الجزء
الثالث : تناهيد دار أبي الأرقم
أوراق
يعقوبية
أزمة
البرانى
السيد احمد الجيزانى
كان لا يسمح لنا بالخروج من دار أبي الأرقم (الجامعة) إلا
في يوم الأحد ولساعات معدودة لزيارة مولى المتقين علي والتسوق لما بقي من أيام
الأسبوع .. وما أن عدنا إلى الجامعة في ذلك اليوم وأغلقنا الباب وراءنا حتى سمعنا
صوت انفجار مدوي ومهيب ولعلها أول سيارة تنفجر في العراق ثم علمنا أنها سيارة
مفخخة انفجرت عند مرور موكب (محمد حمزة الزبيدي) وهو من جلاوزة وجلادي النظام
المقبور المحسوبين على الشيعة ظلما وعدوانا ولعله ممن شارك في مخطط اغتيال الشهيد
الصدر الثاني ولكن الانفجار مرَ بردا وسلاما واجتازت سيارة ذلك المجرم دون أذى
ليبقيه الله ويريه نهاية طاغيته صدام وليمت هو الآخر ذليلا وينتظره حساب عسير
أعاذنا الله منه ...
وسرعان ما اتخذت الحكومة قرارها بغلق مكتب السيد الشهيد
المكتب الذي ظل يذكر مقلدي السيد بنور وجهه الوضاء ونبرة صوته الفريدة وحركة
البراني الدؤوبة .. اتخذت الحكومة قرارها لأن المتهم في هذه المحاولة هم أبناء
السيد الصدر الثاني وأعني بذلك مقلديه فتأزمت الأمور وصرنا أمام مشاكل جديدة ..
وفي طليعة المشاكل التي ستواجه خط السيد الصدر والشيخ اليعقوبي هو نفاد المال حيث
تجبى الحقوق الشرعية وفي مقدمتها الأخماس من كل حدب وصوب وتجلب إلى براني السيد
الشهيد ...
وهنا وقف الشيخ اليعقوبي مفكرا ومخاطبا لنا إن بقاء جامعة
الصدر الدينية مع غلق مركز التموين (البراني) يعني في نظر حكومة البعث أننا نعتمد
على مصدر مالي غير الحقوق وأول ما يخطر في ذهن الحكومة هو (إيران العدو اللدود
آنذاك) فالصحيح أن نعلق الدوام في الجامعة لفترة (أسبوعين) لنعطي للحكومة رسالة
تطمين أننا فعلا غير مرتبطين بإيران ونقول للناس أن الطلبة بحاجة إلى العمل لتأمين
معاشهم .. فكان التعطيل لتلك الغاية ..
تناهيد
دار أبي الأرقماليعقوبى
ما بعد استشهاد السيد الأستاذ
لم أغادر أسوار دار أبي الأرقم رغم التعطيل الذي أملته
الظروف السياسية آنذاك فقررت مع بعض الطلبة المكث بين جدران الجامعة لمراجعة
الدروس الكثيرة ومطالعة الكتب الدينية المختلفة في مكتبة الجامعة ..
وذات مرة طرق رجل امن الباب فهرعنا إلى الطابق العلوي
لنتخفى في الحمامات وخرج لفتح الباب الحارس (أبو شاكر) فسأله رجل الأمن هل يوجد
طلبة في المدرسة فأجابه أبو شاكر : لا !!
كان تعليق الدوام في دار ابي الأرقم حلا آنيا مرحليا قريب
المدى ولكن لابد من إعادة الدوام والتحصيل الدراسي خاصة وأن نظام الجامعة كان يشبه
التنظيم الأكاديمي بمعنى وجود فترة محددة وسنة دراسية فامتحانات ننصف السنة تنتهي
قبل واحد رمضان ونهاية السنة الدراسية قبل واحد محرم ومن هنا كان الشيخ اليعقوبي
يفكر بطريقة لمعالجة الموقف المتأزم من جراء استهداف موكب محمد حمزة الزبيدي والذي
يحمل في طياته وجود وجود جهات داخلية مدعومة خارجيا مما يهدد أمن وبقاء النظام ..
قرر الشيخ اليعقوبي أن يذهب إلى بغداد ويلتقي وجها لوجه مع
أحد أذرعة التنين بعد أن وجهت دعوة لسيد مقتدى من حكومة بغداد للمثول بين أيديهم
في محاولة منهم لتطويق الوقف المتأزم الذي نجم عن استشهاد السيد الصدر الثاني وكان
الشيخ يرى في ذهابه مع السيد مقتدى نوع من الوفاء للمرجع الراحل وخطه الشريف وكذلك
فيه نوع مواساة وإسناد للسيد مقتدى خاصة مع التماس الأخير ذلك منه نعم هو حراك غير
معهود بل عادة يلوذ الفرد بالانسحاب من هكذا مواقف فلا يلفت انظار التنين إليه ..
وفعلا قدم الشيخ اليعقوبي من النجف بصحبة السيد مقتدى
(وعمره خمسة وعشرون سنة) والسيد رياض النوري وصهر السيد كلانتر ليلتقي بمدير
المخابرات آنذاك (طاهر جليل حبوش) في بغداد الذي بدا غير مكترث لوجود رجال الخط
الصدري في مكتبه فهو يتكلم غير مقبل عليهم بوجهه كعادة الطغاة وقد لف بكرسيه
الدوار صوب الحائط الذي خلفه !!
ولكن الشيخ قرر أن يصعقه ويجعله ينصاع لمطلبهم فخاطبه : إن
الشباب في العراق اعتادوا على الحراك الديني الذي نماه مرجعهم الصدر الثاني وهذا
واقع حال فإذا لم يجدوا من يلتفون حوله داخل العراق من سنخ مرجعهم الراحل فإنهم
سيتطلعون إلى خارج الحدود (إيران حيث الخامنئي وربما الحائري) وهنا أدار الظالم
ظهره للحائط كما يصنع العقلاء وتوجه إلى الشيخ وانتبه إلى فداحة ما قيل له فصار
مضطرا لتجاذب أطراف الحديث مع الشيخ ثم أعطى أذنا بفتح البراني (مكتب السيد الشهيد
الصدر الثاني) ولكن في مسجد الرأس بجوار صحن أمير المؤمنين فاستأنف الشيخ العميد
الدراسة في الجامعة وعادت الحياة من جديد إلى دار أبي الأرقم ..
0 تعليقات