آخر الأخبار

تعقيب وختام على تناهد دار أبى الأرقم الاولى


خاتمة تناهيد دار أبي الأرقم ؟ (1)






السيد أحمد الجيزاني



بعدما وردني طلب الأختين : الفاضلة العامرية وأختي (مناجاة التائبين) أن أستمر في توثيق وأرشفة وعرض مسار مرجعية الشيخ اليعقوبي خلال حقبة ما بعد سقوط النظام البائد .. فرأيت أن أكتب بواعث البوح بهذه التناهيد بعد كل هذه السنين الطويلة والأعوام المديدة فأقول :
إنني حرصت حرصا شديدا على تلخيص حقبة مرجعية الشيخ اليعقوبيفي طورها المستور غير المعلن والذي أمتد قرابة أربع سنوات وشهرين من استشهاد السيد الصدر (شباط 1999م إلى سقوط النظام البائد نيسان 2003م) في تناهيد دار أبي الأرقم وأقصد بدار أبي الأرقم جامعة الصدر الدينية في النجف الأشراف والتي كانت تتكون من مدرستين دينيتين (مدرسة الإمام المهدي ومدرسة البغدادي) خارج النجف القديمة (الولاية) في ساحة ثورة العشرين ..
جاء هذا الحرص إيمانا مني بضرورة أن يكون المرء شاهد عدل في الحياة الدنيا أمام محكمة التاريخ في القضايا التي غلفها ركام التزييف وجنها التحريف لتكون هذه الشهادة كاشفة لأبعاد شخصية المرجع الشيخ اليعقوبي في أعقد المراحل والأدوار وأصعب الظروف وأحلك الأجواء التي مر بها شيعة العراق عموما والصدريون خصوصا ولكي يتعرف المجتمع بكل انتماءاته وطبقاته وفئاته حراك هذا الرجل يوم كان العراق مرجل يغلي بالأحداث الساخنة بعد تصفية السيد الصدر الثاني قدس سره الشريف ...
وسبحان الله ففي الوقت الذي اختط السيد الصدر الثاني لنفسه التقية الشديدة المكثفة جدا منهجا له بعد تصفية أستاذه السيد الصدر الأول حتى صار ثوبه ودثاره ترى أن الشيخ اليعقوبي لم ينهج نفس الأسلوب خاصة مع تغير مسارات السياسة الأمريكية المؤثرة على الدول عموما والعراق خصوصا فكأن سماحته أدرك أن التقية باتت ثوبا وغطاءا ممزقا لا يحجب من تزملَ به عن أعين البعث وأجهزته القمعية فاختار سماحته النزال المعلن ولكن ممزوج بالتؤدة والحكمة فدار سماحته مكتب السيد الشهيد بلطف خفي مثلما قاد دار أبي الأرقم بأسلوب جميل سوي ..
وتأتي كتابة التناهيد أيضا في إطار رد بعض الجميل والفضل الذي يطوق عنق كاتبها والذي أسداه لنا سماحته في كل موطن وموقف وقفه معنا في أيام دراستنا وعملنا الدؤوب وقتذاك سواء كان كلمة حانية أو دفترا كبيرا (سجل) أخاله الآن بين ناظري قد سطرت على أديمه حروف فقه المرأة المسلمة جاءني به الشيخ محمد حسين مع أقلام وقال لي هذه من الشيخ اليعقوبي لأنك تكتب وتؤلف أو منحه لي مجموعة كتب هدية لكوني الأول على مرحلتي أو اصطحابي معه إلى داره لتناول الفطور في إحدى ليالي شهر رمضان وكان أمامه الطرشي المدبس مفاكها أياي بدعابته اللطيفة : (نحن غير مشمولين بفتوى السيد الصدر) أو عرضه جهاز (كومبيوتر وكان باهظ الثمن في حينه) حينما كنت قد نقلت لبيته كارتونة تحتوي نسخ كثيرة من كتابي (شباب في مقبر الجنس) فقال إن الحاسوب ينفعك في الكتابة ولكن لم استلم الكومبيوتر فقد قرن الحياء بالحرمان كما يقول مولانا أمير المؤمنين وحال سقوط النظام بيني وبين نحلة الشيخ حفظه الله ..

خاتمة تناهيد دار أبي الأرقم ؟ (2)


فجوابي للأختين الفاضلتين ومن يشاطرهن الرأي أقول :
لسنا ماضويين ـ وإن كنا من عشاق حالاتنا أمسى وأصبح ـ ولكن حينما لا يكون الإنسان قادرا على استيعاب الأفكار الحاضرة إلا من خلال أدلجة الواقع بما ينسجم وطموحات الماضي البعيد فحينها يكون الإنسان مقطوعا عن حاضره مشدودا لماضيه وكأنه معلق في الهواء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق فلا يأوي إلى ركن وثيق وحينئذ فربما كانت التناهيد حافزا للملمة الجراحات خاصة تلك التي تكون عميقة الغور .. فتأملوا ..
إن مغادرة الماضي والرحيل إلى مابعد سقوط النظام لهو سفر شاق ومضني وجهيد فبين دار أبي الأرقم وبين سقيفة بني ساعدة مسافة طويلة ورحلة شاقة كتبت شطرا منها في كتابي (المرجعية الدينية والعمل السياسي) ولكنني أحرص على كتم ما جاء فيه وتركه وعدم نشره بقدر ما احرص على نشر تناهيد دار أبي الأرقم ولأن كانت الأولى تناهيد فالثانية زفرات السقيفة ..
فبين دار أبي الأرقم والسقيفة رحلة متناقضة في فصولها مضطربة في معانيها بين البساطة والتعقيد وبين الجشع والزهد وبين رب رحيم وشيطان رجيم وبين قديسة وماجنة وبين ملك مقرب وشقي ضال وبين شيت وقابيل وبين معصوم وأسير الشهوات وبين خديجة وأم جميل وبين حمزة وأبي لهب وبين فاطمة وهند وبين سلمان وعبد الرحمن بن عوف وبين أبي ذر وعثمان ..
هي رحلة لا يشبه بعضها بعضا لأن مقاسات السقيفة ومناخها وكل شيء فيها مختلف تماما عن دار أبي الأرقم وطالما كانت السقيفة ليست المقصد والغاية فعلى الفرد قبل أن يصل إلى شعاب يثرب أن يعيد بذاكرته إلى رواشح دار أبي الأرقم فيأخذ جانبا في الأبواء أو في مر الظهران وينادي يا أيتها العير أن قفوا فإني لا أرغب بإتمام المسير في رحلة تنتهي به حيث السقيفة ولا أريد أن أبيع أيام دار أبي الأرقم بملئ الأرض ذهبا ولكن على الفرد أن يمضي في طريقه بهدوء ولا يلتفت وراءه ومن دون أن يعكر صفو الطاعنين وثمال العاشقين ..






إرسال تعليق

0 تعليقات