آخر الأخبار

لو قرأتم التاريخ ...لغيرتم الواقع ..وأحسنتم الإعداد للمستقبل - الجزء الأول


لو قرأتم التاريخ ...لغيرتم الواقع ..وأحسنتم الإعداد للمستقبل -
الجزء الأول
الإستراتيجية الصهيونية للسيطرة على البحر الأحمر





كتاب"الإستراتيجية الصهيونية للسيطرة على البحر الأحمر" تأليف الأستاذ / حلمي عبد الكريم الزعبى - والصادر فى عام 1990 (الطبعة الأولى ).
يفسر الكثير من الأحداث والصراعات الجارية على الساحة العربية والإقليمية والدولية ،وأنها ليست وليدة أحداث آنية بل تؤكد وتثبت نظرية المؤامرة التى يستنكرها البعض، بل ويسخرون منها ،وان خيوطها قد بُدِىء فى غزلها ونسجها منذ عشرات السنين .
وسأحاول إيجاز أهم ماجاء فى الكتاب –ومقدمته - والذى يقع فى 197 صفحة والذى كتب مقدمته الهامة لواء متقاعد / عثمان كامل.
" يكشف الكتاب وقائع وجذور الفكر الإستراتيجى للسيطرة على البحر الأحمر التى تتواكب مع طرح فكرة المشروع الصهيونى منذ القرن التاسع عشر وبالتحديد فى عام1840 عندما طرح "بالمرستون" رئيس وزراء بريطانيا آنذاك فكرة إنشاء دولة يهودية فى فلسطين .والجدير بالذكر أن "بالمرستون" هو من نفذ المخطط الإستعمارى الهادف إلى تدمير أول دولة عربية متحدة تتحقق فى المشرق العربى ضمت مصر وسوريا فى عهد محمد على ،فأرسل الأسطول البريطاني لمهاجمة الشواطئ السورية لحمل إبراهيم باشا على التنازل عن سورية وضرب الوحدة.ومنذ ذلك الوقت أخذ "بالمرستون" يروج بشكل نشيط ومحموم لفكرة الدولة اليهودية العازلة فى فلسطين.
ومنذ ذلك الحين تبنت بريطانيا والقوى الاستعمارية فكرة إنشاء الدولة كما طرحها "هيرتزل" والأوساط الصهيونية الأخرى حتى تُوِّج ذلك بصدور "وعد بلفور" عام 1917 .
وكانت أهم برامج تلك الدولة رسم حدودها لتمتد إلى منطقة النقب بأكملها وتمكين إسرائيل من الوصول للبحر الأحمر ليشكل الحاجز الجغرافي والبشرى لكى يفصل عرب الأردن وسوريا ولبنان والعراق عن عرب مصر وحرمان الدول العربية من ركائز قوتها بتفكيك نقط الاتصال الإستراتيجية داخل الوطن العربي .
ودعمت الدول الاستعمارية المشروع الصهيوني باعتباره ضمانا لاستمرار المصالح الاستعمارية في المنطقة بعد رحيل الاستعمار التقليدي وتصفيته واستبداله بالاستعمار الإستيطانى الجديد. وبعد احتلال بريطانيا لفلسطين أثناء الحرب العالمية الأولى اقتطعت المنظمات الصهيونية مساحات شاسعة من أراضى النقب وقامت بنقل ملكية الأراضي الأميرية إلى الوكالة اليهودية لكي تكون نقطة ارتكاز ووثوب إلى رأس جسر في البحر الأحمر. كما تصدت بريطانيا للثورة المسلحة التي أعلنها الشعب الفلسطيني عام 1936 لمقاومة السياسة البريطانية.


