عباس ينقب عن حوت يونس ....(
اشتباك حر) الجزء الرابع
محمودجابر
ما حقيقة موسى والفرعون
وجغرافيا الحدث ؟
فى مقدمة كتاب عباس الزيدى (
نبى الله يونس والحوت) بدأ حديثه مؤسسا لقضية شاكة وكبرى وهو أن جغرافيا الأحداث
التوراتية وكان هذا مجال لجدل كبير دفع الكاتب لبحث قضية الكتاب التى هى قصة يونس
برمتها من صحة الواقعة وما شرحه فى كتابه وشرحناه فى المقالات السابقة .
استعرض عباس ضمن ما استعرض من
الكتب الذين اهتموا بقضية الأحداث التوراتية أو أحداث النص المقدس وتحقيق
جغرافيتها وكان منهم الكاتب المصرى سيد القمنى وكتابه ( النبى موسى وآخر أيام تل
العمارنة)... عباس أرسل حكما كليا وخطا كبير لا يقع فيه باحث ومفكر بقيمته ووزنه
وقال :" مصر التوراتية لم يثبت حتى الآن على أنها البلاد الحالية، فإن اسم (
مصر) لم يكن يطلق عليها وادي النيل" وبناء على كلامه أنكر أيضا وقوع قصة موسى
فى ارض مصر الحالية ...
هل ما استقر عليه الجميع وقوع
حدث موسى والفرعون فى مصر الحالية أم أن هناك مصر أخرى وأن القصة لها تفسيرات أخرى
؟
لقصة المستقرة فى أذهان الناس تقول (موسى عليه السلام رسول أرسله الله للمصريين الكفرة، لكنهم حاربوه وعذبوه مع أتباعه فأغرقهم الله واستحقوا اللعنة. هذا هو ملخص القصة الموجودة في كل كتب التفاسير والقصص الدينية بل وفى عقول كل الناس).
بذلت دعاوى يهودية خارقة للصق
كل فرية بالمصريين بدأ من الطغيان والجبروت وانتهاء بالكفر وذلك بإقناع العالم أن
بنى إسرائيل عذبوا واستعبدوا في أرض مصر وبأيدي المصريين بهذا يتم وصم مصر
والمصريين للأبد.
وزاد الطين بلة أن غالبية
مفسري القرآن وكتبة قصص الأنبياء أوقفوا العقل عن القراءة المحايدة للقرآن
واستسهلوا النقل عن الإسرائيليات فأصبحوا من أكثر المروجين لها وقد لا أكون
مبالغاً إذا قلت أنهم قد شكلوا غلاف خارجي متين يحمى الأساطير اليهودية ذلك لأنهم
أدخلوها في صلب البني الإيمانية فأصبحوا الخط الأمامي لجبهة القتال اليهودية وظل
همهم وشاغلهم ترديد تلك الأساطير والدفاع عنها وتبريرها...
ولما كان الحق أبلج ، ظهر مؤرخ
يهودي يدعى "يوسيفوس" وضع في القرن الأول المـــيلادي كتاباَ بعنوان
" الرد على ابيون " حاول فيه الدفاع عن قومــه وعشـيرته من اليهود
واثبات أن لهم أصل وتاريخ ، وذلك رداً على المؤرخ الإغريقي ابيون الذي سب اليهود ونسب
إلـــيهم كل عيب ونقيصة ، ولم يجد يوسيفوس مرجعاً خيراَ من كتــاب للمؤرخ
المصري" مانيتون " عن الهكسوس كتبه حوالي عام 28. ق.م
يقول مانيتون : " فى عهد
تيماوس أصابنا، ولست أدرى لماذا؟ نقمة من الإله، فاندفع نحونا أقوام أسيويون من
أصل وضيع جاءوا من المناطق الشرقية،...
هؤلاء الأقوام كلها كانت تدعى
هكسوس ومعناها الملوك الرعاة والبعض يقول أن هؤلاء الناس كانوا عرباَ.
بيد أن يوسيفوس اليهودي استشهد
بكتاب مانيتون ليؤكد أن بنى إسرائيل كانوا هم أنفسهم الهكسوس، ليتباهى باحتلالهم
لمصر.
عالم الآثار مارييت يقول:- إن
قبائل الهكسوس كانوا خليطاً من العرب وأهل الشام وأكثرهم من الكنعانيين ... وفى
التواريخ العربية العمالقة.
يرى بريستد أن أبناء يعقوب (
إسرائيل ) كانوا على أصح الاحتمالات عرباً تابعين لإمبراطورية الهكسوس مؤيداً بذلك
نظرية يوسفوس القائلة بأن بنى إسرائيل قوم من الهكسوس، ولا يبعد عن أن يكون وجود
هؤلاء الأعراب بمصر سبباً فى تلقيب تلك الإمبراطورية بدولة الرعاة.
يؤكد أحمد شلبى فى كتابه
مقارنة الأديان :... الهكسوس هم قوم من الأعراب الذين ذكرهم القرآن الكريم بقوله
(الأعراب أشد كفراً ونفاقاً) التوبة:97.
