيمات فرختها القوى الإيديولوجية العربية فكان عليها أن
لاتقبل أبدا انفلاتا في السلوك الثوري الفلسطيني لان ذلك سيعود بالضرر المباشر على
الثورة والشعب.. فمن المعلوم أن كل التنظيمات ماعدا فتح جاءت من تيارات إيديولوجية
لها حسابات ثأرية مع الأنظمة لاسيما النظام الأردني وهنا كان واضحا ان هذه
التنظيمات تضع قدما في المشروع الوطني وأخرى في المشروع الإيديولوجي .. كان لابد
من إقناع الجمع بروح فكرة فتح بان الكل الفلسطيني معني الآن بفلسطين ومواجهة العدو
الصهيوني والابتعاد عن أوضاع الدول العربية الداخلية.. كان لابد من إيجاد تفاهمات إستراتيجية
وتفصيلية بين التنظيمات الفلسطينية لايتجاوزه احدها أبدا..
لقد جاءت الضربة في المسلكية
من زاويتين من زاوية التنظيمات المتفلتة المتهورة والتي عجلت من الصراع مع النظام
و قدمت مبررات للتخلص من الثورة الفلسطينية في الأردن ووقوع اكبر خسارة للثورة..
والازوية الثانية استقبال آلاف المتطوعين بعد معركة الكرامة وتاطيرهم بسرعة في
صفوف الثورة وفي مواقعها الأمامية الأمر الذي كان يحتاج تدقيقا امنيا وتعبئة فكرية
وثورية أعمق بحيث يتم نقل الأفراد إلى مناخ ثوري وطني يمنح الثورة عناصر قوة لا أن
يكون عبء عليها.
أنا اعرف أن الاختلافات
السياسية مع النظام العربي ستقود إلى التصادم وذلك لطبيعة موقف النظام العربي من
التسوية والثورة لكن كان يمكن تأجيل التصادم وتقليل خسائره أو إيجاد صيغ أخرى غير
التي انتهى إليها الوضع الثوري في الأردن.
الموقف الثاني
تحديد الهدف من دولة ديمقراطية
إلى سلطة كيفما اتفق
لقد كان ضروريا التوصل إلى
رؤية كيف تكون دولة فلسطين لان الكفاح وحده بلا هدف سياسي واضح كبير بارز يكون
كفاحا مهددا بالانهيار والانحراف .. انطلقت حركة فتح وكان مطلوبا منها تحويل
الفكرة إلى برامج وخطة استرايجية تنسجم في كل تفصيلاتها بالفكرة العبقرية..الا ان
تغليب خطاب العمل الفدائي والوطني غطى على ضرورات العمل السياسي المركز والممنهج..
لقد كان من الضروري أن نفهم منذ اللحظة الأولى ماهو هدفنا السياسي فلا يكفي الدعوة
إلى العودة لفلسطين وتحريرها فهذا هو الجانب الأخلاقي من المسألة ولكن أين هو
الهدف السياسي؟
استدركت فتح هذا النقص في
الخطة في منتصف الثمانينات وأعلنت انه الكفاح الفلسطيني يسير نحو هدف مركز عنوانه
دولة ديمقراطية أي أن تكون فلسطين دولة ديمقراطية ضد العنصرية والإقصاء تلتزم
بالقانون والمساواة بين مواطنيها.. كانت هذه الفكرة هي الأنسب لروح فكرة فتح فكانت
الدعوة إليها تجليا من تجليات الفكرة.
إلا أن حركة فتح لم تصمد كثيرا
على فكرة الدولة الديمقراطية بمواطنيها بلا تفريق ديني أو فئوي وأصبحت تتبني منذ
سنة 1974 سلطة على أي جزء يتم استرداده من الأرض الفلسطينية بعد أن استطاع
الفلسطينيون تعديل واقع قرار 242 الاممي وتحويل المضمون من لاجئين إلى شعب..
