آخر الأخبار

الحقيقة الغائبة الأستاذ والطالب أو الولي والوريث لكشف 7/7


الحقيقة الغائبة الأستاذ والطالب أو الولي والوريث لكشف 7/7








الزركاني البدري

وعلى صعيد آخر فقد كانت إرهاصات هجوم الأمريكان وحلفائهم على العراق تتكثف في الأشهر التي سبقت الهجوم، وكنت أتابع أخبار تحركات الحلفاء الغربيين والمعارضة العراقية والمؤتمرات المشتركة التي عقدوها في لندن وصلاح الدين وغيرها من الإذاعات العالمية، وتعليقات المحللين السياسيين وآراءهم، وأراقب تداعيات ذلك على الشارع العراقي الذي انتابه الخوف والقلق من المستقبل المجهول، ولا زلنا نتذكر مرارة هجوم الحلفاء السابق عام 1991م وما تلاه من أحداث مريعة، فأصدرت بياناً قبل الغزو بشهرين أو أكثر بعنوان (الاستماع إلى نشرات الأخبار أوقات الأزمة) لضبط إيقاع الشارع وتوجيهه في ظل الإشاعات والمخاوف.
وطلب النظام من المراجع والحوزة العلمية إصدار بيان لإعلان الجهاد ضد الغزو الأجنبي، وعقدوا مؤتمراً لعلماء الدين في إحدى القاعات الملحقة بالصحن الشريف، وألقى ممثلو مراجع الدين بيانات المرجعية بالمضمون الذي أرادته السلطة ونشر بشكل واسع بهذا المضمون، وحضرت أنا متأخراً إلى الاجتماع، وجلست في مكان متواضع بعيداً عن صدر المجلس! ولم أشارك بشيء.
وفيما عدا هذه البيانات –التي صدّق بها البعض واعتقد بوجوب مقاتلة الغزاة – فلم يترشح من المرجعية – كما هي عادتها في إهمال أمر الأمة - أي موقف إزاء هذه القضية الخطيرة المحدقة بالأمة، ليبين حقيقة ما يجب على الأمة فعله مع التناقض الحاصل في المواقف بين المعارضة الإسلامية الشيعية التي تواطأت مع المحتل وجلست معه تتقاسم الكعكة، وبين ما نسب إلى بعض المرجعيات في الخارج (الجمهورية الإسلامية) التي تدعو إلى الجهاد والمقاومة، أما أنا فكان موقفي الذي بينته للناس من دون أن أخشى الظالمين هو الوقوف على الحياد في هذه المواجهة، وعدم صحة الوقوف في وجه المحتلين بعنوان مقاومة الاحتلال؛ لأن في ذلك نصرة للظالم صدام وإدامة لبطشه، ولا الوقوف مع المحتلين بعنوان جواز دفع الأفسد بالفاسد –كما كانت تروّج المعارضة - لأن في ذلك تسليطاً للكفار على المسلمين وإدخال البلد في دوامة لا يمكن التكهن بنهاياتها، ومادامت الحرب بين طرفين ظالمين فلا يجوز للمؤمنين الدخول فيها، وأن يكونوا وقوداً لنارها.
وانتشر هذا الموقف في أوساط الجماهير المؤمنة؛ لأنهم كانوا - بغض النظر عن المرجعية التي يقلدونها - يأخذون مواقفهم إزاء القضايا الاجتماعية مني بفضل الله تبارك وتعالى، وتعمقت ثقتهم بحركتنا ومواقفنا الجريئة والصريحة خلال السنوات الماضية، وبذلك أنقذ الله تبارك وتعالى الشعب من محرقة، وعجّل بسقوط الصنم، فلله الحمد أولاً وآخراً.
ونقل بعض الأخوة الذين مكثوا في جامعة الصدر طيلة أيام الغزو الأمريكي لحراستها من العابثين(1) أنهم حينما دخلوا مدينة النجف ووصلوا إلى المدرسة، سألوا الطلبة فيها عمّن يقف وراء هذا الموقف الموحد للشعب العراقي الذي اختلف تماماً عن الموقف أيام الغزو عام 1991 بعد حرب الخليج.
وكنت دقيقاً في تصرفاتي إزاء النظام خلال هذه الفترة؛ لأنني أعلم أنه يصاب بهستيريا عندما يشعر بخطر يهدد وجوده ويخشى من تجربة مماثلة كادت تنهيه عندما اندلعت الانتفاضة الشعبانية بعد غزو الحلفاء عام 1991م، فمن المؤكّد أنه سيقوم باعتقال كل الرموز التي يتوقع منها التأثير على الجماهير.
فمثلاً جاءني أحد الإخوة الفضلاء في إحدى ليالي الشتاء الذي سبق الغزو ونقل تحيات المعارضة الإسلامية في الخارج –وكنت أعرف أسماءهم من خلال نشرات الأخبار- وأخرج جهاز هاتف محمول زودوه به وعرض رغبتهم في التحدث معي عن الوضع الراهن في العراق فرفضت بشدة وعنفته على القيام بمثل هذه الأعمال وعيون النظام تترصدنا بشدة، وعجبت لعقلية المعارضة الأنانية التي لا يهمّها ما يحصل لنا ما دامت هي آمنة مطمئنة في الخارج، ويأتيها رزقها من كل (مكان).