ويؤكد ذات المعنى ( زينون
كاسيدوفسكى) فى قوله:
ويتوقع أن تكون عشيرة يعقوب قد
جاءت مصر مع زحف الهكسوس أو بعد أن أقاموا سيطرتهم فيها . وقد أستقبل يعقوب ومن
معه استقبالاً طيباً فى مصر لأنهم كانوا أقرباء المحتلين،.. ومن جهة أخرى ليس من
الصعب أن نتوقع أن الفراعنة الهكسوس لم يثقوا بالمصريين، وكانوا يثقون بأنسابهم
الآسيويين الذين يجمعهم معاً المنشأ واللغة.
الهكسوس : لم يكونوا إذاَ شعباً
واحداً بل أحلاف من شعوب وجماعات متنوعة. كانوا قبائل شتى من العماليق (الأعراب)
والعبرانيين من بنى يهوذا، وبنى اسرائيل.
الفرعون
والسؤال الأول فى طريق البحث :
من هو فرعون؟ هل هو لقب من ألقاب ملوك مصر ؟ أم اسم علم لشخص ؟
هذا هو اللغز الأول الواجب
حله...
من أكثر الأشياء غرابة ومدعاة
للدهشة إننا نحن المصريين لم نستخدم أبداً لفظ " فرعون " للدلالة على
الملك أو على الحاكم طوال تاريخنا.
نؤكد أن كلمة فرعون لم تستعمل
في أي وقت من أوقات تاريخنا المصري كلقب حقيقي رسمي للملك، ويؤكد معنا جميع رجال الآثار
المصرية، مصريين وأجانب ودون استثناء، أن هذا الاسم لم يستعمل طوال التاريخ المصري
إلا خلال فترة حكم الهكسوس لمصر، ويؤكدون أنه ومنذ هذا الوقت - فقط منذ هذا الوقت
- أصبح هذا الاصطلاح لقباً ثانوياً من ألقاب ملوك مصر.
يؤكد معجم الحضارة المصرية :
" أن المؤرخين الغربيين وكل من تصدى لدراسة الحضارة المصرية قد نقلوا كلمة
فرعون عن لفظ حقيقي رسمي في التوراة.
فعندما قالت التوراة أن حاكم
مصر اسمه فرعون قام الجميع بإطلاق اسم فرعون على كل حاكم لمصر- أجنبي أو مصري -
وتم تفصيل كل شئ ليتمشى مع ما قاله كتبة التوراة، فهم الأساس والمرجع ووصل الأمر
إلى أن سجلات مصر والعراق كما يقول الصليبي: قد حُرِّفت على ضوء النصوص التوراتية
والتي أجبرت على إعطاء مؤشرات جغرافية وتاريخية تتوافق مع الأحكام المسبقة لدى
الباحثين التوراتيين .
ويقول جودت السعد : "
ومما لا شك فيه أن كثير من المقولات والمفاهيم أصبحت بتأثير التوراة مسلمات لفترة
زمنية طويلة، رغم وضوح الخطأ، سواء أكان هذا الخطأ تاريخياَ أو منطقياَ أو
جغرافياَ وظل كثيراَ من الباحثين يدورون حولها أو يعالجونها بخجل إذا لم يجندوا
أنفسهم لتبريرها.
هذا الموقف الغريب اتخذه
الكثير من رجال الدين الإسلامي حيث تم ليّ عنق الآيات الواضحة لتتمشى مع ما يقوله
كتبة التوراة حتى رجال الآثار المصرية خضعوا " لمسلمات النصوص التوراتية
الخاطئة " وأقنعونا أن كلمة - فرعون - مشتقة من اللفظ المصري ( ب ر - عا)
والتي تعني البيت الكبير، ولما كان هذا اللفظ هو أقرب الألفاظ لاسم فرعون فقد ثبت
وتقنن وأصبح هو التفسير التقليدي. وأراه تخريج بعيد القبول وفيه تقليد لرجال
الآثار الأوربيين الذين جعلوا من التوراة مرجعهم الأول.
أما أنا المصري المسلم فلي
مرجع آخر أكثر صدقاً وتوثيقاً ألا وهو القرآن الكريم تليه نصوص حضارتي وقد أوصلاني
إلى أن كلمة ( فرعون ) اسم علم لرجل من الرعاة الأعراب الهكسوس الذين احتلوا مصر
وحكموها، واسم هذا الرجل (فرعون ) لا يمت بصله لأسماء أو ألقاب ملوك مصر من
المصريين.
وإليك العديد من الأدلة القاطعة:
أولاً :
لم تأتي كلمة فرعون في القرآن الكريم معرفة مثل ( الملك أو الأمير أو الإمبراطور..
) بل دائماً تأتي نكرة على صورة مجردة هكذا ( فرعون ) مما يدل على انه اسم علم
وليس صفة أو منصب.