إن هيمنة إسرائيل على البحر الأحمر تعنى توسيع دائرة المخاطر والتهديد لتمتد من مصر والأردن إلى السعودية واليمن بل وحتى السودان وصولا إلى القرن الإفريقي، وبالنظر إلى العلاقات الإثيوبية/الإسرائيلية نجد أن أذرع الإخطبوط الصهيوني تحاول الوصول إلى منابع النيل شريان الحياة لكل من مصر والسودان .
 (لاحظ أن الكتاب صدر في 1990 وما ذكر فيه تحقق الآن بالفعل بإنشاء سد النهضة في إثيوبيا بدعم تكنولوجي وفني إسرائيلي، على النيل الأزرق المصدر الرئيسي والأكبر لمياه نهر النيل بنسبة 85 بالمائة ).
ويفضح الكتاب – والكلام للواء عثمان كامل – المخطط الصهيوني لتهديد الملاحة البحرية فى البحر الأحمر ودوافع إسرائيل للتشكيك فى قدرات الدول العربية –وفى المقابل قدرة إسرائيل – على تأمينه..فقد أقدمت عناصر بحرية إسرائيلية فى مطلع شهر يوليو 1984 على عملية خطيرة أحيطت بنطاق شديد من السرية وهى إلقاء مجموعة من الألغام المتطورة فى عرض البحر الأحمر وخليج السويس ،وادعت أن منظمات إرهابية قامت بزرع تلك الألغام ، بينما ذكرت مصادر موثوقة أن الدوائر الصهيونية وزعت خرائط على السفن المتجهة من فلسطين المحتلة وإليها تؤشر لمواقع زرع الألغام لتحاشى الدخول إليها، فلم تصب أية سفينة صهيونية أو أمريكية بينما أصيبت سفن لكل من (الإتحاد السوفييتي –اليابان إسبانيا –الصين- تركيا – قبرص – بنما – بولندا –كوريا الشمالية ).
وكان الهدف من ذلك إظهار عجز الدول العربية عن ضمان أمن مرور السفن فى غياب الكيان الصهيوني وبالتالي فهو لايمكن أن يكون بحيرة عربية ،ومن ثم الدعوة –غير المباشرة- للدول الغربية لنقل بترولها عبر خط (إيلات – عسقلان) لأن هذا يوفر الحماية لإمدادات النفط. كما أدى ذلك لإعطاء الولايات المتحدة وحلفائها المبررات اللازمة لتكثيف وجودها العسكري فى البحر الأحمر فأرسلت أسطول ضخم تبعته قطع بحرية بريطانية بدعوى انتشال الألغام وتنظيف البحر الأحمر.
 ( تعليق :"ولعله غير غائب عن الأذهان أحداث القرصنة على السفن والناقلات التي تمت قبالة سواحل الصومال في مطلع هذا القرن ") .
إن خطورة المخطط تتمثل في تحقيق التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة ، فإن تكثيف الوجود الأمريكي فى المناطق المجاورة للبحر الأحمر من أجل تأمين الملاحة الدولية التي تهمه وتهم دول أوروبا الغربية ،يحقق المصالح الإسرائيلية فى ألا تنفرد الدول العربية بالهيمنة عليه.

الدعاوى الصهيونية التاريخية الزائفة :

كانت تلك الدعاوى التاريخية سلاحا رئيسيا اعتمدت عليه الحركة الصهيونية للإدعاء بوجود حقوق لليهود فى فلسطين ومناطق أخرى فى الوطن العربي، رغم أن الحفريات الأثرية والكتابات القديمة والمؤرخين والعلماء ومنهم يهود أمثال (فرويد) و (بيرجر) و (لينتال) أثبتوا أن صلة اليهود بتلك الأرض لم تكن سوى صلة الغزاة الذين مروا بها وعاشوا فيها كدخلاء ثم انتهت الصلة دون رجعة.مثل طرح شعارات "أرض الميعاد" أو "الأرض الموعودة" و"مملكة إسرائيل التاريخية"، ويرد الحاخام اليهودي (المير برجر) على تلك الدعاوى الصهيونية بقوله :" أن المقولة التوراتية التي يطرحها الصهاينة بالنسبة للأرض المقدسة إنما استخدمت من باب الدهاء والذرائع السياسية وأنها تتعارض مع وصايا التوراة " .
 (المرجع: مقالة منشورة فى مجلة بات كول قسم اللاهوت جامعة بارايلان للحاخام شلوموهيس فى 1/3/1981 .)
ثم توالت تلك الأطروحات لتشمل أجزاء أخرى من بينها شبه جزيرة سيناء وشرقي الأردن وجنوب سوريا حتى نهر الفرات لتبرير التطلعات التوسعية الهادفة إلى إنشاء إمبراطورية صهيونية تحت ستار إحياء "مملكة إسرائيل التاريخية". فلم تتورع عن اصطناع واختلاق الآثار والحفريات للإدعاء بوجود صلة تاريخية بين اليهود والمناطق التي يمهدون للاستيلاء عليها بالاغتصاب والقهر.
وقد حدث ذلك بعد عام 1967 عندما أعلن (دايان) أنه عثر على حفريات فى المرتفعات السورية المحتلة وغور الأردن وغزة وسيناء تدل على أن تلك المناطق كانت فى الماضي يهودية-ومعرف أن دايان كان إلى جانب كونه قائدا للغزو ،منقب آثار..وقد ابتدع قصة عام 1968 أوردتها مجلة هعولام هزة فى 20/9/1968 وهى : "كان فى منطقة أريحا موقع عسكري ترابض فيه قوة صهيونية كبيرة ،  وكان هذا الموقع يتعرض لهجمات فدائية أدت لبث الرعب والهلع فى نفوس أفراد القوة وتدهور معنوياتهم ،يومها زارهم (دايان) وكان وزيرا للدفاع ،ووقف فيهم خطيبا يحثهم على الصمود والقتال عن هذه الأرض التي كان أجدادهم يستوطنوها فى عهد "شاؤول" ودافعوا عنها دفاعا مستميتا ،ولكى تبلغ القصة المحبوكة غايتها توجه "دايان" إلى جنوده ليقول :"هنا على أرض هذا الموقع قاتل شاؤول أعداءه وصرع بسيفه البتارمئات الأعداء وفصل رؤوسهم عن أجسامهم ،وهنا ظهر سيف شاؤول" .
وبعد أن انتهى من خطبته طلب من الجنود البحث عن سيف شاؤول البتار، وبالفعل بدأ الجنود يحفرون وهو معهم، حتى صرخ فجأة : "وجدته..وجدته..هو ذا سيف شاؤول الذي انتصر به على أعدائه"!

إن هذه القصة التي حبك دايان فصولها لكي يثبت لجنوده أن الأرض التي يقفون عليها هي أرض الأجداد، وغيرها من قصص اختلاق الحفريات وسرقة آثار كنعانية وغيرها تظهر المدى الذي يمكن للصهاينة أن يصلوا إليه لتشويه الحقائق وتزييف الواقع.
وعلى هذا النحو ظلت الأوساط الصهيونية تردد الإدعاءات بأن صلة اليهود بالبحر الأحمر صلة تاريخية . بينما حقائق التاريخ تثبت أن البحر الأحمر ومنافذه الشمالية خليج العقبة ،والجنوبية باب المندب كانت منذ غابر الأزمان بحرا عربيا، فقد ظل العرب يشرفون عليه بحكم موقع بلادهم على سواحل البحر الأحمر وخليج العقبة والمدخل الجنوبي دون منازع واعتبر بحرا داخليا لم تمخر عبابه أية سفن أجنبية ،حتى تم شق قناة السويس فى عام 1869 .
الخصائص الجغرافية والإستراتيجية للبحر الأحمر :
- يمتد طوله من باب المندب إلى مدخل خليج السويس إلى 1830 ميل.
- طول سواحل البحر الأحمر + خليج العقبة والسويس يبلغ 3069 ميل.

