آخر الأخبار

الحلقة الرابعة عشر (فتح ) والامتحان الصعب // العراق-- الكويت-- مؤتمر مدريد


الحلقة الرابعة عشر
فتح
والامتحان الصعب // العراق-- الكويت-- مؤتمر مدريد







ظلت فتح طوال عشرات السنين رافضة أن تكون مع هذا الطرف العربي ضد ذاك الطرف وحافظت على علاقات مع كل الأطراف العربية حتى تلك المتخاصمة والمتصارعة فيما بينها.. واستطاعت فتح أن تنأى عن سياسة المحاور قدر المستطاع ونجحت في ذلك نجاحا باهرا استقر كنهج متوازن للعمل السياسي الفلسطيني في الإقليم.. كما أن فتح أصرت على النأي عن التدخل في الشأن الداخلي للبلدان العربية ولم تنجر إلى أي اصطفاف داخل أي بلد عربي الأمر الذي جعلها أكثر قبولا و محلا للتعامل السياسي.
رغم ذلك إلا أنها تعرضت لامتحان عسير دفعت ثمنا باهظا نتيجة له.. فلقد حصل أن اجتاح صدام حسين الكويت وأصبح الموقف الفلسطيني في موقع لا يحسد عليه.. فالكويت وأهلها وأمراؤها مع فلسطين باستمرار ولم يتورطوا في لحظة ضد الشعب الفلسطيني أو ضد المنظمة بل لعل الأسرة الحاكمة قدمت من أبنائها أميرا -الأمير فهد الصباح- استشهد في مواقع الفدائيين مع فتح في الأردن قبل 1970 كما أن قوافل الإمداد لم تتوقف عن دعم الثورة الفلسطينية بلبنان بالمأكل والملبس والأموال.. وزيادة على ذلك عاشت في الكويت جالية فلسطينية كبيرة نسبيا تساوي في تعداداها السكان الأصليين ولم تجد من أهل الكويت إلا المودة والإخوة..وكذلك العراق بشعبه السخي الكريم الذي لم يتوان في رفد القضية الفلسطينية ومدها بالرجال والمال والسلاح ورغم أن هناك فترات فتور مرت بين الثورة الفلسطينية ونظام حزب البعث العربي في العراق أو جفاء وخصومة إلا أن العراق التزم إلى حد كبير بدعم منظمة التحرير ماليا وعسكريا وتدريبا.. ثم أن العراق بلد عربي كبير له ثقله ويحسب له في ميزان القوى الإقليمي.


فمع من يقف الفلسطينيون؟؟

لقد اخطأ من ظن أن المنظمة وياسر عرفات وقف مع صدام ضد الكويت أو أن الفلسطينيين أيدوا اجتياح الجيش العراقي للكويت.. مخطئ من يظن ذلك وهو بالتأكيد لايفهم حركة فتح ولايفهم طريقة تفكيرها.. لكن الفلسطينيين وبقيادة ياسر عرفات كانوا يدركون بوعيهم السياسي أن هناك خطة أمريكية لتدمير العراق واجتياحه وفرض سايكس بيكو جديد في المنطقة.. لذلك لم يترددوا على الوقوف ضد الحرب وضد الخطة الأمريكية مطالبين بانسحاب الجيش العراقي ضمن تفاهم عربي متين يعمق الأواصر في المنطقة وكادت جهود عرفات تنجح في هذا الإطار وتوسط بين الملك فهد والرئيس صدام حسين وتوصل إلى صيغة تفاهمات إلا أن الوقت لم يسعفه فقد اختطف الرئيس المصري مبارك الموقف وأسرع في الإعلان عن عقد مؤتمر قمة عربي شرعن فيها للاجتياح الأمريكي للعراق والمنطقة ودعا لتشكيل جيش عربي من عدة دول عربية تشارك الأمريكان يتجمع في حفر الباطن بالسعودية في الحرب ضد العراق.. هنا عرفات انتفض: لا ليس كذلك لايمكن أن نكون مع الحرب ضد العراق ولن نقاتل مع الأمريكان ضد العراق إنما نحن نضع خطة سلام عربي نؤمن للجيش العراقي الانسحاب وللكويت استعادة سيادته وحريته.. وكانت النتيجة في مؤتمر القمة قد حددتها دول مجهرية هامشية من الدول العربية مثل جيبوتي ..وافق فهد ووافق صدام على مبادرة عرفات كما ابلغني ابوالمنذر عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وكان سفير المنظمة يومذاك بالسعودية.. إلا أن الرئيس المصري رفض تدخل عرفات واستصدر قرارا من الجامعة العربي بأغلبية صوت واحد ورفض أن يتمكن عرفات من إلقاء كلمته..
هنا بدا الإعلام الصهيوني والأمريكي والتابع عملية تشويه كاملة للموقف الفلسطيني يكرر أن عرفات يصطف مع صدام ضد الكويت وهذا لم يكن أبدا على الإطلاق .. إنما كان عرفات يريد وبقوة إنجاح مبادرة السلام العربية ورفض الاحتراب الداخلي في الصف العربي.


عاقبت دول الخليج بقرار أمريكي عرفات والمنظمة على موقفها المحايد وجففت منابع المال للمنظمة التي بدأت في حالة خانقة وراجت الإشاعات عن انحياز عرفات إلى صدام حسين ضد الكويت الأمر الذي تسبب في معاقبة واسعة جماعية ضد الفلسطينيين بالكويت لاتزال تعصف نتائجها بهم .. فتم تشريد وطرد مئات آلاف الفلسطينيين وخسارة ثرواتهم وادخاراتهم.


عرفات لم يكن مع صدام حسين ضد الكويت أبدا إنما كان مع العراق ضد أمريكا لأنه يرفض الانحياز لنظام عربي ضد آخر وهذا مبدأ التزمت به قيادة فتح التاريخية وهو يعرف ماهي نتيجة العدوان الأمريكي وما هي أسبابه الحقيقية.
وحدث الذي توقعه عرفات.. استغلال الأمريكان الموقف بان دمروا العراق وفرضوا عليه الحصار ومناطق الحظر الجوي ووضعوا أيديهم على نفطه.. وبدأت الانهيارات في المنطقة العربية بلا توان..


وكانت أصعب المراحل على منظمة التحرير التي وجدت نفسها بلا مصادر مالية تسرح كوادرها وتسمح لهم بالهجرة وتخفض نشاطاتها وذلك كله في ظل الانتظار لمؤتمر مدريد للتفاوض من اجل إيجاد حل للقضية الفلسطينية.


أصر الأمريكان أن يكون الوفد الفلسطيني ضمن وفد الأردن ولكن الفلسطينيين تمكنوا في نهاية الأمر أن يكون لهم وفد يمثلهم تماما في مفاوضات مكوكية لم تنتج شيئا حقيقيا ...


كانت سنوات مابعد حرب الخليج عصيبة على منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت الأمة تقدم ولاء الطاعة للأمريكان من خلال أنظمة عربية شعرت أنها معرضة لما تعرض له العراق .. لم ينجح العراق في كسر الحصار وإيقاف العدوان الأمريكي عليه فكانت خسارة فلسطين بذلك كبيرة وإستراتيجية.



إرسال تعليق

0 تعليقات