آخر الأخبار

الحلقة الخامسة الكيانية السياسية الفلسطينية في معركة الوجود


الحلقة الخامسة


الكيانية السياسية الفلسطينية في معركة الوجود

المجلس التشريعي الفلسطيني:
السلطة الوطنية







انبثق المجلس التشريعي الفلسطيني المعاصر بناء على اتفاقية أوسلو الموقعة بين م ت ف الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني والحكومة الإسرائيلية في البيت الأبيض الأمريكي بحضور دولي وذلك في 13 سبتمبر 1993 .. ومع أن المجلس التشريعي الفلسطيني يقتصر على أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة أي أن المجموع الفلسطيني غير ممثل فيه بشكل كامل أي انه لم يمثل سوى ثلث الشعب الفلسطيني إلا انه بلاشك مثل انعطافة سياسية مهمة في اتجاه بناء النظام السياسي الفلسطيني وتكريس الكيانية السياسية الفلسطينية... فكانت المرحلة 1994- 2006هي مرحلة التأسيس التشريعي الواسع للنظام السياسي الفلسطيني.. ولابد هنا من التأكيد أن الدورة الانتخابية باشتراطاتها كانت لمرة واحدة على اعتبار أنها تمت من اجل مجلس تشريعي مؤقت كان من المفترض إن تنتهي ولايته في 1999 ذهابا إلى استفتاء تقرير المصير كما ورد في اتفاقية أوسلو الذي يوجه إلى حل قضية اللاجئين والحدود وتقرير المصير.. إلا انه تم تمديده لدورة ثانية بعد استشهاد ابوعمار وكأنه أصبح دائما لحالة دائمة بمعنى أمر واقع وهنا خلل واضح في التعامل مع المعطى السياسي فما كان منطقيا أن يصار إلى المؤقت فيجعل منه آمرا دائما...

ويمكن النظر إلى إن المجلس التشريعي سحب الأنظار بعيدا بشكل عملي مؤقتا على الأقل عن المجلس الوطني والمؤسسات المنبثقة عنه فبدلا من المجلس الوطني المرجعية الحاضرة الفاعلة أصبح المجلس التشريعي برقابته وسطوته و بصلاحياته وامتيازات أعضائه، وبدلا من اللجنة التنفيذية أصبحت السلطة الوطنية وحكومتها وبدلا من جيش التحرير الوطني تضخمت الأجهزة الأمنية ..والحقيقة إن الاستبدال لم يمس فقط الأسماء والعناوين بل والمهمات والخطاب السياسي..وفي هذه المرحلة عاش الشتات الفلسطيني في شبه حالة فراغ سياسي مع إن هناك اهتمام لابد من ذكره من قبل الرئيس عرفات بالمخيمات الفلسطينية على الصعيد الإنساني في لبنان والمشردين الفلسطينيين من الكويت ..وانكب التنافس ألفصائلي على ساحة قطاع غزة والضفة الغربية الممثلين في المجلس التشريعي والخاضعين لمشاريع تنمية من قبل الأموال التي تنفق على السلطة ..وتكون الصلة أصبحت واهية بين الوجود الفلسطيني خارج فلسطين وهو الأكثر عددا بمؤسسات السلطة الفلسطينية المنشغلة بالأوضاع في داخل قطاع غزة والضفة الغربية.
يلاشك كانت قوة الدفع لمؤسسات السلطة الفلسطينية بما فيها المجلس التشريعي والحكومة بوزرائها المتنفذين وبقادة أجهزتها الأمنية قادرة على فرض وقائع جديدة وصياغة الوعي السياسي لقطاعات من الشعب الفلسطيني في داخل قطاع غزة والضفة الغربية بعيدا عن ما يتم تبلوره داخل القطاع الأكبر من أبناء الشعب الفلسطيني خارج الوطن..لاسيما وكل الحلول المطروحة والتي يتم تداولها تستثني الخارج الفلسطيني بشكل أو بأخر..ومن هنا يكون التمثيل الفلسطيني قد تلقى ضربة في الصميم وترك فراغا مذهلا أما لحدوث تشتت سياسي او استقاطابات ضد منظمة التحرير الفلسطينية.

ولكن يمكن القول إن المجلس التشريعي حدد خمس مهام رئيسية، كان لها الأولوية واحتلت بشكل دائم بنود جدول أعماله، وهي مهام أتاحت للمجلس التشريعي القيام بدور محوري في عملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وتجسيدها على الأرض، وبناء معالم المجتمع المدني الديمقراطي الفلسطيني، إضافة إلى دوره في العملية السياسية من أجل إنجاز الاستقلال. وهذه المهام هي:

أولاً: في المجال التشريعي:

وضع المجلس لنفسه هدفاً أساسياً هو بناء وتوحيد النظام القانوني في فلسطين، على طريق إرساء سلطة وسيادة القانون..وفي إطار هذه المهمة، حقق المجلس إنجازات ملحوظة، تمثلت في الفصل الخاص بإقرار آليات وإجراءات برلمانية عصرية لسن القوانين والتشريعات، وعلى الجانب الآخر في الحصيلة التشريعية والمهمة التي تحققت، حيث تجمع على جدول أعمال المجلس 81 مشروع قانون، أقر المجلس منها ـ 42 قانوناً، وتمت المصادقة على 33 قانوناً، حيث أصبحت هذه القوانين سارية المفعول وتوزعت على مجالات اقتصادية واجتماعية وقضائية وإدارية، وفي مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان.

