القروض
والستر الممنوع
د. محمد إبراهيم بسيوني
كشف البنك المركزي المصري عن ارتفاع رصيد الدين
الخارجي لمصر، ليسجل نحو 96.6 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2018. وأكد البنك
المركزي، ارتفاع الدين الخارجي بقيمة بلغ قدرها 3.9 مليار دولار بمعدل بلغ 3.4%
بالمقارنة بنهاية يونيو عام 2018. وأوضح البنك المركزي، أسباب ارتفاع الدين
الخارجي، موضحًا أنه جاء نتيجة زيادة صافي المستخدم من القروض والتسهيلات بنحو 4.3
مليار دولار، بالإضافة إلي انخفاض أسعار معظم العملات المقترض بها أمام الدولار
بقيمة 400 مليون دولار. وأضاف البنك المركزي، أن الأقساط التي تم تسديدها بالفعل
بلغت قيمتها نحو 5.9 مليار دولار، كما بلغت قيمة الفوائد المدفوعة نحو 1.4 مليار
دولار. وأشار البنك المركزي المصري، إلي أن أعباء خدمة الدين بلغت قيمتها نحو 7.3
مليار دولار، خلال الفترة من يوليو إلي ديسمبر من السنة المالية 2018/2019. وأظهرت
بيانات النشرة الشهرية الإحصائية عن أبريل، الصادرة عن البنك المركزي، ارتفاع
متوسط نصيب المواطن من الدين الخارجي في نهاية الربع الثاني من العام المالي
2018/2019. وسجل الدين الخارجي، نحو 906.3 دولار لكل مواطن خلال نفس الفترة مقابل
790.8 دولار لكل مواطن بنهاية الربع الثاني من العام المالي 2017/2018. وأكد البنك
المركزي، أن المؤشرات أظهرت أن نسبة رصيد الدين الخارجي إلي الناتج المحلي
الإجمالي بلغت 35.1 % وهى مازالت في الحدود الآمنة وفقا للمعايير الدولية.
الكثير من الاقتصاديين عندنا يصرون على ان القروض
والاستدانة الخارجية لا مفر منها وهي شيء عادي كأي معاملة اقتصادية أخرى، بمعنى
نقترض ونعمل مشاريع واستثمارات، ونرد المبلغ يوما ما دون مشاكل، ولكن لا يعلم
هؤلاء أن الحركات الاستعمارية لأوطاننا لم تأتي الا من الهيمنة الاقتصادية على
مقدرات الأمة وخيراتها، ولنا مثل تاريخي حي على اقتسام تركة الرجل المريض، الخلافة
العثمانية، بعد استنزاف طاقاتها ومقدراتها الاقتصادية بالديون والامتيازات
الاقتصادية والمالية التي حصل عليها المرابين من اليهود والبنادقة والايطاليين
والفرنسيين والروس والألمان. وقد يقول قائل "إن ذلك الوقت قد ولى، ولقد تغيرت
المعطيات الاقتصادية والمالية العالمية". ولكن التاريخ يعيد نفسه في كل مرة،
والغرب لم ولن يسعده أن يرانا بخير وعلى خير، وبالتالي فان كل اتفاقية اقتصادية
وكل تمويل وكل صفقة تجارية أو مالية لا بد أن يكون هو الرابح لا غير، والاقتراض
الخارجي أشبه بلغم ينتظر من يدوس عليه أو هو أشبه بفخ مزين بمأكولات طيبة وينتظر
من يأتي إليه راغبا.
وقد كتب العديد من الاقتصاديين الاشتراكيين وغيرهم في
هذا الشأن، إلا أن انتشار وطغيان النظام الرأسمالي في العالم واجتياح الأفكار
الليبرالية والنيوليبرالية الاقتصادية في العقود الأخيرة، أهمل تلك المساهمات والكتابات
المعادية للعولمة المالية، وجعلها في أدراج النسيان، ورغم ذلك فهناك من
الاقتصاديين الغربيين من يكتب الآن عن مخاطر العولمة المالية، وما ينجر عنها من
مآسي للدول النامية كما الدول المتقدمة. وفي نظر الكثيرين منهم أنها عولمة جامحة
وغير منضبطة يجب علينا كبح جماحها، والتحكم أكثر في سير وحركة وتدفق رؤوس الأموال
الدولية. ومن هؤلاء نجد مثلا "داني رودريك" الاقتصادي الأمريكي الذي
يقول في إحدى كتبه "إن التمويل الخارجي أشبه بصديق أوقات اليُسر، لا تجده إلى
جانبك إلا حينما لا تكاد تكون هناك حاجة إلى وجوده، ويغيب عنك عندما يمكن أن
يشكِّل وجوده شيئًا من الفائدة. وهذا ليس بجديد، فخلال كساد الثلاثينيات كان يتردد
على سبيل المزاح أن التمويل الأجنبي أشبه بمظلة لا يُسمح للمرء إلا باقتراضها، لكن
لا بد من إعادتها ما إن يهطل المطر"، كتاب معضلة العولمة.
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات