معيار التقدم
د. محمد ابراهيم بسيوني
"وجود مظاهر الحداثة أو غيابها ليس مقياسا للتقدم أو التخلف، لكن نوعية الأفكار التي تحكم المجتمعات هي المعيار الذي لا يخطي أبدا".
أنا لا أتحدث عن النظام عندنا
فالقضية أكبر بكثير جدا من نظام حكم في اي عصر من العصور.
فمهما ابتعت من مظاهر الحداثة
ومُنتجاتها، فلن تستطيع ابتياع الفكر الذي أفرزها، الجاهل قد يرتدي مظهرَ العلماء والمُفكرين،
لكنه لن يبلغ عقولهم بذلك الفعل.
"الحفل الموسيقي"
هو أحد التعابير الإنسانية الطبيعية فقط إن كانت الموسيقى فعليًا جزء من الثقافة
والتعليم والشوارع. لذلك تجد مُبالغة في أسعار الحفلات الموسيقية والغنائية، لأنها
شيء طارئ، شيء مُستنكر في الأصل، وليس احتفاء. هناك فرق بين مجتمع يتعلم الموسيقى
في المدارس كثقافة فنية، يرى العازفين على الأرصفة، ومجتمع في أحسن حالاته يراها
إثمًا. الاحتفاء بثقافة معدومة التواجد وغائبة المنشأ هو ليس احتفاء حقيقي، تصوّر
مجتمعًا بلا رياضة ويستضيف بطولة، أو يمنع الرسم ويُقيم معرضًا. الاحتكار
"مونوبولي"؛ فكرة تقوم على استحواذ جهة محددة تقديم خدمة أو سلعة معينة
ليس لها بديل. المُحتكر يحدد السعر وليس له منافسين. التعابير الإنسانية، الفنون
والموسيقى والحفلات والمعارض نتيجة لثقافة المجتمع وفكره. وجودها كتوجيه رأسي
يُفقدها معناها الحقيقي.
تغير المظاهر إن لم يكن نتيجة
لتغيير في التعليم والقانون والفكر فهو مجرد تغيير شكلي بلا معنى ولا قيمة. شتان
بين إقامة حفل موسيقي كنوع من الاحتفاء الحقيقي بالموسيقى واحتفاء صوري وشكلي،
مجرد تجارة. فهنالك فارقٌ هائلٌ جدًا بين صناعة البهجة عبر الفنون والترفيه كنتيجة
معرفية وثقافية ومُمارسة حياتية حقيقية، أو حقنها عمدًا كسلعة مستوردة.
عميد طب المنيا سابقا
0 تعليقات