الحلقة
الخامسة عشر
فتح
من
مدريد- أوسلو إلى كامب ديفيد- محاصرة عرفات
من1991-
1993 الى 2000- 2003
عشرية
التجربة الجدلية وافتراق البرامج وتصادمها
لقد سيق العرب سوقا إلى مؤتمر سلام دولي في مدريد في 30 أكتوبر
1991عقب العدوان الثلاثيني على العراق.. كان عام 1991 حاسما بخسارة حلفاء تقليديين
للفلسطينيين دوليين وإقليميين فلقد اخذ نجم الاتحاد السوفيتي في الانسحاب من
المشهد العالمي وتفسخت دوله كما أن العراق البلد العربي القوي تكسرت قوته وفرض
عليه حصار دولي خانق..
ذهب السوريون والأردنيون والفلسطينيون واللبنانيون إلى
مدريد بدعوة أمريكية سوفيتية وكان الفلسطينيون ضمن الوفد الأردني وبعد اللقاء
الجماعي تحولت المفاوضات لكل وفد عربي على حدة مع وفد إسرائيلي بحضور راعيي
المؤتمر.
استطاع الفلسطينيون أن يثبتوا لهم وفدا مستقلا عن الوفد الأردني
يفاوض مباشرة.. وبعد جولات عديدة تبين أن لاتقدم في المفاوضات المنبثقة عن مؤتمر
مدريد..
كانت في السر تتم مفاوضات في أوسلو عاصمة النرويج بين
قيادات فلسطينية وقيادات إسرائيلية توصل الطرفان في منتصف العام 1993 إلى اتفاق بالمبادئ
للتوجه إلى حل سياسي نهائي..
لم يكن سهلا تمرير الاتفاق فلقد تصدت قيادات عديدة في حركة
فتح للاتفاق وبعد نقاش طويل ومضني تمكنت اللجنة المركزية من حسم الموقف بأغلبية
قليلة جدا فيما تصدت فصائل منظمة التحرير وحركة حماس والجهاد والفصائل في سورية
للاتفاقية واعتبروها خيانة للقضية الفلسطينية.
من الواضح أن عرفات رأي نفسه خارج المشهد السياسي أن هو
رفض الاتفاق الذي توصل إليه عضوان من اللجنة المركزية لحركة فتح.. وبدأ التكتيكي
فيه يحاور الاستراتيجي وهو يعيش حالة ضغط نفسي رهيب إلى أن دخل إلى غزة.
وهنا لابد أن اذكر حوارا تم بيني وياسر عرفات في مكتبه
بتونس.. فلقد تابعت الحدث الرهيب اتفاقية أسلو بالنقد والتفنيد وانشر في صحيفة
الشروق الجزائرية فأرسل إلي لمقابلته في تونس فسألني رأيي عن الاتفاقية فقلت له يا
اخ ابوعمار أنت مكره عليها ولكني غير مكره لذلك أنا ارفضها فسألني لماذا ترفضها
فقلت له ما معنى غزة أريحا أولا؟ وأكملت أين نابلس وقلقيلية ورام الله والخليل
وجنين وتوقفت فأكمل وأين يافا وحيفا وعكا والناصرة وصفد وبير السبع؟
وكان صوته يزداد
قوة وعيناه تزداد اتقادا ووجه كلامه لي بشكل مباشر اسمع يا.. فقط لو اخذ شبر على الأرض
الفلسطينية فأنني سأسقط الكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني وكان حازما قويا و نزلت
دموعه وبكيت معه وحضنني وتعاهدنا على كل فلسطين..
وكثير من الناس الذين كانوا قريبين من ياسر عرفات تلك الآونة
يرون فيه تذمرا من الاتفاق وكانت أوصافه للاتفاق بأنه "زفت الطين" وإننا
رضينا بالهم والهم مارضي بنا"..
حاول تعديل الاتفاقيات في طابا والقاهرة ورفض التوقيع في
القاهرة عندما رأي أن الوثيقة تخلو من تحديد مصير القدس والمستوطنات.. وفي خلال
سنوات خمس كان قد أسس لكيان ومؤسسات على الأرض وأطلق مشروع بناء المطار وبناء الأجهزة
الأمنية وتجنيد عشرات آلاف الشباب الفلسطيني..
منذ اللحظة الأولى أدرك ياسر عرفات انه لابد من تقوية
عناصر الحقيقة الفلسطينية وان ذلك يستدعي تقوية المجتمع الفلسطيني وترك الفرصة
للتكوين لمواجهة قد تفرض على الفلسطينيين في اي وقت.. لقد دخل ياسر عرفات في حسبة
مختلفة عن اللعبة المراد بها تصفية القضية الفلسطينية فادخل عشرات آلاف
الفلسطينيين من الشتات وهم من خيرة أبناء الثورة الفلسطينية عندهم خبرات قتالية
وسياسية وأمنية.. فانتقل بالواقع الفلسطيني نقلة بعيدة..
