آخر الأخبار

روح العاشر من رمضان


روح العاشر من رمضان












 د. محمد ابراهيم بسيوني
يخطىء كل من يظن أن انتصار العاشر من رمضان كان عسكرياً فقط، فلم يكن الجيش المصرى المنهك بعد هزيمة يونيو ومع امتناع الغرب عن تسليحه بالأسلحة الحديثة والتكنولوجيا المتطورة واعتماده على التسليح البسيط من المعسكر الشرقى قادراً على تحقيق الانتصار دون تواجد المعجزة البشرية التى تعاملت مع اقل الإمكانيات لتصنع بها مجداً ونصراً يتغنى به العالم طوال عقود. كيف كان المجتمع المصرى فى الفترة من انكسار ١٩٦٧ أو قبلها بسنوات وحتى انتصار ١٩٧٣. هل كنا حقا فى أعلى درجات الاصطفاف والتركيز والازدهار السياسى والاقتصادى وقتها أم أن الحال ربما كان اسؤا مما نعيشه الان. هذه الفترة كانت من اضعف الفترات فى تاريخ مصر سياسيا واقتصاديا بل واجتماعيا حيث غابت التعددية السياسية وظهرت مراكز القوى وغُيب شباب الوطن تماماً بين الأفلام الهابطة وتقاليع الازياء الغربية البالية وانحسر تماما اى دور على الأرض للشباب او منظمات المجتمع المدنى حتى كانت نكسة ١٩٦٧ ليشعر المصريون وقتها بالخوف على مصيرهم ومستقبل ابناهم فيأتي التحول المفاجىء والذى قد يوصف بأنه أعظم تحول سيكولوجى ومجتعى يحدث فى دولة ما خلال فتره قصيرة جدا من الزمن. فجأة يتحول هؤلاء الذي كانوا منذ قليل تائهين مستهترين بما يحدث حولهم الى وحوش ضارية تعرف عدوها الحقيقى وتصمم على الانتقام والثأر للارض والدم والعرض الذى اهين فى فترة النكسة. انه التحول من الظلام الى النور فنفس الجيش الذى هزم فى ست ساعات هو نفسه الذى انتفض سريعا ليستعيد وعيه وينقض على العدو الغادر ليلحق به شر هزيمة رغم الضعف المادى والعسكرى. انها الروح التى ولدت من رحم الهزيمة والتى ربما رايناها بشكل اخر خلال احداث يناير ٢٠١١ فهذا الشباب الذى ظل لسنوات طويلا بعيدا عن كل ما يتعلق بالسياسة وتم تغييبه تماما تحت تاثير المخدرات والافلام السنيمائية ومباريات كرة القدم هو نفس الشباب الذى رايناه خلال ايام يناير وما بعدها رائعاً فى ميادين الثورة واللجان الشعبية حامياً ومدافعاً عن المال والارض والعرض حتى وان اختلفنا او اتفقنا فى سبب تواجدهم او الاغراض الحقيقية التى تم الدفع بهم الى الشارع من اجل تحقيقها. انها روح اكتوبر ولدت مره اخرى ثم اختفت سريعا بفعل فاعل لا يريد ابدا لهذا الروح ان تستمر او ربما هى عوامل الزمن التى قدرت لهذا الشعب ان يمر دائما بهذه المرحلة من الغياب ثم العودة مجددا من الخلف حيث لا يتوقع احداً له ان يعود.