- يتصل بالبحر الأبيض عن طريق قناة السويس،وبالمحيط الهندي عن طريق باب المندب الذي لايتجاوز اتساعه 22 كم
- تنتشر فيه مجموعة كبيرة من الجزر تصل إلى 379 جزيرة صغيرة.
- فى مدخله الجنوبي 23 جزيرة تخضع للسيطرة الإثيوبية أهمها جزر حالب – حليب – دهلك – فاطمة وقد استطاعت إسرائيل تحويل بعضها إلى قواعد عسكرية لمواجهة السيطرة العربية على مدخل باب المندب.
- وأيضا توجد بعض الجزر العربية مثل جزيرة بريم التي تقع عند مضيق باب المندب ويفصلها عن الأراضي اليمنية 3 أميال، وهى تشطر المجرى المائي إلى قناتين واحدة شرقية عرضها ميلان وعمقها أقل من مائة قدم ،والأخرى غربية عرضها 9 أميال وعمقها 1000 قدم وهى التى تجرى فيها الملاحة وبذلك تتحكم فى المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وتخضع لجمهورية اليمن.
- جزر حانيش عند المدخل الجنوبي للبحر قبالة باب المندب ولها أهمية إستراتيجية لتحكمها فى الدخول والخروج من وإلى البحر الأحمر وفى حرب أكتوبر تم استغلالها لفرض حصار استراتيجي على العدو الصهيوني كما سنعرض ذلك بالتفصيل فيما بعد.

الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر :


يعد من أهم الطرق الملاحية العالمية لموقعه عند نقطة إلتقاء ثلاث قارات أوروبا من الشمال وآسيا من الشرق وإفريقيا من الغرب،وزادت أهميته بعد حفر قناة السويس وحاولت القوى الاستعمارية السيطرة عليه فاحتدم التنافس بين بريطانيا وفرنسا وسيطرت بريطانيا على عدن للتحكم فى المدخل الجنوبى للبحر، ثم على قناة السويس،وتبعتها إيطاليا فسيطرت على إثيوبيا .وتصاعدت حدة التنافس بعد انساب بريطانيا من شرقى القناة فدخلت الولايات المتحدة كمنافس رئيسى وتبعها الإتحاد السوفييتى، وزادت أهميته بفعل مرور ناقلات النفط من مصادره فى الخليج العربى مرورا ببحر العرب وخليج عدن ثم البحر الأحمر وقناة السويس وصولا إلى مراكز الصناعات الغربية فى أوروبا.


وكذلك تزداد أهميته الإستراتيجية من الناحية العسكرية ، فازداد التنافس بين القوى الكبرى لاحتلال مواقع نفوذ عليه عبر شبكة علاقات مع الدول المطلة عليه.
أطماع إسرائيل وتصريحات هامة لقادتها :