ثانياً: في المجال الرقابي:
عمل المجلس التشريعي على تكريس تشريعات لايجاد تقاليد برلمانية عصرية في المساءلة والشفافية، مع التأكيد على مبدأ الفصل بين السلطات واحترام سيادة القانون، ومساءلة الوزراء والمسئولين ومراقبة أداء السلطة التنفيذية.. وفي هذا المجال، قام المجلس التشريعي بتحديد آليات عمل لدوره الرقابي ومارسه عبر لجانه المتخصصة وهيئته العامة. فقد قام المجلس بمنح الثقة للتشكيل الحكومي مرتين، الأولى في العام 1996، والثانية في العام 1998. كما أقر المجلس الموازنات العامة للسلطة الوطنية،وأقر المجلس كذلك خطة التنمية الفلسطينية وخطة المناهج الدراسية، إضافة إلى قيامه بمناقشة تقرير هيئة الرقابة العامة في العام 1997 واتخاذه القرارات الضرورية بشأنه...كما قام المجلس بجهد رقابي كبير في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، وتأكيد التعددية السياسية، فقد ضمنت قرارات المجلس هذه الحقوق وحرَّمت مبدأ الاعتقال السياسي.. ورغم انه اصطدم كثيرا بالمؤسسات الأمنية التي لم يخل أمرها من تعسف في استخدام الصلاحيات او ابتداع صلاحيات جديدة

ثالثاً: في مجال تعزيز الديمقراطية:

كرس المجلس التشريعي جزءاً كبيراً من جهده لتعزيز الديمقراطية وبناء قواعدها، بهدف تكريس التقاليد البرلمانية في المجتمع الفلسطيني، وإشراك قطاعات أوسع من شعبنا الفلسطيني في القرار. وقام المجلس في إطار ذلك بتحديد يوم السابع من آذار /مارس من كل عام يوماً للديمقراطية في فلسطين، ينظم خلالها المجلس، وبالتعاون مع المؤسسات الحكومية والأهلية، حملات شعبية واسعة تشمل فعاليات إعلامية وفكرية وسياسية ونشاطات اجتماعية ورياضية، تهدف جميعها إلى خلق تقاليد ديمقراطية حضارية في المجتمع الفلسطيني، والى ضمان حرية الرأي والتعبير.

رابعاً: الدبلوماسية البرلمانية:

بهدف حشد أوسع دعم وإسناد وتضامن عربي ودولي للمواقف السياسية الفلسطينية والأهداف الوطنية، وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال وحق اللاجئين في العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وفي إطار هذه المهمة، قام المجلس بحملة دبلوماسية برلمانية واسعة ساهمت في بناء روابط وعلاقات مباشرة مع جميع برلمانات العالم. فقد زار المجلس في إطار هذه الحملة أكثر من 250 وفداً برلمانياً وحكومياً أجنبياً، وكان من بين هذه الوفود رؤساء دول ورؤساء حكومات ورؤساء برلمانات ووزراء خارجية، كما قام أكثر من 160 وفداً من المجلس التشريعي بزيارات إلى الخارج تلبية لدعوات من برلمانات العالم، حيث زارت وفود المجلس أكثر من 43 دولة، بينما زار المجلس وفود من 64 دولة.


خامساً: الجهد السياسي:

قام المجلس التشريعي بجهد سياسي كبير على صعيد الساحة الداخلية وعلى صعيد عملية السلام والمفاوضات، فقد برز هذا الجهد عبر لجانه السياسية المتخصصة، كل في مجال اختصاصها، لجنة القدس، لجنة الأراضي ومواجهة الاستيطان ولجنة شؤون اللاجئين، ولجنة الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، واللجنة السياسية واللجان الاقتصادية والمالية والشؤون الاجتماعية والقانونية، التي قامت بدور أساسي وعرضت تقاريرها ومشاريع قراراتها على المجلس الذي ناقشها واعتمدها بعد التعديلات التي أقرها. ومن هنا فقد امتد الجهد السياسي للمجلس من المساهمة النشطة في مسائل تتعلق بتعزيز الوحدة الوطنية والتصدي للانتهاكات الإسرائيلية في جميع الميادين، إلى متابعة المفاوضات عن كثب. وبالمقارنة مع قصر عمر التجربة البرلمانية للمجلس وبرغم المصاعب الذاتية والموضوعية التي واجهته، فقد قدم المجلس مساهمات هامة وكبيرة وحاسمة من أجل تحقيق الأهداف المشار إليها. وخلال نهوض المجلس التشريعي بمهامه أنجز شرط وجوده كمؤسسة برلمانية مستقلة، وهو اليوم ركن أساسي في النظام السياسي الفلسطيني، له دوره البارز والفاعل المؤثر في الحياة السياسية، وفي رسم مستقبل الشعب الفلسطيني، في سياق عملية بناء المجتمع المدني الديمقراطي كأساس للدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

ولا شك أن هذه التجربة البرلمانية الفلسطينية، كأول تجربة برلمانية فلسطينية منتخبة بشكل حر ومباشر، بإنجازاتها و إخفاقاتها، بالإضافة إلى تجارب المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس المركزي الفلسطيني، تعتبر مرجعاً أساسياً هاماً للبناء الديمقراطي الذي تتطلع إليه فلسطين .
في الحلقة القادمة نواصل حديثنا عن المجلس التشريعي والأزمة البرلمانية



إرسال تعليق

0 تعليقات