آخر الأخبار

الجزء السابع : تناهيد دار أبي الأرقم أوراق يعقوبية





 الجزء السابع : تناهيد دار أبي الأرقم
أوراق يعقوبية





بقلم السيد احمد الجيزاني

  (12)


ولم تكن أجهزة الأمن بمنأى عن المتابعة والمراقبة الحثيثة والشديدة لنشاط وحركة الشيخ اليعقوبي وطلبته الفاعلين فكان أمن الشعلة كثيرا ما يستدعيني حتى أن الملازم (......) وهو من الشيعة !!

 قال لماذا لا تمر إلى معاونية أمن الشعلة كل يوم جمعة !! فقلت له : وهل أنا الإمام العسكري ليحضر إلى البلاط في كل يوم إثنين وخميس ؟!

ومن المواقف التي لا تنسى أنني صليت العشائين في جامع الإحسان للأخوة السنة مقابل معاونية أمن الشعلة ثم دخلت على الضابط (مقدم حميد من الفلوجة) والمفارقة أن هذه الليلة هي (ليلة الحنة لي) ليلة الأحد الأول من ذي الحجة الموافق لـ 25/2/2001م والدار كانت مكتظة بالأقارب والجيران والأصدقاء على ما هو معهود في المناطق الشعبية وحينما علم المقدم أن يوم غد زواجي اعتذر وقال لو كنا نعلم لما اسلنا خلفك فعدت وكان والدي ينتظرني بقلق كبير..

وكان في أجهزة الأمن المركزي في بغداد جناح خاص باسم اليعقوبية والتحري عن نشاطهم وتوجهاتهم وكان بعض طلبة العلم عند توجيه سؤال لهم عن تقليدهم : يقولون السيد السيستاني هروبا من المضايقات فان مرجعية السيد السيستاني حفظه كانت بعيدة عن الأنظار وبالتالي فلا تكتنفها الأخطار بخلاف من يخبر أنه مقلد للسيد الصدر الثاني فتوضع عليه علامة استفهام ويلقى في سفره نصبا وحرسا شديدا وشهبا ..

وكانوا يسألونني عن استفتاءات الشيخ اليعقوبي وهل يحرم مشاهدة التلفزيون فكنت أجيب بأنه لم يصدر منه ذلك ولا يوجد رجل عاقل يحرم مشاهدة التلفزيون (وقد وزعنا يومئذ كتيب احذر في بيتك الشيطان) فهذا البرنامج الذي أمامنا (وكان في لحظتها برنامج : من يربح المليون) برنامج تعليمي وثقافي واستماع نشرة الأخبار أمر أيضا ضروري ثم استدركت قائلا : ولكن طبعا لا أنا ولا أنت نرضى أن تشاهد أخواتنا لقطات ماجنة وخليعة فكان الضابط يسكت على مضض !!

وذات مرة سألني ضابط الأمن الملازم (......) ما قضية النزاع حول المدرسة الدينية عندكم؟ وكان المفترض أنه يسأل حول دار أبي الأرقم (جامعة الصدر/ مدرسة البغدادي) ولكنني وجدته غير ملم بالقضية التي كلف بالتحري عنها فقلت له : هذه مدرسة تسمى الباكستانية رممها السيد الصدر الثاني وبيت محمد سعيد الحكيم يرون أنها تعود لجدهم السيد محسن الحكيم وصار نزاع حولها ثم أخذها آل الحكيم !!

 وبعد سقوط النظام حينما جلب لي أحد الأخوة الملف الخاص بي من معاونية أمن الشعلة وجدت فيه نوع من عدم الرضا من الجهات العليا التي أوضحت للضابط أن هذا الموضوع قديم ونحن نريد منك معلومات حول النزاع الأخير الذي يجري حول مدرسة البغدادي ...

أنظروا إلى حجم العداء الذي يحيط بنا ورصدنا المستمر وتحري أمورنا ومحاولة النفوذ في مشاكلنا والنفخ في أوداج قضايانا وتضخيمها والقضاء علينا من داخلنا!!

وذهب رجال إحدى الدوائر الأمنية إلى الشيخ اليعقوبي نفسه حيث يصلي في مسجد الكرامة ـ حيث توافد الطلبة والشباب هناك ـ وطلبوا منه أن يأتي معهم إلى الدائرة الأمنية ورغم اعتراض من كان حول الشيخ على طريقة استدعاءهم للشيخ إلا أن هذا الأمر لم يثنهم عن اقتياد الشيخ معهم والذي بدوره قال لهم : (إذا رأيتم العلماء على أبواب الأمراء فبئس العلماء وبئس الأمراء وإذا رأيتم الأمراء على أبواب العلماء فنعم العلماء ونعم الأمراء) ولكن القوم لا يكادون يفقهون حديثا وقد منع الأمن سماحته من الصلاة في هذا المسجد حتى سقوط الصنم ..


