آخر الأخبار

السفه والفقر


السفه والفقر








د. محمد إبراهيم بسيونى


السبب في المشاكل التي بدأت في مصر منذ السبعينيات، هو السفه والفقر ووجود حكومات رخوة وعدم وجود دولة مركزية قوية. الإسراف أو عدم القدرة علي ضغط الاستهلاك هو نتيجة لوجود تلك الدولة الرخوة. بدأ هذا البنيان في الانهيار بمجرد أن تراخت قبضة الدولة على الاقتصاد. أصبحت الدولة أضعف من أن تطالب الناس بضغط الاستهلاك للمحافظة على معدل عام للاستثمار، إذ أصبح تدليل الطبقة الوسطى مطلبا سياسيا مهما بعد الانفتاح الاقتصادي.
هذا حدث أيضا عندما انهارت قوة الدولة في ٢٠١١ وما بعدها، وبصرف النظر عما نتشدق به من أحاديث عن الثورة أو غير ذلك. من جانب أتبعت الدولة نفس أسلوب التدليل بتثبيت مئات الآلاف من الموظفين المؤقتين وزيادة المرتبات لاستمالة الشعب وربما لسبب سياسي.
ومن جانب أخر أصبح هم الكثيرين هو التعدي على أملاك الدولة المختلفة أو البناء على الأرض الزراعية ليستفيد من فارق السعر بين الأرض الزراعية وأرض المباني، أو بناء أبراج سكنية مخالفة، والتي بدأت في التصدع والانهيار الآن، وتوشك أن تكون كارثة كبري في بعض المدن مثل الإسكندرية، أو غير ذلك من صور الاستفادة الشخصية على حساب الوطن مما تدعو إي شخص إلى اليأس من احتمال التقدم.
وبالإضافة لتلك العوامل تأتي التغيرات الاجتماعية العنيفة التي شهدتها مصر في العقود الأخيرة نتيجة لكثرة الهجرة للخارج ولعوامل أخري كثيرة كأهم أسباب السفه. فمع التغير السريع في المستويات الاقتصادية للأفراد، أصبح هم كل فرد تبوء وضع اجتماعي جديد، ويكون ذلك عادة عن طريق المغالاة في المظاهر. فالسيارة ليست مجرد وسيلة انتقال، ولكن اقتنائها واقتناء الأنواع الأحدث منها هو وسيلة للتعبير عن الوضع الاجتماعي الجديد، ومثل ذلك في المسكن ومستلزمات الزواج وحفلات الأفراح وغيرها.
وفي سبيل تأكيد الوضع الاجتماعي الجديد يكلف الإنسان نفسه فوق طاقتها ويستدين ويبيع ما يملك حتى لا يكون أقل من الآخرين أو حتى يثبت أنه أعلي منهم في المرتبة الاجتماعية. وانظر إلى التعليق عند تجهيز عروس أو بناء منزل أو غير ذلك (هو أنت أقل من فلان؟؟ هي بنتك أقل من بنت فلان؟؟ …إلخ) وكأن القضية ليست فائدة يجنيها الشخص، ولا حتى لذة يشعر بها، ولكنها مجرد منافسة في صراع اجتماعي محموم.
ربما تكون هنالك أسباب أخري أو أسباب مغايرة لتلك الأسباب. في كل الأحوال يجب أن نسعى جاهدين لعلاج تلك الآفات الاجتماعية عن طريق دراستها بصورة دقيقة وتحديد العوامل التي يمكن أن تعالج تلك الأمراض الاجتماعية من تعليم وثقافة وقوانين وغيرها، ولابد وأن نعي أن الحضارة تبدأ ببناء البشر، ومع أهمية المنشأت والمشاريع الاقتصادية، فبناء الإنسان والإصلاح الاجتماعي هو الأساس. ويجب أن يعي كل منا أن له دور وعليه مسئولية في ذلك الإصلاح الاجتماعي ومن الخطورة أن نريح أنفسنا بأن نلقي كل العبء على عاتق حكام سابقين، وأن نحاول أن نوهم أنفسنا بأننا مظلومون وأن هذا أو ذاك من الحكام هو سبب ما نحن فيه، ولو كان ما نحن فيه نتيجة لفساد بعض الحكام، لكان سقوطهم مرتبطا بانتشار الصلاح، ولكن على العكس كان ذلك السقوط مرتبطا بزيادة الفساد، لأن الفساد والتخلف مرتبط بنا جميعا حكاما ومحكومين.
وأخيرا فقد كان الشاعر العظيم صلاح عبد الصبور يقول:
“في بلد يتمدد في جثته الفقر
كما يتمدد ثعبان في الرمل
لا يوجد مستقبل”
ولكن ماذا عندما يتمدد السفه بجوار الفقر في تلك الجثة. اللهم احفظ هذا الوطن مصر.




إرسال تعليق

0 تعليقات