وهو الخطأ نفسه الذي تم عندما
غفل المفاوض الفلسطيني عن انجاز الدولة التي أعلنت في الجزائر في 1988 أثناء
الانتفاضة الأولى والتي حققت اعتراف مئة دولة تقريبا تغافل المفاوض الفلسطيني عن
هذا المنجز الكبير وفاوض باعتباره يمثل منظمة تحرير فلسطينية وليس دولة فلسطين
مقابل اعترافه بدولة إسرائيل فكان خطأ استراتيجيا كبيرا لاينسجم مع فكرة فتح ولا
روحها ولا ما أنجزته من أفكار فرعية وأساسية.. وكان اعتراف اسرئيل بمنظمة التحرير
ممثل للشعب الفلسطيني وهذا تنازل كبير عن ما تم انجازه سياسيا بعد أن أصبحت دولة
فلسطين معترف بها..
الموقف الثالث
التنازل عن الفكرة الوطنية
ودعم كيانات انفصالية
عندما انتقلت الثورة إلى لبنان
أدركت أن احد أهم نقاط الضعف التي تم توجيه الضربات منها للثورة هو غياب حركة
وطنية محلية تختضن الثورة وتكون لها سياجا وطنيا حاميا فاتجهت الثورة الفلطسينية
لتعزيز التيارات الوطنية الثورية والمعادية للصهيونية .. ونجحت فتح في الإسهام
بتشكيل قوى وطنية لبنانية واستطاعت أن تقيم علاقات متينة مع مفاصل الحياة
اللبنانية.. إلا أن خطا فادحا وقعت فيه الثورة عندما اتجهت لتشكيل حركة أمل
الشيعية وتزويدها بالسلاح والعناصر من الشباب الثوري اللبناني المنخرطين في فتح..
كان تأسيس حركة أمل عبارة عن خنجر في مستقبل حركة فتح في لبنان.. فهي أيدلوجيا
عابرة للأوطان والقارات علاقتها بالقضية الوطنية فرعية وموضوع فلسطين عندها وجهة
نظر يخضع لحسابات الطائفة والعمل الطائفي .. وبالفعل تلقت الثورة الفلسطينية
والشعب الفلسطيني ضربات قاسية من غدر حركة أمل خلال أكثر من 10 سنوات كان أشدها
حصار أمل للمخيمات في بيروت والجنوب.
الموقف الرابع
تفريغ ساحات النضال إلى العمل الإداري
والوظيفي
إن هاجس تأسيس لكيان السياسي
الفلسطيني تضخم عن المطلوب وأصبح إثبات الوجود السياسي والإداري يطغى على المشهد
الوطني.. ولئن كانت بذور ذلك بدأت من لبنان حيث أصبحت المكاتب تعج بالكوادر الأساسيين
إلا أن الأمر وجد متسعه في الأرض الفلسطينية بعد عودة السلطة حيث تم تفريغ الحركة
الوطنية في أجهزة السلطة لاسيما الأجهزة الأمنية وأصبح التنظيم الثوري فارغا من
الكوادر القيادية .. وحصل بجنب ذلك عملية سطو على التنظيم من قبل شريحة تنظيمية
معينة نشأت مؤخرا في ظل العمل العلني وكان مرتكز فعلها في جهاز الأمن الوقائي بحيث
تم استثناء الكوادر الكبيرة التي رجعت من الغربة وأصبحت على هامش التنظيم.
لقد كان تفريغ حركة فتح في الأجهزة
الأمنية انتكاسة حقيقية لفكرة فتح حيث أصبحت فتح طرفا في الساحة في تماس له
وعليه.. وانشغلت فتح الجديدة بانتخابات الأقاليم ووضع المسئولين من جيل تشل في
ظروف خاصة أثبتت فشلها في انتخابات تشريعية في مواجهة قوى فقيرة في الرصيد الثوري
والتجربة السياسية..