(13)
ومع ذلك كان الشيخ حذرا في تعامله مع الأمور التي لها مساس بالنظام ويتصرف بروية وحكمة بالغة فهو لا يقبل أن يستلم رسالة خطية تأتيه من شخص إلا بعد أن يكون الطالب الحامل لها قد قرأها فكنا لا نحمل رسالة من شخص إلا ونطلب منه أن يسمح لنا أن نقرأها خشية أن تحمل كلاما يثير مخاوف الحكومة آنذاك والعلة من هذا الإجراء واضحة فان مجرد وصولها إلى يد الشيخ تعتبر دليل إدانة ضده ومبرر للأجهزة الأمنية لاتخاذ موقف قاسي معه ..

ولذا كان الشيخ يطلب من الطلبة المتقدمين لدار أبي الأرقم (جامعة الصدر) دفتر الخدمة العسكرية والذي يثبت كون الفرد قد أدى خدمة العلم لئلا يعطي للحكومة مغمزا ويكون وجود المتخلف عن العسكرية بين الطلبة مطعن في ولاء الطلبة للدولة وصدق وطنيتهم ..
وحينما حصل الانفجار عند مرور موكب محمد حمزة الزبيدي قال سماحته بان الحكومة قد لا تقتنع بهذه الجامعة كمدرسة دينية بل تراها مؤسسة سياسية وتخفي أمرا فلماذا تغلق الباب على نفسها طيلة أيام الأسبوع ولا تختلط بالحوزة فقال نحن في نظر الحكومة (بعبع) خاصة وان بعض الطلبة كانوا يلبسون البنطال (الكاوبوي) مع أن المتعارف هو (الدشداشة) و(العرقجين) لمن لم يكن يرتدي البزة الحوزوية فكان من بين الإجراءات التي أمر بها كرسالة تطمين للجهات الأمنية هي أن أمر الطلبة بلبس الزي الديني مع أن القانون الذي وضعه السيد الصدر الثاني يقضي بتعميم الطالب إذا أتم المرحلة الرابعة وأمر الطلبة في المراحل المتقدمة بالانفتاح على الحوزة وإعطاء الدروس هناك ..

ولكن في نفس الوقت كان يتحرك بواقعية فهو يعترض على بعض الطلبة الذين رفضوا لبس الزي الحوزوي فرارا من أجهزة الأمن التي كانت تراقب طلبة العلوم الدينية بصورة عامة وطلبة الخط الصدري بصورة خاصة وقال لهم وقتها هل تتصورون إنكم بمناى عن علم الأمن بانخراطكم في الدراسة الدينية ؟!

وذات مرة (وكنت في المرحلة الأولى) ذهبت معه إلى بيته وتناولت معه وجبة الغداء فاعترض على تسرب كاسيتات الدرس الأخلاقي والذي كان يلقيه على الطلبة في دار أبي الأرقم وكان السيدان (.....) (.....) هم من أعطوا الكاسيت إلى بعض معارفهم في المدرسة اللبنانية من محافظة (.....) فقلت له شيخنا أنت من سمح بنسخ الكاسيت وقد اعترضت على تصرف الطلبة وإعطاءكم الأذن لهم وقلت لهم أنه يشكل خطرا على حياة الشيخ لأنه يتطرق بين الفينة والأخرى إلى تحليل الأخبار والقضايا السياسية ويتطرق إلى ما كان شائعا من اقتتال في البوسنة والهرسك فكان جواب الطلبة جوابا ساذجا ـ كما هو معهود اليوم ـ ان الشيخ أدرى بالمصلحة ؟ فقال سماحته : كان مقصودي أن ينسخه الطلبة لأنفسهم وليس إخراجه إلى خارج الجامعة ثم أردف قائلا : ولنفترض أنني أذنت لهم بتوزيعه فلماذا لم يلتفت الطلبة إلى خطورة الأمر كما كنت أنت ملتفتا لذلك واستشهد بهذه الآية (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)...

وطلب أحد المشايخ من سماحته أن يأخذ كتاب (استفتاءات) للسيد الخامنئي والموجود في مكتبة مدرسة الجامعة / المرحلة الأولى فاستغرب الشيخ وقال للطالب ممتعضا ولماذا هذا الكتاب موجود في المكتبة ـ لكونه مخالفا للتقية ـ وطلب حينها من الشيخ صلاح العبيدي المشرف على المرحلة الأولى أن يختار طالبا ثقة يشرف على المكتبة ويكون أمينا عليها ويمنع وضع كتاب مخالفا للتقية فرشحني الشيخ صلاح أمينا على المكتبة فكان بعض الطلبة يقول : إن أحمد الجيزاني كان أكثر وقته في المكتبة فلعله ألآن يبيت فيها بعد أن صار أمينا عليها.






إرسال تعليق

0 تعليقات