بدلاً من بناء الجسور بين البشر
تُبنى الجدران العازلة
د. محمد ابراهيم بسيوني
حادثة طريفة قرأتها أخيرا مع
الاعتذار عن ورود كلمة غير لائقة وهي أن صهيونيا طرح سؤالا على صفحته للتواصل
الاجتماعي: «ما الفرق بين الفلسطينيين والحمير؟» فأجابه فلسطيني: «الجدار العازل».
بعد التقدم العلمي الذي حققته
البشرية لا يزال البعض يتبع الأسلوب ذاته الذي كان يستخدمه البدائيون علي مر
التاريخ، ليشكل علامة لا علاقة لها بالتقدم الفكري والإنساني، متناسين أن العالم
تحول بفضل التكنولوجيا إلى قرية صغيرة، ويمكن لجميع الأفراد التواصل فيما بينهم
منأي مكان يقيمون فيه، وكأن أصحاب سياسة الجدران العازلة يرفضون، ولا يزالون
يعتقدون أن التواصل الحسي المادي الجسدي هو الأخطر، بينما التواصل الفكري هو
الأهم. وهو أمر يثير التعجب والدهشة.
لقد سقطت جدران كثيرة على مر
التاريخ أمام إصرار الناس على التواصل، لم تكن الجدران العازلة يوما فواصل إسمنتية
فحسب، بقدر ما هي حواجز نفسية وإيديولوجية تتسبب في انقطاع التيار الإنساني بين
طرفي الجدار، ولتختزل الكثير من الأزمات والصراعات بين أطراف وصلت إلى طريق مسدود
فيما يخص التوافق والتواصل أو أطراف ما كان لها أن تتجاور لولا الظروف الدولية
التي غالبا ما تكون استعمارا أو احتلالا كما في الجدار العازل المقام على الأراضي
الفلسطينية المحتلة.
وبعودة تاريخية نجد أن من
أوائل الجدران العازلة في التاريخ هو سور الصين العظيم الذي بناه الصينيون في القرن
الثالث قبل الميلاد. ولا تزال ذكرى جدار برلين الذي حاول الفصل بين أبناء الشعب
الألماني الواحد، حاضرة في الأذهان، ولم يصمد الجدار أكثر من 28 عاماً، وتم فتحه
في 9 نوفمبر من العام 1989، وهُدم بشكل كامل فيما بعد.
كرر الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب مطالباته ببناء أطول جدار بين أمريكا والمكسيك، رغم علمه أن الجدار لن يوقف
الهجرة غير الشرعية بين أمريكا والمكسيك، فطول الحدود بين البلدين يبلغ حوالي 3169
كيلو مترا، وهي الأطول في العالم بين دولتين، ووفق دراسات أجريت سيكلف مشروع
الجدار حوالي 21 مليار دولار، أي أنه سيضع الاقتصاد الأمريكي في مأزق، وحالياً تنفق
أمريكا مليارات الدولارات سنوياً لحماية حدودها، ويقوم حوالي 17 ألف جندي بحراسة
الحدود، ناهيك عن المتطوعين المدنيين، ويفشل جميع هؤلاء يومياً في الحد من الهجرة،
فالحدود تكتنفها جبال وعرة وأشعة شمس حارقة، إضافة إلى نهري كولورادو وغراندي، لكن
دونالد ترامب يصر على فكرته المستحيلة، بدلاً منضخ الدولارات التي سيتكلفها بناء
الجدار في سد جوع الفقراء الراغبين في الهجرة، ويخاطرون بأنفسهم.
أما قضية جدار الفصل العنصري
في فلسطين فهو أكثر من فضيحة للعالم، قبل أن يكون لسلطات الاحتلال الإسرائيلي،
فهذا الجدار دليل فشل كبير لمساعي العالم في حل القضية الفلسطينية، وإعادة
اللاجئين إلى أراضيهم، بل والسكوت عنه يشكل مؤامرة دولية وانحيازاً كاملاً إلى
جانب السياسات الصهيونية؛ إذ لا تكفي بيانات الشجب والاستنكار للفعل ذاته، بل لا
بد من العمل على إزالته نهائياً، ليس لتمكين الفلسطينيين من التواصل مع
الإسرائيليين، بل للحفاظ على وحدة الأراضي الفلسطينية التي رسمتها المعاهدات
والاتفاقيات الدولية، ورعتها الدول العظمى.
يجب علينا أن نعترف أن سياسة
الجدران العازلة هي سياسة العجز والفشل، إن كانت في ألمانيا أو أمريكا أو تركيا أو
سوريا أو فلسطين أو لبنان، وأذكر تصريحاً لبابا الفاتيكان رد خلاله على الرئيس
دونالد ترامب بشأن الجدار بين أمريكا والمكسيك، أن الجدار ليس عملاً مسيحياً، وقال
إنه بدلاً من بناء الجسور بين البشر تُبنى الجدران العازلة.
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات