وقفة مع العبد الصالح علي بن ابي طالب عليه السلام
عبد
الكاظم حسن الجابري
كيف لي أن أكتب عنك، وأنى لي
أن أفي حقك، وأي كلمات تكتب لتحيط بك، أ إني أذا أتيت أجتليك سأكون على قدر ما
أكتب؟!.
أسئلة حائرة تدور في خوالج
النفس، تزدحم حولها الأفكار، وتصعب إجاباتها، والسؤال الأهم! الذي يتميز عن باقي
الأسئلة هو : هل يمكن لي أن أصف عليا؟! وهل لي أن أحيط ببعض شمائله إدراكا؟! وهل
لي وأنا محض النقص، أن أصف شخصا حاز من الكمالات أرفعها، ومن المزايا أجملها، ومن
محاسن الخصال أنقاها؟!.
فوضى الإجابة في داخلي تربكني،
فكلما نظرت لنفسي أجدني كليل اللسان، وضعيف البيان، لأكتب عن شخصية شغلت التاريخ،
وملئت أمهات الكتب بفضائلها، شخصية أخفى أعداءها فضائلها حسدا، وأخفى أتباعها
فضائلها خوفا، ورغم ذلك ظهرت لهذه الشخصية ما ملأ الخافقين.
شيئا فشيئا أحاول التجريء
والتجاسر، لأكتب عن العبد الصالح، علي بن أبي طالب عليه السلام، فأعيش بين الخوف
والتردد، خوفا من هيبة ووقار هذا الاسم اللامع، الذي أخرس بسيفة ألسنة الكفر،
وأطاح برؤوس أئمة الطغيان، وترددا لصغري أن أكتب عنه، وهو منهل لا ينضب، ولا يدرك
كنهه، وقد قال عنه خاتم الأنبياء صلى الله عليه واله “يا علي لا يعرفك إلا الله
وأنا”.
هنا تقف نفسي الحائرة، وتستدرك
قائلة “يا ويلي! أوَ بعد قول رسول الله قولا؟!” علي لا يعرفه إلا الله ونبيه، فكيف
لي أن أحيط به معرفة؟..
لملمت أطرافي وجمعت شتات نفسي،
بعد أن أدركت قصوري، وأعلنت استسلامي لأن أعرف عليا، فقررت أن ألج بحره شيئا
فشيئا، وأجتلي بعضا من خصائصه، لعلي أفي بعشر معشار لحق هذا الرجل العظيم.
الصورة الأولى التي طالعتني
لعلي، إنه ولد في أطهر بقعة على الأرض، بقعة ارتضاها رب الأكوان قبلة، لمن أمّ
وجهه لعبادة الخالق، فكانت ولادته مقدسة إعجازية، من شق جدار البيت، إلى نزول
سيدات نساء الدنيا، ليلين من أمر إمه شأن الولادة، فكانت آسيا ومريم وأخت موسى،
حاضرات يتكفلن علي ثلاثة أيام في بطن الكعبة.
تتوالى الصور أمامي، لتطالعني
صورة ثانية، إنه لم يسجد لصنم، نعم ولادة مباركة تلتها سيرة مباركة، لتؤهله ليكون
أول مؤمن، ومصدق برسالة النبي الخاتم صلوات ربي عليه وعلى اله.
تأتي صورة ثالثة، تفرض نفسها بقوة، أوَ ليس هو من فدى النبي الخاتم بنفسه؟! حينما تآمر عليه سادات قريش وحلفاءهم، قائلا قولته المشهورة، حينما كلفه النبي بالمبيت “أوَ تسلم يا رسول الله” يا الله يا لها من نفس عظيمة، وايثار كبير، فلم يسأل عن نفسه وسلامته، بل كان كل همه سلامة نبي الإسلام.
تتقلب أمامي الصور وكأنها شريط
من قصص التاريخ، متناغمة الإيقاع، فتمر صورته ببدر، وذوده عن رسول الله، ووقفته في
أحد حينما تخاذل الباقون، وطلبوا الأمان من أبي سفيان، انتقالا للأحزاب ،حينما برز
يحمل معنى الإيمان كله، إلى الشرك كله، ويمر شريط التاريخ إلى معركة خيبر، وقول
رسول الله فيه بعد أن فشل الباقون، واستيئس منهم الرسول، فقال: “سأعطي الراية غدا
لرجل يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار، يفتح الله على يديه” نعم
ليكون الفتح وهد حصن اليهود على يد علي الهمام.
هذه الصور لم ترق للمنافقين والخائنين، فسلبوا حقه المعطى يوم الغدير، حينما قال عنه النبي ” من كنت مولاه فهذا علي مولاه” ليخونوا هذه الولاية، ويسلبوها والرسول لما يقبر.
وتدور عجلة الأيام، وتمر
السنون، ويستمر شريط الصور من تاريخ هذا الضيغم، فيتولى زمام أمر المسلمين، فصار
خليفتهم، ورغم تآمر أهل الشقاق والنفاق عليه، إلا إنه آثر المسلمين على نفسه، وكان
بهم أبا رحيما، يلبس لباسهم وأقل، ويأكل من حصته من العطاء، الذي يساوي عطاء خادمه
قنبر.
ملك علي؛ فكان لا يعير الملك اهتماما، إلا إن يحق حقا، ويرد باطلا، كان ينتصف للناس من نفسه، عونا لهم في كل الملمات، والخطوب، عادلا قاسما بالسوية، حانيا على الرعية، كان مع رعيته كأحدهم، لا يميز نفسه عليهم.
تختتم صور حياة علي، كما بدأت، شهاده في مسجد، هو احد المساجد الأربع التي تشد إليها الرحال، فكانت حياته سلام الله عليه، مطرزة بمسيره من الله الى الله، ابتدأت بأطهر بقعة في قلب الكعبة، وانتهت بأطهر بقعة ألا وهي مسجد الكوفة
ولله در ضرار بن حمزة حينما وصف أمير المؤمنين عليه السلام حينما طلب منه معاوية ذلك عندما دخل عليه دخل ضرار بن حمزة على معاوية بعد قتل أمير المؤمنين”عليه السلام”فقال: صف لي عليا ؟فقال: أعفني، فقال أقسمت عليك لتصفه ؟قال: أما إذا كان ولا بد ، فانه: والله كان بعيد المدى ، شديد القوى، يقول فصلآ، ويحكم عدلا، ينفجر العلم من جوانبه، وتنفلق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة ،يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، قابضا على لحيته يتململ تملل السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري، أبي تعرضتِ؟ أم إلي تشوقتِ؟ هيهات هيهات، قد طلقتك ثلاثا، لا راجعة لي فيك فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق.
فقال معاوية: قد كان والله
كذلك، فكيف حزنك يا ضرار ؟قال:
حزن من ذبح ولدها في حجرها،
فهي لا يرقى دمعها ولا يخفى فجعها.
فالسلام عليك يا أمير الإنسانية
يوم ولدت ويوم استشهدت ويون تبعث حيا.
------
المصادر:-
مروج الذهب 2 : 421 .
خصائص الائمة : 40 .
بهج الصباغة في شرح نهج
البلاغة ج6
0 تعليقات