الحقيقة الغائبة الأستاذ والطالب أو الولي والوريث لكشف 6/6
الزركانى البدرى
ولقد أغاظ هذا التألق السلطة
ودهموا بما لم يحتسبوا واستدعوا بعض المشرفين على الحلقات للتحقيق في الأمر، وكشفت
الوثائق التي عثر عليها في أوكارهم بعد سقوط صنمهم عن متابعتهم التفصيلية لها.
وكنت إلى جانب هذه الألوان من
العمل الإسلامي مواصلاً لنشاطي في جامع حي الكرامة في النجف(1) حيث أقيم صلاة
الجماعة فيه منذ عام 1995 وألتقي بالناس وأجيب على أسئلتهم وألقي خطبة أسبوعية ظهر
يوم الجمعة وأقيم صلاة العيدين حيث يتوافد المصلون من المناطق الأخرى ويمتلئ
المسجد والساحة وينقطع الشارع المجاور وألقي خطبة العيد، حتى منعت من ذلك بسبب ما
اعتبره مسئول حزب البعث المقبور في المنطقة أنه تعريض بصدام وابنه عدي والسلطة في
بعض الأمور، فاستعضت عنه بمجلس حسيني مساء كل أربعاء أدعو فيه أحد الخطباء
الواعين، إلى أن أصبحت حركتي في هذا المسجد مقيدة بدرجة كبيرة، فانتقلت إلى مسجد
حي الغدير وهناك كان المجال أوسع للعمل وعُدت إلى إلقاء المحاضرات يوم الجمعة،
وبدأت أعداد الحضور بالتزايد ومن مختلف المدن العراقية خصوصاً في المناسبات
الدينية ويستمعون إلى الخطب ويتفاعلون معها، حتى كانت مناسبة المولد النبوي الشريف
في 17/ربيع الأول/1423هـ (30/5/2002) حيث كان الحضور حاشداً والتفاعل كبيراً ففقد
أزلام النظام صبرهم وجاءوا إلى المسجد حتى انتهيت من صلاة المغرب والعشاء وخرجت
ولا زال الكثير من الناس موجودين خارج المسجد وطلب مني أحدهم أن أرافقه إلى مقر
الحزب فأمسكت بيده وتنحيت جانباً وقلت له: إن الحديث الشريف يقول: إذا رأيتم
العلماء على أبواب الملوك فبأس العلماء وبأس الملوك، وإذا رأيتم الملوك على أبواب
العلماء فنعم العلماء ونعم الملوك، وأريد لنفسي ولك أن نكون نعم العلماء ونعم
الملوك ونتجنب ردود الأفعال الغاضبة، فرفع صوته بالاستهزاء بهذا الكلام وحصلت
مشادة بيننا فتدخل أحد المصلين ووجه إلى رأسه ضربة قوية بيده فأخذ يهدد ويتوعد
وأصر على استدعائنا –أنا ومعي القائم بشؤون المسجد وصلاة الجماعة – وبعد حديث طويل
وتهديد أبلغني بمنعي من الوصول إلى المسجد نهائياً، فانقطعت.
وهكذا بدأت الاحتكاكات مع
السلطة تتزايد، وفي خطة منسجمة مع هذا التصعيد ومن باب تلاقي المصالح واشتراكها
وبقدرة قادر، وصفقات لا نعرف تفاصيلها والوسطاء فيها، فقد بدأ بعض الذين اختفوا من
العاملين في المكتب من الحاسدين والحاقدين الذين لا يرون لهم حظوظاً بالعودة
والظهور والالتفاف حول نجل السيد الشهيد (قدس سره) وإقناعه بالخروج وممارسة دوره
في الإدارة المباشرة للمكتب)). ((ودعمت السلطة هذا الاستقطاب المقابل ودفعت بعضهم
إلى أن يؤججوا الخلاف بيننا ويوغروا صدر السيد عليَّ وينبّهونه إلى خطورة صعود نجم
الشيخ اليعقوبي وانتشار اسمه لأنه يؤدي تدريجياً إلى نسيان اسم السيد الشهيد (قدس
سره) وذكروا لذلك دليلاً وهو شدة الإقبال على أشرطة تسجيل محاضرات الشيخ اليعقوبي
وانحسار الطلب على أشرطة تسجيل خطب السيد الشهيد (قدس سره) ولقاءاته، وآتت هذه
الخطة ثمارها فقد وقع شرخ في العلاقة بيننا خصوصاً وإنني كنت أنتقد بشدة بعض
التصرفات المالية، وكانت حركتهم ضدي تزداد كلما نمت القاعدة الجماهيرية وازداد
التفاف الحوزة والمجتمع حولي، حيث بدأ مسجد الرأس يغصّ بالحضور في محاضراتي التي
ألقيها في المناسبات، وبلغت الذروة في محاضرة (عناصر شخصية المسلم في مدرسة أهل
البيت عليهم السلام) التي ألقيتها(2) في ذكرى ميلاد أمير المؤمنين (عليه السلام)
في 13/رجب/1423 (21/9/2002م) )) ... ((ومن ثمّ اتجهوا إلى زيادة الضغط لإخراجي من
مسجد الرأس وبذلك يحققون أكثر من هدف:
1-إضعافي وتحجيمي لأنهم كانوا
يعتقدون أن قوتي في وجودي في مسجد الرأس، وهو ما كانت تعتقده السلطة وتريد إبعادي
أيضاً.
