آخر الأخبار

عبد الله بن سبأ2/2

عبد الله بن سبأ2/2




محمود جابر


مناقـشـة الـروايـات السـابـقـة:

ذكرنا فى الجزء الأول من هذه الدراسة ثمانية روايات جامعة شملت أصحاب السير والتاريخ والمغازى وأصحاب المقالات والفرق والمؤرخون المعاصرون وأصحاب الموسوعات العلمية.

وكما اختلفوا فيما سبق في اسمه ومن أي البلاد هو، ومتى خرج بدعوته فهاهم يختلفون أيضا في مقالته فمنهم من قال أنه قال (ابن سبأ) أن علّى هو النبي ورغم أنه وفى نفس المقال الواحد قال بأنه أدعى في علّى أنه إله أو جزء من إله وهم (محمد فريد وجدي، أحمد عطية الله، وعبد القاهر البغدادي، وابن حزم، والشهرستاني) وقال أغلبهم واجمعوا على أنه قال أن على وصى محمد رغم أنهم قالوا بنبوته وألوهيته فكذلك، وبدون وعى قالوا بأن ابن سبأ قال أن على إله، ونبى، ووصى النبي، وأنه في السحاب، فأي نبي قبله سكن السحاب أو أي ولى سكن السحاب، أو أي إله سكن السحاب !!! أكانوا القوم بلا عقول حتى تسرى فيهم هذه الدعوة ؟؟؟
تحدثوا فيما تحدثوا أنه طاف في الحجاز، والكوفة، والبصرة، والشام، ومصر، وهذه الأمصار كانت تعج بأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

 أما مصر فكان بها حوالي خمسون صحابياً منهم عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن العاص، عبد الله بن سعد بن أبى سرح، محمد بن حذيفة، وعقبة بن عامر، وأبو زمعة البلوى، وأبو خرش السلمي، وبصرة الغفاري،  وبصرة بن أبى بصرة، وأبو بررة، عبد الله بن سعد، وخرشة بن الحارس، وجنادة الأزدى، وسعيد بن يزيد الأزدى، وأبو سعد الخير الأنمارى، ومعاوية بن خديج، مسلمة بن مخلد بن الصلت، وعبد الرحمن بن عديس، فهل يترك أهل مصر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتبعوا هذا اليهودي حديث العهد بالإسلام وما هذا الذي يؤهله حتى يتطاول على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجتمع الناس حوله؟!!

 وأن كان في مصر خمسين صحابياً وعدداً من التابعين فان في الكوفة ما يزيد عن مائة وخمسين هم من خلص أصحابه (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وحزينة بن اليمان، وأبو قتادة الربعى، وأبو موسى الأشعري، والبراء، بن عازب، وعبيد بن عازب، وزيد بن أرقم، والمغيرة بن شعبة، وحجر بن عدى، وزيد بن أرقم، وخزيمة بن ثابت، والنعمان بن ثابت.ومئات من الصحابة والتابعين ممن روى عن أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وعبد الله بن مسعود، وأبى موسى، منهم شريح القاضي، وسعيد بن جبير، وسعد بن حذيفة، وقيس بن زيد وأويس القرني وسعد بن مالك، فكيف ترك الناس كل هؤلاء وهؤلاء وافتتنوا برجل ليس له في الإسلام قدم ؟ فكيف ترك الناس كل هؤلاء واتبعوا صاحب دعوة تنقض الإسلام وترفع لواء الكفر وما كان من عمال الأمصار كما قال الطبري وغيره إلا أنهم أخرجوه من مصر إلى البصرة إلي الكوفة إلى الشام، ثم إلى مصر ؟؟ أفتونا يا سادتنا هل هذه الدعوة عقوبته النفي ؟

وهنا نقطه أخرى: أنه لو أسلم ( ابن سبأ) أو ادعى الإسلام فليس عليه رقيب أو حسيب من الناس في إسلامه، أما إذا أدعي النبوة لنفسه أو لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وآلهسلم أو لأحد بعده، أو ادعي الألوهية لأحد من الناس أو أدعي بحلول فيه جزء إلهي فكيف يترك صاحب المقال دونما عقاب شرعي على كفره ؟؟

ولماذا لم يعاقبه الخليفة عثمان رغم أنه شدد مع بعض أصحاب رسول الله (عبد الله بن مسعود أبى ذر وعمار بن ياسر)، وكيف تركهم معاوية والى الشام رغم أن ابن الصامت تعلق به وأتى به معاوية وقال له هذا الذي بعث عليك أبا ذر فما فعل ؟ سير أبا ذر إلى الخليفة وطرد ابن سبأ إلى مصر (لماذا؟!!) وماذا فعل به ابن أبى سرح ؟ وهل كان ابن سبأ أقوى من النبي في دعوته حتى يتبعه أصحابه أبا ذر وعمار ومحمد بن أبى حذيفة وعبد الرحمن بن عديس ؟؟

