آخر الأخبار

الحقيقة الغائبة الأستاذ والطالب أو الولي والوريث لكشف 5/5




الحقيقة الغائبة الأستاذ والطالب أو الولي والوريث لكشف 5/5





الزركانى البدرى 

وحينما وقع الهجوم بالطائرات على برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11/ سبتمبر 2001 وأعلنت الولايات المتحدة عداءها للعالم الإسلامي وصعَّدت من لهجتها ضد العراق بحجة الحرب على الإرهاب، جعلت هذه المواجهة ذريعة لتصعيد مستوى الخطاب الديني وإبراز الجوانب الحضارية للإسلام وإذكاء روح العمل الإسلامي وحث الأمة على إقامة دولة العدل الإلهي وبناء الإنسان الصالح لتعبئة الأمة أخلاقياً وفكرياً وثقافياً وعقائدياً؛ لتستطيع استيعاب التحديات التي ستواجهها عند حصول الاحتلال الغربي الذي كان يجري الحديث عنه ونتابعه من الإذاعات (حيث لم يكن جهاز الستلايت متاحاً ولا يعرض التلفزيون الرسمي إلا أخبار النظام).


ففي مناسبة قرب شهر محرم الحرام / 1423هـ حيث تتعطل الدراسة في الحوزة العلمية وينطلق الطلبة والخطباء للتبليغ الإسلامي، ألقيت محاضرة بعنوان (ما هو تكليفنا في الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب)(1) شكلت نقلة نوعية في مستوى الفكر ثم أعقبتها عدة محاضرات في مناسبات مختلفة وجمعت في كتاب (نحن والغرب) الذي طبع قبل سقوط النظام ولاقى انتشاراً واسعاً، وكانت هذه الكتب التي تطبع سراً في النجف الأشرف تصل إلى خارج العراق وتعاد طباعتها فيما بعد في قم المقدسة من قبل مركز الإمام المهدي (عليه السلام) للدراسات الإسلامية الذي أسسه بعض الصدريين المهاجرين إلى إيران من بطش النظام ويعنى بنشر فكر الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) والشيخ اليعقوبي، فأصبح صداها وتأثيرها يتردد خارج العراق.

وهذا السبب مضافاً إلى غزارة الإنتاج وتنوع الفكر والعمل بمديات واسعة وبآليات جديدة لم يكن يتوقعونها وظنهم بأنهم قضوا على السيد الصدر (قدس سره) وحركته، فلا يوجد من يواصل رسالته: ولّد تصوراً عند السلطة أن هذه الكتب تؤلف من قبل علماء خارج العراق وتطبع وتسوق داخل العراق بالتنسيق مع الشيخ اليعقوبي حيث يوضع اسمه على الغلاف للتمويه، وكانوا يضغطون على المعتقلين أثناء استجوابهم لانتزاع اعتراف من هذا القبيل.

وكان صيف عام 2002 (جمادى الأولى وجمادى الثانية ورجب 1423) متألقاً حيث لم أكن أعطل دروسي في الصيف، كما اعتادت الحوزة التقليدية في السنوات الأخيرة، بل كنت أستمر بالتدريس وكان ذلك كفيلا بتنشيط الحوزة العلمية بصورة عامة؛ لأن درسي في (كفاية الأصول) – وهو أعلى كتاب مقرر لعلم الأصول في الحوزة العلمية – كان يحضره الأساتذة والفضلاء ومن مختلف التوجهات فإذا استمروا معي في الدرس فأنهم سيستمرون مع طلبتهم في التدريس وهكذا تتوسع قاعدة الاشتغال بالدرس لتشمل قطاعاً واسعاً في الحوزة بحيث لا يظهر معها تعطيل بعض العلماء الآخرين مؤثراً على حركة الحوزة العلمية في موسم الصيف.

وكان من أهدافي من استمرار الدرس في الصيف(2) مضافاً إلى إدامة نشاط الحوزة العلمية وتأثيرها في المجتمع، لأنها كانت تتلاشى في العطلة: هو إطلاق مشروع الدورات الصيفية لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية ليلتحقوا بالحوزة خلال أشهر العطلة وتنظم لهم حلقات درس في الفقه والعقائد والأخلاق والمنطق والسيرة، وتكون بشكل مكثف لإنشاء جيل من الجامعيين الحوزويين الذين يصبحون مبلغين رساليين في ساحاتهم سواء كانوا في الجامعة أو المجتمع أو الدوائر التي سيعملون فيها.
وقد نجح المشروع في انطلاقته الأولى صيف عام 2002 والتحق أكثر من مائتي طالب من الجامعيين وشكلت لجنة من الفضلاء لتنظيم دروسهم وتهيئة السكن لهم في الفنادق والبيوت التي استأجرناها لهم وإطعامهم وسائر الأمور الخدمية الأخرى ويسر الله تعالى ذلك بشكل عجيب، مع أن الذي يلتحق بالحوزة يعلم صعوبة ترتيب ذلك فلا يستطيع الطالب الملتحق حديثاً من تهيئة سكنه وتنظيم دروسه إلا بعد مدة طويلة، فضلاً عن كون العدد كبيراً بهذا المقدار، كما خصصنا مبلغاً شهرياً لكل منهم لتغطية أجور نقلهم وانتهت الدورة مع نهاية العطلة الصيفية، وشهد اليوم الأخير (وهو 27/8/2002) احتفال الأساتذة والطلبة بإتمام هذا الإنجاز الرائع، وكتبت لهم كلمة بهذه المناسبة قرأها المشرفون على الحلقات العلمية وسجلت فيها مآثر الطلبة والمشرفين والمساهمين في دعم المشروع.
-------


(1) ألقيت بتأريخ 27/ذي الحجة/1422 هـ الموافق 12/3/2002م.
(2) مع شدة الحر في مدينة النجف المطلة على الصحراء وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة مع إصابتي بتهيج الحساسية في الجيوب الأنفية في هذه الأشهر مما يسبب رشحاً مستمراً فكنت أجلس على كرسي التدريس وبيدي الكتاب المقرر ودفتر الشرح الذي أمليه على الطلبة وفي حجري منديلان أحدهما لمسح العرق والآخر للرشح، ولا زال الطلبة يتذكرون ذلك المنظر مشفقين لحالي، ومع ذلك فقد كنا في أحلى اللحظات وأسماها لأننا نشعر أننا في مرحلة مفصلية في حياة الأمة وعلينا أن نبذل أقصى طاقاتنا مع ما نلمسه من اللطف والرعاية الغامرة من لدن الله تبارك وتعالى وإمام العصر (أرواحنا له الفداء).





إرسال تعليق

0 تعليقات