2-حتى يشيعوا لدى أتباع السيد
الصدر (قدس سره) أن الشيخ اليعقوبي خرج من خط السيد الشهيد وخذل مكتبه ونحوها.
ولم أعطهم مرادهم وبقيت
مستمراً على تدريسي ووجودي ولم أخرج اختياراً ليكون أبلغ بالحجة عليهم، ولئلا
أتخلى عن مسؤوليتي في رعاية الصدريين عموماً، الذين يجدون عزّتهم ومعقلهم في هذا
المسجد الشريف))...
((وكان جلاوزة السلطة تتابع
هذه التحركات وترفعها إلى الجهات العليا، كما كشفت تقاريرهم(3) التي استولى عليها
الشعب بعد سقوط النظام، واستمر التصعيد والضغط خصوصاً ما حصل في شهر رمضان في مبنى
جامعة الصدر الدينية في مدرسة البغدادي، ولم تنجح محاولات التهدئة والتقريب التي
قام بها بعض الفضلاء بعد انتهاء عطلة عيد الفطر)).
((إلى أن حلّ يوم 23/ذو
القعدة/1423 (27/1/2003م) وهو اليوم الذي حدده فريق قناة الجزيرة الفضائية للحضور
إلى مسجد الرأس وتصوير درسي –باعتباره أكبر درس في الحوزة- وإجراء حوار معي ضمن
برنامج عن الحوزة العلمية في النجف الأشرف... فأمر المكتب بإغلاق المسجد ثلاثة
أيام، وحولت محل اللقاء إلى جامعة الصدر الدينية مساءً؛ حيث حضر الفريق إلى مدرسة
البغدادي ومعهم ضباط الأمن والمخابرات وتحدّثنا بما يليق بمدرسة النجف العلمية.
وبعد هذا الحادث أبلغت بمنع
المكتب إياي من دخول مسجد الرأس الذي قضيت فيه عشر سنوات تقريباً، وكان مصدر إشعاع
في حياة السيد الشهيد (قدس سره) وبعده))...
((واحتفلت السلطة وفرحت كما
فرح الحسّاد لظنهم أنهم قد قضوا على هذه الشعلة الوهّاجة المليئة بالحيوية، وأن
الشيخ اليعقوبي سوف لا يكون أكثر من مدرّس في الحوزة يلقي دروسه في أي مكان ويعود
إلى داره وأن قيادته وتوجيهه للحوزة العلمية سيضمحل.
لكن ظنهم خاب سريعاً فقد
انتقلت إلى مسجد كاشف الغطاء – بعد أن استأذنت الأسرة – لإلقاء دروسي واستقبال
المراجعين، وازدهر المسجد بالحلقات العلمية وانتقل معي طلابي كما تحوّل الصدريون
الواعون والمثقفون وأصحاب الدين إلى هذا المسجد لمراجعتي والاستفادة من توجيهاتي،
لكنني أوقفت بعض النشاطات التي أخشى من ممارستها إلحاق الأذى بالمتولين على المسجد
إلى أن يستقر وجودي في المسجد، فلم نأذن بتوزيع المنشورات إلا بشكل خاص جداً،
وتوقّفت عن إلقاء المحاضرات الفكرية العامة؛ حرصاً على سلامة المشرفين على المسجد
ولئلا أحملهم ما لا يطيقون))...
((ونقلت محاضراتي إلى جامعة
الصدر، حيث تحدثت في الأول من ذي الحجة ذكرى زواج أمير المؤمنين (عليه السلام) من
الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عن (الزواج والمشكلة الجنسية)
وحلّلت أسباب ومعوقات هذه السنة الإلهية المباركة وكيفية معالجتها وأطلقت مشروعاً
لتشجيع الزواج.
وفوجئ أزلام النظام مرة أخرى
بهذه الحركة الفاعلة، فأخذوا يضغطون على أسرة آل كاشف الغطاء التي تتولى أمور
المسجد وخدّامه، لتحصيل المعلومات التفصيلية عن نشاطاتي، مضافاً إلى تواجدهم غير
المعلن داخل وخارج المسجد، واستدعيت مرة أخرى للاستجواب من قبل مدير أمن النجف في
المديرية، هذا كله مع أنني لم أمكث أكثر من شهر في هذا المسجد، إذ جرت العادة على
تعطيل الدروس في الحوزة في نهاية شهر ذي الحجة استعداداً للتبليغ في شهر محرم، ولم
نعد للدراسة؛ إذ بدأ الغزو الأمريكي في محرم فاستمر التعطيل.
(1) راجع الفصل الرابع من
المذكرات
(2) كانت المحاضرة الأطول حيث استمرت ساعة و
(26) دقيقة والجميع منصتون كأن على رؤوسهم الطير.
(3) راجع قسم الوثائق والصور.
الحلقة السابقة : الحقيقة الغائبة الأستاذ والطالب أو الولي والوريث لكشف 6/6
0 تعليقات