الموقف الخامس
تحويل المؤقت إلى دائم
لقد كان اتفاق أوسلو لمرحلة
مؤقتة بخمس سنوات تنتهي بتقرير مصير وانتهاء من مناقشة الملفات الحاسمة.. لم تنته
المفاوضات إلى نتيجة فكان مفترض إما أن تتمدد أو أن تتوقف ولكن لم يكن معقولا أن
تتجدد وتصبح أمرا واقعا بحيث يتم إعادة انتخابات المجلس التشريعي وكان السلطة
المؤقتى أصبحت أمر واقع لا انتقال منه.
تكريس المرحلة الانتقالية أمر
واقع أصبح من أكثر الأخطاء قتلا وفتكا بالمشروع الوطني..ففي ظل المرحلة الانتقالية
بلغ الاستيطان أشرس مراحله وأصبحت الاتفاقية غطاء لعملية استيطان واسعة فيما لم
تبادر حركة فتح بشيء وتبدو كأنها مقيدة عن فعل يغير الظروف والمناخات.
كان مفترض أن تنتهي المرحلة
الانتقالية بمبادرة فتحاوية لكن للأسف اتجهت حركة فتح إلى ترسيم الراهن والمؤقت
فكانت الانتخابات التشريعية وما يعني من استبداد الراهن والمؤقت..
الموقف السادس
تجاوز شرط التفاهم على الميثاق
الوطني
كان دخول الانتخابات التشريعية
في 2006 وبدخول تنظيمات لم تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية بدون تفاهمات إستراتيجية
يعني بوضوح وضع بذور الانشقاق في الساحة الفلسطينية.. أن السماح بإجراء انتخابات
تشريعية بمشاركة حماس بدون تفاهمات إستراتيجية عميقة على المشروع الوطني الفلسطيني
يعني بوضوح زرع بذرة الانقسام والانقلاب.. كلن من المفترض إجراء حوارات عميقة مع
حماس والتوصل إلى تفاهمات كبيرة وأساسية قبل الانتخابات التشريعية.. كان لابد أن
تحدث حماس تطورا فكريا وسياسيا كافيا يسمح لها في دخول الساحة الوطنية..
أن دخول حماس الانتخابات في ظل
تصارع المناهج والمشاريع يعني بوضوح أحداث الشرخ في الساحة الفلسطينية.. وهاهو
الواقع المعقد نتيجة فوز حماس وهي لاتؤمن بالمشروع الوطني ولاثقة بالمنظمة.
الموقف السابع
ارتباك في تحديد الأولويات
ففي مرحلة الكفاح الوطني يصبح
العمل على تعبئة الطاقات والإمكانات الداخلية مساحة مهمة للعمل وأساسية وهنا يبدو أن
الكثيرين أصبحوا في حالة شعورية بان الدولة أصبحت واقعا قائما فانخرطوا في إظهار
مظاهر الدولة لاسيما في السلك الدبلوماسي الذي تضخم أكثر من اللازم وارتفعت تكلفته
إضعافا مضاعفة عما كان قبل بما يجعله عبء على الموازنة واستنفاذ للطاقات السياسية
ضرورية في حين بالإمكان الاستغناء عن جزء كبير من الموظفين في السفارات والذين
لاعمل لهم ولا حاجة وكذلك في تشكيل الحكومات وعدد الوزارات والوزراء وكبار
الموظفين وما يتبعهم من إنفاق مالي ضخم وما تشكله من عبء.. تضخم الإدارة والأجهزة الأمنية
بموظفين سحب من حركة فتح كوادرها واشغلهم بالتنافس الوظيفي مما أساء للحالة
الوطنية في مرحلة قاسية من النضال الوطني
انتباه ضروري لإعادة الحركة إلى
روح الفكرة لان المعركة لازالت قائمة ولازلنا في حالة صراع لم ننه منها أي خطوة.
0 تعليقات