آخر الأخبار

صلاة القتلة عالم روبير الخاص




صلاة القتلة عالم روبير الخاص





 محمود جابر


رغم أن الرواية ذات طبيعة خيالية، بيد أن تجربة الكاتب أو الروائى تلعب دور البطل فى صناعة الأحداث ونحت الشخصيات، ووضع الحبكة الدرامية فيها، ومن هنا يتميز روائى عن آخر بتجربته الشخصية، وكلما كانت تجربته عميقة وفريدة ومتنوعة كلما كان نتاجه الروائى ذا طعم ومذاق ولون خاص .

فى عالم روبير الفارس ابن الصعيد المصري الذى عاش فيه طفولته وصباه وجزء من شبابه، حيث تكونه فى تلك البيئة شديدة الصعوبة قليلة الموارد الاقتصادية شديدة الانغلاق فى مكونها المسلم والمسيحي، إضافة أن الكاتب أو الروائى – روبير- هو ابن فترة الثمانينات فهو ابن مرحلة جديدة من عمر مصر مرحلة تميزت بانتشار السلفية الوهابية والجماعات الدينية والتى كان الصعيد بيئة حاضنة لها، إضافة أن الكنيسة فى تلك الفترة كما المسجد وكما الجماعات لعبت دورا اجتماعي وتربوي ما كانت تلعبه لولا أن الدولة انسحبت وتركت كل تلك الجماعات الوسيطة تلعب الدور الأم فى تكوين الناس ورعايتهم واحتضانهم وتوفير لهم ما يحتجونه عوضا عن الدولة الغائبة أو المنسحبة .
روبير هو ابن تلك البيئة وابن تلك الفترة وابن تلك الكنيسة وابن تجربة عاشها مع آباء الكنيسة ورعاتها سواء فى بيئته الأم أو بيئته الجديدة بعد هجرته إلى القاهرة ...
وروبير كملايين الأقباط من أمثاله الذين تربو فى تلك الفترة فى حضن الكنيسة وحضن آبائها، ولكنه يختلف عن غيره بأمرين الأول أنه يملك عقلا إبداعيا يستطيع من خلاله إعادة رؤية التجربة بعين أخرى والثانية هى الشجاعة التى يمتلكها من أجل أن يبوح بهذا الخيال .
صلاة القتلة :

صلاة القتلة رواية تقتحم ذلك العالم الذى يراه الكثيرون انه عالم مقدسا خاليا من طمع الدنيا ومن شهواتها، حيث الموت الاختيارى للراهب وتجرده من متاع الدنيا ومن الزواج من كل ما يشغل الناس ويجعلهم فى صراع دائم، وبالتالى فهو عالم ملائكي قدسى – هكذا يراه الآخرون .
ولكن المطرانية الشاهقة ومكتب المطران الفخم، لا تناسب مع حالة التبتل والخشوع والفقر الاختياري، فكلها تصنع لعين الفاحص والمدقق تناقضا فجا، علاقات المطران التى نستطيع أن نقول انها شبكة من رجال المافيا ما بين كدوانى، واللواء، ومارك وتاجر الآثار الاجنبى كلها تكشف عن طبيعة تلك الشبكة التى رسمها ربير بحرفية وكأنها لوحة أو رواية شخوصها يتكلمون من خلال الورق، ولم يكن اختيار طريقة الصلاة من جانب المطران الذى يحاكى فى صلاته صلاة القديس " غريغوريوس" إلا مزيد من رسم صورة التناقض بين رجل يعيش فى حالة رفاهية وتضاد بين الحالة الروحية التى يجب أن يكون عليها وبين الحالة الحقيقة التى يحيى بها هذا المطران، الذى يصور لنفسه – كذبا – بان سرقة الآثار ما هى الإ وسيلة لإطعام فقراء الشعب ومساكينه.
هذ الزعم الكاذب هو الذى سوف يخلف حربا ما بين وسطاء الآثار الذين يتعامل معهم المطران ويصبح الحساب بعد ذلك حساب على الدم...
وفى الوقت نفسه ومن خلال " المهمة" يكشف روبير بحرفية المصور والنحات والروائى حالة التناقض داخل المشهد الواحد بين المطران الذى يكنز الأموال وبين الراهب الذى يستلم عهدة عبارة عن 15 قفه خوص و12 صندل جلد من أجل أن يذهب إلى السوق ليبيعها ويشترى بثمنها بقولا من أجل طعام الرهبان فى الدير ويوزع ما تبقى من الثمن على الفقراء !!
الصورة موغلة فى التناقض والتضاد والشح والفقر، والراهب صاحب المهمة الذى يتلو صلواته بالقبطية التى يجهلها، ما تزالت نفسه التى قتلها اختياريا متعلقة بكل الشهوات التى خلفها ورائه بل أن البعد عن الشهوة زاده توغلا وتخيلا لدرجة انه يرى التكوينات الرملية نساء ... وهو الذى يتلوى فى صلواته " لاتجادل الشيطان، ولا تلقى التحية على امرأة".
لا اعتقد أن اسم الراهب صاحب المهمة اسم عابر، فالمهمة تحمل طابعا اقتصاديا كما كان متى أو لاوى صاحب الإنجيل الشهير عشاريا أى جامع ضرائب .

ولان الإنسان دائما يلاقى ما يبحث عنه فقد صادف " متى" وهو فى طريقه إلى المدينة وأثناء عبره منطقة المقابر اهتز وجدانه، هكذا يقول روبير، فإن الراهب صاحب المهمة وجد ما يبحث عنه ومن هنا فإن وجدانه قلبه وعقله وخياله وأحاسيسه كلها تحركت لمجرد سماع أصوات التأوهات التى تصدرها امرأة تعزف الخطيئة بتوحش ومتعة .. هكذا صورها عقل وسمع ووجدان الراهب المنعزل الميت المتعطش للخطيئة حتى ولو رآها بخياله، والذى رأى فى الانعزال عن تلك الخطيئة المفقودة غباء، ولم يتركنا روبير كهذا فى هذا العنوان " المهمة" وكنه صور لنا مشهدا على لسان الراهب "متى" اعتقد انه لم يقف أمامه الكثير حين تذكر متى بعد هذا المشهد فى المقابر يرتلون معزوفات بلا نساء...!!
فالعبارة تستحق أن تقف أمامها لأنها دلالة عميقة على خيال روبير وروعة عالمة الذى يصور مشاهد لا تكتب ولا تشاهدها إلا فيما يكتبه هذا المبدع ..

وللحديث بقية







إرسال تعليق

0 تعليقات