آخر الأخبار

حتمية التقريب 2/2



حتمية التقريب 2/2









محمود جابر



ستظل المذاهب ومدارس الفكر في الإسلام توجد ما بقى للمسلمين حاجة إلى التعبير عن تراثهم العقلي والروحي، والى استدامة الصلة بين أصول دينهم وبين واقع الحياة فى العصر والمحيط اللذين يعيشون فيهما، ليس من مصلحة الإسلام والمسلمين كبت النشاط العقلي والروحي داخل الإسلام، لان من أجل ما يقدمه المسلم لدينه أن يفكر فيه ويشعر به، والإسلام يندثر ويدرس إذا لم يعد يفكر فيه ويشعر به إلا الحمقى والجهلاء، والمسلم لا شك يفقد روحه إذا خاف من التفكير وتهيب عقله ورهب كل تجربة روحية عميقة، وترك الضحالة والمحاكاة والرتابة والآلية تطمر أعماقه وتأكل إرادته، وتحيله إلى مسلم تافه سطحي معدوم الروح والشجاعة .
ليس الإسلام دين الآليين المملين، ولا هو إيمان العجائز وأشباه العجائز من الغائبين، وإنما هو دين الإيقاظ الأفذاذ، وإيمان الشجعان القادرين الصابرين .
وبديهي أن الخلاف الفقهي بين المدارس والمذاهب الإسلامية ليس مما تشتغل أو تنظر فيه العامة، ولا نعنى هنا بالعامة العوام، وإنما نعنى كل من لا يهتم بمعرفة فقه المذاهب، وهم معظم القارئين الكاتبين، وفى زمننا هذا معظم المثقفين المتعلمين .
وهؤلاء يلتقطون عادة نتفا ونكتا عن المذاهب من هنا وهناك، لايتحرون أصلها ولا صدقها، وهم – لو وجدو الفرصة، ووجدوا من أنفسهم الاهتمام الكافي – قادرون بلاشك على تحصيل صورة صحيحة عن المذاهب الإسلامية .
أما العوام والدهماء فلا يقوون على النظر لأنفسهم فى هذه الأمور، ولا يستطيعون إلا أن يقلدوا ما يمكنهم تقليده، والخلاف المذهبي لا يمكن أن يصل إلى العوام والجهلاء والدهماء إلا عن طريق الدعوة والدعاة، ولا يصل إليهم عادة إلا بعد أن يفقد كل ما فيه من فكر وفقه، ويتحول أكثره إلى دعاوى عريضة ساذجة، واتهامات صارخة منكرة ترددها ألسنة ناعقة في رءوس فارغة على أنها حقائق لا تحتاج إلى بيان أو برهان، وللباطل دائما حيوية تتناسب مع عدد معتنقيه ومصدقيه، ومع أمد بقائه بين ظهرانيهم، ومبلغ اختلاطه بأحداث حياتهم، فإذا توالدوا انتقل من الآباء إلى الأبناء، وكساه هذا على مر الزمن عراقة وقداسة، فحفظته الصدور والسطور، وتبارت فى تأييده وتمجيده العقول وبذلت فى نصرته المهج والاعمار .
والفكر الإسلامي  شأن كل فكر- مفتوح الأبواب- مارسه الخيرون فى نزاهة وحسن قصد واحتياط وتحر للصدق ما وسعهم، كما مارسه المفسدون واستغله ذوو لمصالح والأهواء .

وزاد مسعى هؤلاء سهولة وخطورة اتصال الفقه الإسلامي بالدين، ويسر الخلط بينه وبين الدين ذاته، وشدة حساسية عامة الناس فى أمور الدين، وقلة رؤيتهم وصبرهم فيما يتصل بها، لهذا وغيره لابست مدارس الفكر الإسلامي من قديم فى كثير من بلاد المسلمين عصبيات تجمعت حولها طوائف من الناس جعلت فى ظل الانتماء إلى هذه المدارس والمذاهب الإسلامية تتناحر على أسباب الرزق والجاه، وعلى النفوذ السياسي والاجتماعي، فلم يعد الخلاف بين هذه العصبيات خلافا بين فكر وفكر، وفقه وفقه، وإنما هو صراع على النفوذ والقوة بين مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية لا يهمها خير الإسلام والمسلمين، تختفي وراء عداوة جاهلة سافرة تذكى نارها باستمرار بين الكتل المنتمية إلى هذا المذهب أو ذاك .

إرسال تعليق

0 تعليقات