كيف يلبس على الناس هذه الأقوال وبأي سلطان فعله وهو ليس صحابياً ، أو تابعاً، أو محدثا أو فقيهاً ، ولا شئ من هذا كله وأصحاب رسول الله وأصحاب العلم حضور؟

كيف تركه الإمام على الذي لم يخشى الناس، ولم يخشى في الله أن حارب عائشة والزبير وطلحة في الجمل، وحارب رجل له اتباع لا يفرقون بين ناقة وجمل، ولم يطمعوا في شئ من الدنيا كما نصحوه، وكيف يقاتل قوماً هم على الجادة والصحيح من الدين ويترك هذا الدعي غير أنه أخرجه إلى المدائن ؟ وهناك روايات تقول بأنه (على) حرق قوم من اتباعه وخاف الفتنة فتركه فكيف يحرق الأتباع ويترك المتبوع ؟

كيف استطاع هذا الدعي الحدث أن يحدث هذه الفتنة العظيمة بين أمة النبي الخاتم، وإلا فقولوا لنا عن قوم يقتلون صاحبهم – عثمان-  بدعوة يهودي أي الأصحاب هم؟ فما بالكم أن تركوه يقتله؟ أو أن يدعوا الناس إلي قتله وتستجيب الناس لحاقد كافر ملحد خارج عن الإسلام فأي الناس هم ؟

فما بالكم بأن هؤلاء الأصحاب الذين تلاعب ابن سبأ بهم هم أصحابه صلى الله عليه وسلم، وحواريه، وأمناءه، وآل بيته، وأزواجه والخيار أمامنا إما أن هؤلاء أطاعوه أو منعهم خشيته وهذا مالا يقوله عاقل، و إما إنهم علموا ولم يدعوا فترفعوا عن هذا الأمر وهذا يستحيل عن الذين جاء فيهم القرآن بدعوته بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأما أنهم تسامحوا معه فلماذا تسامحوا مع ابن سبأ وشددوا على من هم أفضل منه- ابن مسعود وأبا ذر وعمار- أفيدونا يرحمكم الله؟ أكان عثمان أم معاوية أو على أو عمال الأمصار يرعون دم الذمي وأهل الكتاب المارقين ويوغلون في دماء إخوانهم كما فعل الخوارج مع عبد الله بن خباب بن الأرت ؟

والسؤل الثالث ما مدى صحة هذه الروايات ؟   
نقول: إن ما سقناه من روايات نقلناها عن بن محمد أبو زهرة، ومحمد فريد وجدي، وأحمد عطية الله، وأحمد أمين، وحسن إبراهيم حسن، المقريزى، والذهبي، وابن حزم، وعبد القاهر البغدادي، وعلى ابن إسماعيل الأشعري، وابن كثير، والشهرستانى، والطبري، وهؤلاء يمكن أن يصنفوا في ثلاث مجموعات هي:
              ·          باحثون معاصرون وأصحاب موسوعات وفقهاء0
              ·          أصحاب المقالات والفرق 0
              ·          أصحاب التاريخ والسير 0
الصنف الأول: الباحثون المعاصرون، وأصحاب الموسوعات والفقهاء وهم:
              ·          محمد فريد وجدي:في دائرة معارف القرن العشرين أشار أنه نقل من الطبري .
              ·          محمد أبو زهرة:في تاريخ المذاهب الإسلامية يشير أنه نقل عن الطبري 0
              ·          أحمد عطية الله في القاموس الإسلامي نجده في مادة سبأ بنقل رواية أكثر تشابه برواية الطبري وابن كثير 0

              ·          أحمد أمين في فجر الإسلام أقترب إلى ما قاله السيد محمد رشيد رضا في كتابة السنة والشيعة، وكذلك ينقل عن ابن خلدون والطبري في صفحة (423) وكذلك فى صفحة (438) وفى نهاية هذا المبحث ينقل عن المستشرق ولهوسن 0

              ·          حسن إبراهيم حسن في كتابه تاريخ الإسلام السياسي وهو يسجل فى هامش الصفحة (352 ) انه نقل من الطبري 0

              ·          رشيد رضا: أما السيد محمد رشيد رضا فى كتابه السنة والشيعة والذي نقل عنه أحمد أمين يقول: أن التشيع لعلى كان مبدأ تفرق هذه الأمة ومبدعها أصله يهودي واسمه عبد الله بن سبأ أظهر الإسلام وقد نص في كتابه على أن المصدر الذي نقل منه هو التاريخ لابن الأثير.