اليوم ونحن فى اشد حالات الغياب ربما كما يراه معظم المحللون والمتابعون ومع انصراف الشباب بقوة وقسوة عن المشهد الداخلى والسياسى والعودة مجددا الى حالة اللا تواجد او الغيبوبة المؤقتة المصحوبة دائما بالاستغراق فى التفاهات كالافلام ومتابعة نجوم الفن ولاعبى كرة القدم. هل نشهد صحوة جديدة وهل يكرر هذا الجيل من الشباب ما حدث مرارا من قبل ويعودون مرة اخرى ليذهلوا العالم باصطفافهم خلف الوطن ونصرته. ربما لا نكون الان فى حالة حرب كما حدث فى اكتوبر وشبابها كما اننا لسنا فى حالة ثورية مثلما حدث فى يناير وابناؤها ولكننا الان احوج ما نكون الى هذه الروح التى تبنى وتعلم وتطور وتصنع لهذا الوطن الغالى نوعا من التواجد الدولى القائم على العلم والابتكار وتحويل الدولة المصرية الشابة بطبعها الى مركزا للاشعاع ينطلق منه شباب مصر لغزو العالم بذكاؤهم ونبوغهم الفطرى فى كل مجالات العلم والبحث. هل نشهد هذه العودة سريعا ام ان شبابنا ما زالوا غير مدركين لقدراتهم المكنونة وطاقاتهم الخفية التى صنعت المستحيل منذ عقود والتى ما زالت قادرة دائماً وابداً على تغيير وجه الحياة وكتابة تاريخ جديد لهذا الجيل المميز الذى ربما يمتلك ما لم تتحصل عليه الاجيال السابقة من الاطلاع والاطلال على العالم الخارجى والتعامل بكل سهولة ويسر مع التكنولوجيا الحديثة التى حرم منها اباؤهم وابناء الاجيال السابقة.


فى النهاية نذكر انفسنا ونذكر شبابنا بأننا لم نكن فى اعظم حالاتنا حين انتصرنا ولم نكن فى قمة التقدم حين عبرنا ولكنهم كانوا رجالاً ادركوا اللحظات الفارقة فى تاريخ امتهم فتخلصوا سريعا من اى عوار الم بهم وارتدوا ثوب الابداع والإجادة ليحققوا ما لم يتوقعه احد. حفظ الله شباب مصر وارشدهم الى عبوراً جديدا لهم ولوطنهم مصر.


عميد طب المنيا السابق










د. محمد ابراهيم بسيوني

يخطىء كل من يظن أن انتصار العاشر من رمضان كان عسكرياً فقط، فلم يكن الجيش المصرى المنهك بعد هزيمة يونيو ومع امتناع الغرب عن تسليحه بالأسلحة الحديثة والتكنولوجيا المتطورة واعتماده على التسليح البسيط من المعسكر الشرقى قادراً على تحقيق الانتصار دون تواجد المعجزة البشرية التى تعاملت مع اقل الإمكانيات لتصنع بها مجداً ونصراً يتغنى به العالم طوال عقود. كيف كان المجتمع المصرى فى الفترة من انكسار ١٩٦٧ أو قبلها بسنوات وحتى انتصار ١٩٧٣. هل كنا حقا فى أعلى درجات الاصطفاف والتركيز والازدهار السياسى والاقتصادى وقتها أم أن الحال ربما كان اسؤا مما نعيشه الان. هذه الفترة كانت من اضعف الفترات فى تاريخ مصر سياسيا واقتصاديا بل واجتماعيا حيث غابت التعددية السياسية وظهرت مراكز القوى وغُيب شباب الوطن تماماً بين الأفلام الهابطة وتقاليع الازياء الغربية البالية وانحسر تماما اى دور على الأرض للشباب او منظمات المجتمع المدنى حتى كانت نكسة ١٩٦٧ ليشعر المصريون وقتها بالخوف على مصيرهم ومستقبل ابناهم فيأتي التحول المفاجىء والذى قد يوصف بأنه أعظم تحول سيكولوجى ومجتعى يحدث فى دولة ما خلال فتره قصيرة جدا من الزمن. فجأة يتحول هؤلاء الذي كانوا منذ قليل تائهين مستهترين بما يحدث حولهم الى وحوش ضارية تعرف عدوها الحقيقى وتصمم على الانتقام والثأر للارض والدم والعرض الذى اهين فى فترة النكسة. انه التحول من الظلام الى النور فنفس الجيش الذى هزم فى ست ساعات هو نفسه الذى انتفض سريعا ليستعيد وعيه وينقض على العدو الغادر ليلحق به شر هزيمة رغم الضعف المادى والعسكرى. انها الروح التى ولدت من رحم الهزيمة والتى ربما رايناها بشكل اخر خلال احداث يناير ٢٠١١ فهذا الشباب الذى ظل لسنوات طويلا بعيدا عن كل ما يتعلق بالسياسة وتم تغييبه تماما تحت تاثير المخدرات والافلام السنيمائية ومباريات كرة القدم هو نفس الشباب الذى رايناه خلال ايام يناير وما بعدها رائعاً فى ميادين الثورة واللجان الشعبية حامياً ومدافعاً عن المال والارض والعرض حتى وان اختلفنا او اتفقنا فى سبب تواجدهم او الاغراض الحقيقية التى تم الدفع بهم الى الشارع من اجل تحقيقها. انها روح اكتوبر ولدت مره اخرى ثم اختفت سريعا بفعل فاعل لا يريد ابدا لهذا الروح ان تستمر او ربما هى عوامل الزمن التى قدرت لهذا الشعب ان يمر دائما بهذه المرحلة من الغياب ثم العودة مجددا من الخلف حيث لا يتوقع احداً له ان يعود.