ثانياً:
جاء اسم فرعون ملازماً لاسمين لشخصين من الأعلام مرة قبلهما ومرة أخرى بينهما، فلا
بد لغوياً أن تكون كلمة فرعون اسماً لشخص مثل ما قبلها وما بعدها:
{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا
وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون } 23 غافر
{... وقارون وفرعون وهامان
ولقد جاءهم موسى بالبينات} 39 العنكبوت.
ثالثاً :
لم يأتي هذا الاسم جمعاً أبداً، فلم ترد أبداً كلمة الفراعين على غرار الأمراء
والملوك، ذلك لأن أسماء الأعلام لا تجمع.
رابعاً:
لم يذكر أبداً منسوباً لمصر أو للمصريين فلم ترد آية واحدة في القرآن تقول فرعون
مصر على غرار عزيز مصر أو ملك مصر.
والمدهش إنه لم تأتي آية واحدة
في القرآن تقول أن فرعون هذا كان ملكاً مصرياً بل جاء وصف إنه كان ملكاً لمصر وليس
ملكاً مصرياً، حتى هذا، جاء على لسانه هو كنوع من الافتخار فقد نادى في قومه
مفتخراً وأنهى نداؤه بقوله:{ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي }51 الزخرف.
خامساً:
رغم مجيء الأنبياء إبراهيم ويعقوب ويوسف عليهم السلام لأرض مصر ومعاصرتهم لحكام في
عصورهم إلا انه لم يطلق على أي من هؤلاء الحكام لقب الفرعون . فالحاكم الذي عاصر
إبراهيم أطلق عليه الملك، والحاكم الذي عاصر يوسف أطلق عليه الملك في خمسة مواضع،
وهناك أيضاً العزيز. بينما الحاكم الذي عاصر موسى أطلق عليه فرعون( بدون - أل-
التعريف ) في أربع وسبعين موضعاً.
ألا يدل هذا على انه اسمه
المجرد...
هل هناك أبين من هذا ؟ نعم هناك
سادساً:
جاء مصحوباً بياء النداء، وهي تأتي مع أسماء الأعلام مثل يا أحمد ويا مصطفى... الخ.
ففي القرآن الكريم:{ وقال موسى يا فرعون ... } الأعراف 104.
ففــرعون اسم علم للرجل وليس
لقباً وإلا كانت قد جاءت يا أيها الفرعون على غرار الآية:{ قالوا يا أيها العزيز
مسنا وأهلنا الضر } يوسف 88.
سابعاً: من الاستحالة أن تكون
كلمة فرعون لقباً لحاكم لأن الألقاب تقرن بأسماء الملوك بغرض التفخيم والتعظيم.
وتطلق مجردة زيادة في التفخيم، هذا ولما كان النص القرآني قد أفاد فى كثير من
الوجوه إجرام هذا الملك ووصفه بكل عيب ونقيصة، فليس من المعقول أن يأتي النص بعد
ذلك معظماً له فيناديه بلقبه ( تعظيماً ) وليس باسمه ( تقليلاً).
ثامناً : جاء اسم فرعون كاسم
علم خالص في مصدر من أهم مصادر التاريخ القديم، فقد أتى عشرات المرات في التوراة
على هذا النحو:
" فرعـــــــــــــون ملك
مصــــــــــر " 11 إصحاح 6 الخروج.
" فاشتد قلب
فرعـــــــــــــــــــون " 13 إصحاح 7 خروج.
وكان لابد أن تذكره التوراة
باسمه، وإلا كان سيعد من الغرائب أن لا تذكر التوراة اسم الملك الذي سامهم سوء
العذاب.
أم ترى أن هذا الملك لم يكن
مهماَ ؟
هذا في حين أن التوراة نفسها
لم تتردد فى ذكر ملكين مصريين آخرين أقل أهمية هما " شيشنق" و"
نخاو" بإسميهما.
إن بدا هذا معقولاً...نردف
بأدلة أخرى...
تاسعاً : لم تأتي كلمة فرعون
كلقب مقرون بالاسم الشخصي للملك طوال التاريخ المصري إلا في عهد أحد الشناشقة من
الأسرة الثانية والعشرين مرة، ومرة أخرى في عهد أحد الشناشقة أيضاً من الأسرة
السادسة والعشرين وهما أسرتان ليبيتان.
وهنا يفجر الأستاذ الكبير على
فهمى خشيم سؤال هام يقول: أليس مثيراً للدهشة حقاً أن يرتبط أقدم مثل لارتباط لقب
" فرعون" باسم الملك بأسرتين ليبيتين المفروض أنهما غريبتان.
أليس عجيباً أن ترتبط
الفرعونية بالغرباء عن مصر ؟
يصل خشيم إلى أن التفسير
الوحيد الممكن هنا هو أن هذه الفرعونية وأصلها ومشتقاتها ليست قطعاً خاصة بمصر، بل
الأصل تعبير عروبي سواء جاء من شرق مصر أو غربها أو نبع منها ذاتها، متعلق جذراً
واستعمالاً باللغة العربية وأخواتها من اللغات العروبية الأخرى.
وللحديث بقية
0 تعليقات