وفي نفس الأيام جاءني أحد طلبة العلم المعروفين بالعمل الحركي وعلاقاته بالمعارضة المسلحة في أهوار الجنوب، وأحد الأخوة المحامين من العمارة، وقدّموا عرضاً من الجنرال قائد القوات الأمريكية في المنطقة الوسطى (ولم أكن أعرف معنى هذه العناوين في حينها) بواسطة أحد زعماء المعارضة الذي أصبح بعد الاحتلال عضواً في مجلس الحكم، ورغبته في التعاون لتحرير العراق !! وتخليصه من صدام وجلاوزته، فرفضت أيضاً لأنني لا أرى أن الحل يكون بالغزو الأمريكي، مع خطورة مثل هذه الاتصالات تحت أنظار النظام الصدامي الذي يعتبر مجرد التداول في هذا الكلام خيانة عظمى توجب الإعدام؛ لأن (الواجب الوطني)!! من وجهة نظره –أي النظام – يحتم على من يسمع مثل هذه الأحاديث أن يبلغ عنها السلطات الأمنية، أما التستر عليها وعدم الإخبار فهو اشتراك في (الجريمة) بحسب قوانينه الجائرة .
ولكن هذا الحذر لا يعني النكوص عن أداء وظائفي وتحمل مسؤولياتي، فقد قمت خلال السنتين الأخيرتين من عمر النظام بحركة جريئة فيها الكثير من المجازفة وذلك حينما شعرت بالحاجة إلى تشكيل حزب سياسي، لأنني توقعت أحد أمرين في ظل التصعيد بين صدام والحلفاء الغربيين:
(أحدهما) تنفيذ الحلفاء لتهديداتهم وبدء عمليات عسكرية تنتهي بسقوط صدام ونظامه وإقامة عملية سياسية تعددية كما كانوا يعدون.
(ثانيهما) سعي صدام لفك عزلته الخارجية بالانفتاح على الشعب وكسبه إلى جانبه، فيسمح بتعددية سياسية ويعطي فرصة بدرجة من المقبولية للشعب ليعبر عن إرادته، ويحقق شراكة في إدارة البلاد لكل القوميات والطوائف.
وعلى كلا التقديرين فإن من الضروري وجود كيان سياسي يمثل الشريحة الواسعة التي تنتمي إلى الخط الرسالي.
وكان مجرد التفكير بمثل هذا المشروع فضلاً عن البوح به والسعي لتنفيذه يعتبر جريمة كبرى من وجهة نظر النظام، ولا بد من الانتقاء الدقيق لمن نكلفهم بالأمر، وقررت أن يكونوا من التكنوقراط وأساتذة الجامعات والذين أعرف جملة منهم.
واخترت ليكون على رأس هذا التشكيل أستاذاً جامعياً من بغداد متخصصاً في العلوم السياسية، وكان ممن والى السيد الشهيد (قدس سره) في حياته وانخرط في حركته، وألّف –في ذروة حركة السيد الشهيد (قدس سره) في شباط 1998 – كراساً عن أبعاد ولاية الفقيه وقيادة الأمر عند السيد الصدر (قدس سره) وعرضه بواسطة أحد الفضلاء على السيد (قدس سره) الذي اعترض أول ما اعترض على عنوان الإمام لأنه يراه مختصاً بالأئمة المعصومين (عليهم السلام).
وبعد استشهاد السيد الصدر (قدس سره) عرّفه لي بعض الفضلاء من طلبة جامعة الصدر، والتقينا به عدة مرات وتبادلنا أحاديث متنوعة لاختبار شخصيته، وكنت ألامس الموضوع من بعيد لأكتشف استعداده وقناعته بالأمر والظروف المناسبة، حتى فاتحته بالمشروع واقتنع به، ولم نتحرك أبعد من ذلك (الأستاذ المذكور ومعرفيه من الفضلاء) ثم بدأت عمليات المحتلين يوم الخميس 16/محرم/1424هـ (20/3/2003م) وانتهت بسقوط صنم صدام يوم الأربعاء 6/صفر/1424هـ المصادف 9/4/2003م، وسقط النظام، فسافرت إلى بغداد لمتابعة ما بدأنا به)).

(1) اتخذت مجاميع من أزلام النظام وقوات الجيش مبنى الجامعة –أي مدرسة البغدادي- مقراً لهم عند اندلاع العمليات الحربية لموقعها الاستراتيجي المطل على المدينة، وقلعوا شبابيكها ووضعوا متاريسهم عندها حتى أخزاهم الله تبارك وتعالى فقتل من قتل وهرب من هرب، ولحماية المدرسة من العبث والسرقة فقد مكث عددٌ قليل من الطلبة فيها رغم التعطيل ووجود هؤلاء الأشرار، ونسجل هذا الموقف الشجاع النبيل للتأريخ.




إرسال تعليق

0 تعليقات