اليوم ونحن فى اشد حالات الغياب ربما كما يراه معظم المحللون والمتابعون ومع انصراف الشباب بقوة وقسوة عن المشهد الداخلى والسياسى والعودة مجددا الى حالة اللا تواجد او الغيبوبة المؤقتة المصحوبة دائما بالاستغراق فى التفاهات كالافلام ومتابعة نجوم الفن ولاعبى كرة القدم. هل نشهد صحوة جديدة وهل يكرر هذا الجيل من الشباب ما حدث مرارا من قبل ويعودون مرة اخرى ليذهلوا العالم باصطفافهم خلف الوطن ونصرته. ربما لا نكون الان فى حالة حرب كما حدث فى اكتوبر وشبابها كما اننا لسنا فى حالة ثورية مثلما حدث فى يناير وابناؤها ولكننا الان احوج ما نكون الى هذه الروح التى تبنى وتعلم وتطور وتصنع لهذا الوطن الغالى نوعا من التواجد الدولى القائم على العلم والابتكار وتحويل الدولة المصرية الشابة بطبعها الى مركزا للاشعاع ينطلق منه شباب مصر لغزو العالم بذكاؤهم ونبوغهم الفطرى فى كل مجالات العلم والبحث. هل نشهد هذه العودة سريعا ام ان شبابنا ما زالوا غير مدركين لقدراتهم المكنونة وطاقاتهم الخفية التى صنعت المستحيل منذ عقود والتى ما زالت قادرة دائماً وابداً على تغيير وجه الحياة وكتابة تاريخ جديد لهذا الجيل المميز الذى ربما يمتلك ما لم تتحصل عليه الاجيال السابقة من الاطلاع والاطلال على العالم الخارجى والتعامل بكل سهولة ويسر مع التكنولوجيا الحديثة التى حرم منها اباؤهم وابناء الاجيال السابقة.


فى النهاية نذكر انفسنا ونذكر شبابنا بأننا لم نكن فى اعظم حالاتنا حين انتصرنا ولم نكن فى قمة التقدم حين عبرنا ولكنهم كانوا رجالاً ادركوا اللحظات الفارقة فى تاريخ امتهم فتخلصوا سريعا من اى عوار الم بهم وارتدوا ثوب الابداع والإجادة ليحققوا ما لم يتوقعه احد. حفظ الله شباب مصر وارشدهم الى عبوراً جديدا لهم ولوطنهم مصر.
----

عميد طب المنيا السابق


إرسال تعليق

0 تعليقات