آخر الأخبار

بين يومي علي (ع) وحياة كارينغي





بين يومي علي (ع) وحياة كارينغي






محمد حميد الصواف

سبر علماء الاجتماع والنفس والأنثروبولوجيا غور العلوم بحثا وتدقيقا في السبل الكفيلة للارتقاء بقدرات الإنسان وتنميتها، مسترشدين بتجارب الأفراد والشعوب الحاضرة او دراسة التاريخ الإنساني وسلوكيات من عاصره، ليقدموا في سياق جهودهم خلاصة أفكارهم وبحوثهم ككتب ورؤى وحكم باتت تتداول بين الناس نهلا وفهما.
ويبرز علماء الغرب كرواد في هذا المضمار، مساهمين أساسيين في وضع قواعده ومنطلقاته وفنونه وطرقه، حتى بات شبه محصور برؤاهم ومناطا بأقوالهم، ترجح كفتهم التركيز في هذا الشأن الإنساني البحت واستباق سواهم من الباحثين في مختلف أرجاء المعمورة.
كيف لا وقد أفردت المؤسسات الرسمية والمنظمات المدنية العديد من التخصيصات المادية والمعنوية لرعاية الفاعلين في التنمية، بل حتى الشركات التجارية في الغرب أسست الكثير من المراكز البحثية الخاصة لتنمية مهارات موظفيها وعمالها بعد أن أوجست أهميتها على صعيد الإنتاج والعلاقات الاجتماعية على حد سواء، مبدية دعما غير محدود لهذا العلم الإنساني المهم.
فنرى شبابنا وطلبتنا ممن مهتمين بتنمية مهاراتهم يتلقفون إصدارات هؤلاء العلماء والباحثين بشغف شديد، ويتطلعون إلى كل ما هو جديد ينفع أو حديث يتبع، حتى باتت حكم مفكري وعلماء الغرب تتداول في نواديهم واجتماعاتهم وتصريحاتهم أكثر مما تتداول الحكم والأمثلة والروايات الإسلامية ذات الصلة.
فعلى الرغم من ثراء تراثنا الإسلامي بالكثير من التعاليم التنموية للفرد والمجتمع نرى فشلا في تسويقها لدى الأوساط المحلية، حتى باتت في معظمها مندثرة وتغط في بواطن الكتب دون أن تجد من ينتشلها ويبرز أهميتها وينفع بها أقرانه من الشباب والطلبة وأفراد المجتمع بشكل عام.
إذ تزخر طيات كتبنا بالمئات لا بل الآلاف من التعاليم والإرشادات التنموية الإنسانية التي حث بها الرسول وأهل بيته من الأئمة الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين المسلمين لتطوير أنفسهم، تهذيبا وسلوكا وعملا وسواها من شؤون التنمية، قبل ان يخطر على بال علماء أوروبا أو أمريكا بأكثر من ألف وأربعمائة عام خلا.
فابسط مقارنة بين كتب كبار علماء التنمية ومنظريها الغرب وبين أحاديثنا النبوية ومرويات أئمتنا الأطهار نلحظ السبق الواضح للمسلمين وعلو كعبهم في هذا المضمار، وكيف كانت مدرسة أهل البيت قد وضعت قواعد هذا العلم بشكل مبسط ونهج واضح يتداوله المتعلم والجاهل ويستفيدان منه بكل يسر.
في الكتاب الشهير دع القلق وأبدأ الحياة.. (How to Stop Worrying and Start Living) للكاتب ديل كارنيغي، يتناول كيفية مواجهة الإحباط والفشل الذي يواجه الإنسان في مسيرته اليومية، الذي طبع منه أكثر من خمسين مليون نسخه وترجم لمعظم اللغات الإنسانية حتى بات الكتاب الأول عالميا على صعيد التنمية البشرية، ساق الكاتب فكرة بسيطة مفادها أن كل مشكلة كبيرة تقع تنتهي صغيرة، مهما كان حجمها في بادئ الأمر.
ولا ينكر احد أن مهارة الكاتب وأسلوبه في سوق أفكاره أسهمت بشكل كبير وفاعل في انتشار كتابه، إلا أنها جاءت لتلبي أمزجة عشرات الملايين من البشر ممن كانوا بحاجة إلى تنمية ثقافاتهم وسلوكياتهم ومداركهم الأساسية، وأصبح يحظى بكل تقدير لدى قراءة، وانطلق من خلاله ديل كارينغي في فضاء التنمية مؤسسا مركزا رفيعا مدعوم من حكومة الولايات الأمريكية المتحدة، ومرجعا بحثيا لها للشؤون الاجتماعية، وأنقذت مؤلفاته الكثير من البشر ممن تحطمت آمالهم وحط اليأس وأخذ من أنفسهم مكمنا قبل أن يستعيدوا حيواتهم الطبيعية وينخرطوا مجددا كأعضاء فاعلين في مجتمعهم.
لقد أسس كارينغي قواعد منطلقات لعلم التنمية البشرية أصبحت في الوقت الحاضر معايير أساسيا للموظفين والعاملين في المؤسسات الحكومية والشركات التجارية، وعلم لا يستغنى عنه في اختبار مستوى المتقدم للعمل في المراكز المهمة والحساسة داخل الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي نرفع القبعة لديل وسواه من الشخصيات الفكرية التي أسهمت بشكل ايجابي في تحسين أوضاع الناس ومد يد العون لهم عبر صنع الأمل والتفاؤل، يعتصر قلوبنا ونحن نرى تراث أئمة أهل البيت عليهم السلام في هذا الشأن لا يحظى بالاهتمام المطلوب، ولا تسلط عليه الأضواء بشكل مناسب، لننهل من عظمه تعاليمهم الإنسانية كما ننهل منهم تعاليمنا الدينية، فلو ترجم احدنا قول أمير البلغاء وسيد البيان الإمام علي عليه السلام (الدهر يومان.. يوم لك ويوم عليك ، فإن كان لك فلا تبطر، وإن كان عليك فاصبر فكلاهما سينحرْ)، لوجدنا من الفصاحة والتسديد ابلغ من مقولة (دع القلق وابدأ الحياة).




إرسال تعليق

0 تعليقات