              ·          ولهوس والذي أعتمد عليه أحمد أمين كأحد مصادره وكتابه هو(الدولة الأموية وسقوطها) وقال ولهوزن تحت عنوان (السبئية وروح النبوة) تبرز في هذه الظروف فرقه في الكوفة كانت بعيدة عن الأنظار يطلق عليه اسم السبئية تغير شكل الإسلام تغير تاماً) ويقول أن السبئية مشتقة من ابن سبأ وهو يهودي من اليمن وتحت عنوان آخر (السبئية متطرفون تقمصيون) للمتطرفين أسماء مختلفة لا تدل إلا على ظلال لا قيمة لها من المعاني، وكانوا أولا يسمون السبئية ويقول سيف بن عمر، أن السبئية كانوا من أول الأمر من أهل الشر والسوء في تاريخ حكم الله0 هم قتلة عثمان، فتحوا باب الحرب الأهلية وأسسوا فرقة الخوارج، وبعد أن حدد اسم سيف في موضعين مختلفين يشير إلى أنه استند في مصدره إلي الطبري 0

وهذه هي المصادر التي أعتمد عليها هذا الصنف من الناس تنحصر في (ابن خلدون ابن الأثير ابن جرير الطبري) وسوف نبحث في هذه المصادر التي اعتمدوا عليها هؤلاء فيما هو آت0

2-أصحاب المقالات والفرق وهم:-
على ابن إسماعيل الأشعري:- في كتابه مقالات الإسلاميين، و عبد القاهر البغدادي فى كتابه(الفرق بين الفرق)، و بن حزم فى كتابه الفصل بين (الملل و النحل)، الشهرستانى فى كتابه (الملل والنحل) وغيرهم. والحق أنهم يأخذون هذه المقالات من أفواه الناس ومن معاصريهم دونما سند ما ينُقل، وما أوردوه من سند مما تكلموا به إنما هي أقول تحكى عن فلان عن فلان وروى فلان. مع ما فى كتبهم من تناقض وسخف بيّن قد أوردنا منه بعض وسوف نكمله فيما بقى لنا من كلام 0

3- أصحاب التاريخ والسير والمغازى وهم:
المقريزى المتوفى (848) هـ في الخطط0 أورد كلاماً يشبه كلام أهل الفرق وأقوالا أخري تشبه روايات سيف بن عمر.
ابن خلدون (808) هـ في كتابه (المبتدأ والخبر) فقد ذكر حادث الدار والجمل في جـ2 فقال (هذا أمر الجمل ملخصا عن كتاب أبي جعفر الطبري) اعتمدناه للوثوق به وسلامته من الأهواء الموجودة فى كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين.

ابن كثير المتوفى (774) هـ فقد أورد القصة في جـ7 من تاريخه البداية والنهاية (باب ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرة الثانية من مصر ) وقال: ذكر سيف بن عمر التميمى عن محمد وطلحة وأبى حارثة وأبى عثمان وقال غيرهم أيضا، قالوا لما كان في شوال سنة خمس وثلاثين، خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء ومعهم عبد الله بن سبأ، وكان أصله ذميا فأظهر الإسلام، وأحدث بدعاً قولية، وفعلية قبحه الله، وسرد القصة إلى واقعة الجمل، ثم قال هذا ملخص ما ذكره أبو جعفر بن جرير[الطبرى] رحمه الله.

الذهبي (748) في كتابه (تاريخ الإسلام) أورد ذكر ابن سبأ في أحداث خمس وثلاثين ومقتل عثمان بن عفان في 2/169، قال سيف بن عمر: عن عطية عن يزيد الفقعسى قال: لما خرج ابن السوداء إلى مصر وأورد القصة. وهو هنا ينقل من سيف بن عمر وكتابه (الفتح الكبيرة والردة) حيث أنه جعلها أحد مراجعه التي ذكرها في مقدمة كتابه قال: طالعت على هذا التأليف من الكتب مصنفات كثيرة، ومادته منها (الفتح) لسيف بن عمر، و(تاريخ ) ابن الأثير، (وتاريخ الطبري).

ابن الأثير المتوفى (630) هـ في كتابه تاريخ ابن الأثير: يذكر القصة كاملة في حوادث سنة 30-36 وهو يرجع كما قال في مقدمته إلى الطبري وقال: فإني لم أضف إلى ما نقله أبو جعفر شيئا إلا ما فيه زيادة بيان أو اسم إنسان، أو مالا يطعن على أحد منهم فى نقله، وإنما اعتمدت عليه من المؤرخين إذ هو الإمام المتقن حقا الجامع علماً، وصحة اعتقاد، وصدقاً. على أنى لم أنقل إلا من التواريخ المذكورة والكتب المشهورة.

وبذلك فان السابقين جميعا لهم مصدرين لا ثالث لهما هما الطبري وسيف بن عمر0

فمن هو سيف بن عمر ؟
هذا ما سوف نذكره فى الحلقة القادمة بإذن الله تعالى

 الجزء الأول : عبد الله بن سبأ1/1

إرسال تعليق

0 تعليقات