في السنوات الخمس ورغم أن رفض حماس للاتفاقيات ومحاولتها إفشال
الاتفاق من خلال سلسلة عمليات عسكرية متتالية إلا أن ياسر عرفات استطاع أن يبني
القاعدة التحتية لدولة فلسطينية قائمة على أرضية الاشتباك في تفاصيل كثيرة مع كيان
محتل وكان يحرز تقدما ميدانيا على الأرض باستمرار وأصر على إعلان الدولة بعد أن
تبين مماطلة الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ التزماتها السابقة ولكنه أرغم على
الذهاب إلى كامب ديفيد لمفاوضات مطولة في 2000 وواجه عرفات ضغوطا تهتز منها جبال
وكان إلى حد كبير وحيدا في مواجهة الوفد الأمريكي والوفد الإسرائيلي يصف شلومو بن
عامي وزير خارجة إسرائيل وعضو الوفد الإسرائيلي في المفاوضات انه كان يتأمل ياسر
عرفات وماذا يريد فانتهى إلى حقيقة أن ياسر عرفات لامتلك إستراتيجية سلام إنما إستراتيجية
صراع فهو لم يكن يريد من إسرائيل شيء إنما فقط الإعلان عن أنها جريمة في حق الإنسانية
وان ياسر عرفات يحمل في صدره قلب صلاح الدين الأيوبي.. ولقد قال دنيس روس لقد كان
ياسر عرفات كريها لدى الجميع في كامب ديفيد الا انه كان حيويا عنيدا ولا يظهر
انزعاجا..
في كامب ديفيد اكتشف الصهاينة والأمريكان حقيقة عرفات انه
لايفرط بالقدس ولا اللاجئين وانه يرفض القيود والضغوط هنا أعلن الأمريكان على لسان
كلينتون الرئيس الأمريكي ان عرفات لم يصل إلى حالة النضج للبحث عن حلول سياسية
للقضية الفلسطينية.
وبدا الحصار على ياسر عرفات داخليا وخارجيا وبدأت الرؤوس
تشرئب وتتطاول إلى مهمات خاصة تهدف شطب ياسر عرفات ولقد تعالت الانتقادات لإدارة
عرفات الشأن السياسي وانه هو من يعطل العملية السياسية وبدأنا نسمع في الساحة
الفلسطينية عن ثورة بيضاء تستهدفه وعن انه لم يكن صادقا في حديثه مع الأمريكان
وانه كان يحرض الرؤساء العرب لكي يبرر عدم تفاهمه مع الأمريكان في كامب ديفيد.
حملة داخلية شرسة كان محمد دحلان مسئول جهاز الأمن الوقائي
وشخصيات عديدة فلسطينية وأجهزة امن إقليمية تشاركه الهجوم المنظم لإسقاط عرفات
وانتزاع صلاحياته و ليفرض عليه أن يتخلى عن صلاحياته لمنصب جديد يستحدث لهذا الغرض
منصب رئيس الوزراء حيث شغله ابومازن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية الذي كان واضحا انه يختلف مع ياسر عرفات في
التعاطي مع المفاوضات وسياقها ويختلف معه في كيفية مواجهة الموقف الإسرائيلي..
واستقبل الأمريكان ذلك بالترحيب
كانت التهجمات الداخلية على قدم وساق تعقد لها ندوات ولقاءات وتفتح فضائيات وقنوات إعلام لم تراع أدنى حدود اللياقة والموضوعية في التهجم على زعيم فلسطين.. وخارجيا بدا الأمريكان في تحريك أصدقائهم وحلفائهم في الإقليم لمحاصرة ياسر عرفات وازداد المشهد تعقيدا بدخول شارون المسجد الأقصى فأعلن ياسر عرفات الرفض القوي لهذه الزيارة وطالب الشعب بحماية مقدساته وبدأت المعركة الرهيبة بين السلطة والكيان الصهيوني حيث قامت طائرات العدو بتدمير مؤسسات السلطة التي بدأت تخرج من يده مع بروز أشخاص يتوهمون بقيادة الوضع الفلسطيني بعد حصولهم على وعود من الأمريكان والإقليم لضرورة التخلص من ياسر عرفات.. وصولا إلى مؤتمر قمة بيروت الذي أعلن فيه عن مبادرة الأمير عبد الله وتم تغييب ياسر عرفات عن المشهد نهائيا.
حوصر عرفات في مكتبه وقصفت الدبابات مقره في رام الله
واقتحمت سيادة المقاطعة وأصبح مطلوبا القبض عليه فحمل مسدسه وتهيؤ للحظة الأخيرة
وكان صمودا أسطوريا ولم يقم احد من حكام العرب أصدقاء إسرائيل وأمريكا
بنجدته..فكان لابد من قتله مسموما كي ينهوا العقبة الكأداء أمام مشروعهم فكانت
النتيجة التي يعرفها الجميع .انهي ياسر عرفات تاريخه النضالي الطويل بأنه أعلن إلى
القدس رايحين شهداء بالملايين.. وقضى شهيدا.. وكانت نهايته عودة لبدايته مقاتلا
ثائرا رحمه الله.
هل آن الأوان للكتابة عن ملاحظات ضرورية تمس مسيرة الفكرة وأين
حصل الخلل أو الخطأ.. لعلنا نبدأ من الحلقة القادمة نذكر ما نراه صحيحا حول الفكرة
العبقرية وكيف أن الطحالب كادت تخنقها.
0 تعليقات