أدرك القادة الإسرائيليون أهمية الوصول إليه منذ المرحلة التى بدأوا يخططون فيها لإقامة دولتهم . فقد نوه بذلك (دافيد بن جوريون) الذى كان يتولى شئون الدفاع فى الوكالة اليهودية عندما تولى رئاستها فى عام 1935 فقال:
" إن الوصول إلى مواقع فى البحر الأحمر عندما يتحول الاستيطان إلى دولة تملك أسطولا جيدا ضرورة إستراتيجية تحتمها الاعتبارات السوقية والتعبوية،فهذا الموقع لاتنبع أهميته من حيث أنه يشكل عنصرا هاما فى الدفاع عن الدولة وحدودها فحسب ، بل وفى رصد أى محاولات لمهاجمة الأعداء فى عقر دارهم وداخل أراضيهم ".
- (المرجع: يهوشاع ليفنسون (الاستيطان الجديد فى النقب وجذوره فى الاستيطان القديم) إصدار الكيبوتس الموحد فى عام 1962 .)
وفى 22 ديسمبر عام 1946 وفى المؤتمر الصهيوني قال بن جوريون :
"إن التفكير بالسيطرة على منفذ على البحر الأحمر كان يراود زعماء الاستيطان منذ أواخر العشرينات إدراكهم أن إسرائيل ستنشأ وسط محيط عربى معاد ،من أجل استخدامه كنقطة وثوب لضرب الدول المعادية ومهاجمتها".
ومن المعروف أن حملة الاستيطان فى النقب بدأت منذ عام 1938 وحتى عام 1947 فى نطاق المرحلة الاستيطانية الثالثة والرابعة. وتجدر الإشارة أن خطة استيطان النقب كانت قد أعدت خلال الأعوام 1933 – 1935 بواسطة شركة (إعداد الاستيطان) التى ترأّسها (موشى سيميلنيسكى). ثم استولت القوات الصهيونية على منطقة أم الرشراش (إيلات) فى 10 مارس عام 1949.
وأعلن قائد القوة التى احتلت رأس الجسر عند أم الرشراش : " إن الحملة لم تكن تستهدف السيطرة على منطقة النقب لتكون ضمن الحدود الإسرائيلية فحسب ،وإنما للحصول على ميناء على البحر الأحمر يربط إسرائيل بالبحار والمحيطات الشرقية".
وصدر فى أواخر عام 1949 عن وزارة خارجية العدو الإسرائيلي بعد الإعلان عن عدم شرعية السيطرة على أم الرشراش بيان جاء فيه: " إن إسرائيل باستيلائها على إيلات تصبح مثل مصر الدولة الوحيدة التى تمتلك سواحل على البحرين الأحمر والمتوسط ، وهذا يمثل أهمية كبيرة بالنسبة لإسرائيل والدول الضعيفة ".
- المرجع: "إسرائيل من دان إلى إيلات-المجلد الرابع " رئاسة الأركان العامة الإسرائيلية قسم النشر 1965 .
قال بن جوريون فى مناسبة وضع حجر الأساس لإقامة مدينة إيلات عام 1950 : " الخطوة الثانية هى إنشاء ميناء إيلات ،إننا نعد له مستقبلا عظيما فسوف يكون ميناء للتجارة وطريقا حرا إلى المحيط الهندى عن طريق البحر الأحمر وسيؤمن سلامة هذا الطريق السلاح الجوى والبحرى لجيش الدفاع الإسرائيلي" .
ولكن مصر وجهت ضربة إلى تلك الإستراتيجية بفرض حصار على الملاحة المتجهة من وإلى إيلات، ومنعت إسرائيل من استخدام قناة السويس،وكانت مصر قد اتفقت مع المملكة السعودية عام 1950 على المحافظة على عروبة خليج العقبة وعلى فرض سيطرتها على جزيرتي تيران وصنافير للتحكم بالمرور فى الخليج. كما عززت سيطرتها على الجزر المتحكمة فى مداخل العقبة ونصبت مدافع ساحلية فى رأس نصراني التي تسيطر على البحر الأحمر ، ورابطت قوة مصرية مزودة بمضادات للطائرات فى شرم الشيخ وجزيرتى تيران وصنافير. وفى عام 1951 قدم الكيان الصهيوني شكوى إلى مجلس الأمن ضد مصر ،غير أن مصر أثبتت أن تلك الإجراءات اتخذت للدفاع عن النفس وحماية أمن مصر طبقا لاتفاقية القسطنطينية عام 1888 بالنسبة للملاحة فى القناة وحق مصر فى السيطرة على مياهها الإقليمية.
ومن هنا كان الإعداد لاجتياح سيناء والسيطرة على منطقة شرم الشيخ ومضايق تيران ،وأن تظهر بعد ذلك أكثر من حقيقة دامغة على وجود إستراتيجية صهيونية للسيطرة على البحر الأحمر تدعمها القوى الاستعمارية وتوفر لها أسباب النجاح .
ففى مناسبة مرور ثلاثون عاما على الحملة الاستعمارية والصهيونية ضد مصر التي عرفت (بحملة السويس) أو العدوان الثلاثي عام 1956، عقدت ندوة فى إسرائيل نظمتها جامعة (بن جوريون) فى أواخر أكتوبر عام 1986 ، وشارك فيها عدد من الشخصيات الفرنسية والبريطانية التي لعبت دور فى التخطيط لتلك الحملة وقدم الباحثون ثمانون بحثا حول الحملة ،ومن أخطر النقاط التي التقى حولها المشاركون :
- أن الحملة (عدوان 1956 على مصر) كانت تهدف إلى تمكين إسرائيل من الخروج من حالة الحصار والانطلاق إلى آفاق رحبة فى آسيا وإفريقيا عبر البحر الأحمر ومساعدتها على تبوء مركز صدارة إقليمي ودولي.
- أن الحملة كانت تصب فى مصالح الغرب التى كانت تتعرض للتهديد خاصة الإمدادات البترولية المتجهة من الخليج العربي و إليه ، وكذلك تجارته إلى آسيا عبر القناة والبحر.
- ظهرت أيضا وثائق تكشف أن الصهاينة بدؤوا فى التخطيط للاستيلاء على سيناء ولاسيما المحاذية للبحر منذ مطلع الخمسينات.
ويكشف (يوفال نئمان) رئيس شعبة العمليات فى رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي ( 1950 -1954 ) اللثام عن أن خطط اجتياح سيناء والسيطرة على شرم الشيخ وحتى خليج السويس ورأس نصراني قد وضعت عام 1950 .
ويستطرد :"بدأ منذ عام 53 و 54 وضع خطط إستراتيجية للسيطرة على شبه جزيرة سيناء مع خليج إيلات والمضايق الحيوية لتأمين السيطرة عليها" .
 ( المصدر: مجلة معرخوت العسكرية-عدد خاص بمناسبة حملة سيناء – يناير 1987 ).
وينقل نئمان فحوى الحوار الذي دار بين بن جوريون في 27 أكتوبر 1956 مع عدد من الوزراء في حكومته :"ظلت إسرائيل تتطلع إلى السيطرة على ساحل سيناء المطل على البحر الأحمر وضمه بشكل نهائي إليها"
وفى كلمته أمام مجلس الوزراء الإسرائيلي في 28 /10/1956 قال بن جوريون صراحة "إن هدفنا هو السيطرة على سيناء بأكملها حتى قناة السويس وخليج السويس وهذه السيطرة ضرورية لتأمين مصالحنا فى البحر الأحمر وهى كالتالي :
- مصالح اقتصادية لاستثمار الموارد الطبيعية في سيناء كالنفط والفحم والنحاس والمنجنيز بالإضافة إلى تصدير كنوز النقب إلى آسيا وأفريقيا.
- تأمين المصالح الأمنية من خلال السيطرة على عمق استراتيجي وخاصة البحر الأحمر.
- إبعاد مصر عن هذه المواقع لتبقى ضمن الدلتا وحرمانها من الموقع الجيوبوليتيكى لينتقل لصالح إسرائيل.
وقد استثمرت إسرائيل النتائج التي أفرزها العدوان الثلاثي التي انتهت بالسيطرة على المناطق المهددة للملاحة الإسرائيلية من أجل تطوير ميناء إيلات وتحويله إلى منفذ بحري ، ومنها :
أولا: تدعيم وتطوير منطقة إيلات ومينائها.
ثانيا: تطوير شبكة العلاقات التجارية مع الدول الأفريقية والآسيوية.وتسيير خطوط ملاحية هامة تربط إيلات مع كل من :كينيا – تنزانيا – أوغندا – الصومال الفرنسي والبريطاني والإيطالي آنذاك ((جيبوتي والصومال) –موزنبيق- جنوب لإفريقيا-مدغشقر –إيران. وأيضا خطوط الربط بموانئ فى الشرق الأقصى وأستراليا،مما نجم عن ازدهار كبير فى كميات الصادرات والواردات بينها وبين تلك الدول.
فى الجزء الثاني سنتناول :نتائج حرب أكتوبر 1973 وانعكاساتها على الإستراتيجية الصهيونية ،والمراحل التي أنجزت فى نطاق الإستراتيجية الصهيونية فى الثمانينات ،والآثار الإستراتيجية للسيطرة على البحر الأحمر .
عرض وتلخيص : ماجدة سعيد - فى 30 أكتوبر 2014




إرسال تعليق

0 تعليقات