قيمة الطائرة... وقيمة الموقف
عز الدين البغدادي
آثار سقوط الطائرة الأمريكية
الموجهة من طراز “MQ-4C ” من قبل
الدفاع الجوي للحرس الثوري في ايران جدلا واسعا، وقد أكدت التقارير كثيرا على
تكلفة الطائرة التي قيل بأنها تبلغ 200 مليون دولار، وهناك من زاد الرقم إلى 240
وأكثر، وهناك من قلله إلى 130. إلا أنّه قيمة الحدث كانت أكبر بكثير من قيمة
الطائرة، لقد مثّلت صدمة كبيرة فعلا، وهنا أقف عند نقاط هامة، وهي:
أولا:
منذ سنوات كان هناك طرح ورؤية يتم تسويقها في العراق خصوصا والبلاد العربية عموما
تحاول تثقيف الشباب على أنّ مفهوم العزة والكرامة مفاهيم سخيفة لم تجلب إلا
الدمار، وقد صاحب ذلك سخرية من الهوية الإسلامية والعربية للأمة. وهذا ما سهّل
تمرير مشاريع الخضوع وانتشار الجواسيس في كل مفاصل الدولة، واستسهال الخيانة وتقبل
الفساد كثقافة وليس كسلوك فقط، وحصول تقبل عام لحالة الهوان التي نعيشها.
ثانيا:
إن الهزيمة النفسية التي الحقت بالأمريكان كانت اكبر بكثير من قيمة طائرة، واجزم
ان إسرائيل شعرت بالرعب، بينما شعر حكام الخليج بالرعب مع الخزي. لقد بين لهم
الحدث فعلا أن كلفة المقاومة والعزة أقل من كلفة التبعية بكثير.
ثالثا:
إن أمريكا الدولة العظمى ليست عظمى بالدرجة تقدر فيها أن تقهر الشعوب الحرة التي
تؤمن بحريتها وكرامتها، لقد أثبتت ايران فشل مقولة "دي أمريكا يا عم"
التي تنسب الى دكتاتور مصر السابق حسني مبارك، وخزي موقف دول الخليج التي تتبارى
في الانحناء أمام أمريكا ودفعت لها مئات المليارات وتحملت ولا زالت كما هائلا من
الاهانات المستمرة من ترامب.
رابعا:
إن الهزيمة هي داخلية قبل أن تكون خارجية، ولهذا كان احتلال العراق سهلا بالنسبة
لقوات الغزو لأن المقبور حطم كل مقومات الدولة، وحطم نفسية الشعب وأذاقه من صنوف
العذاب والقهر، وهذا ما جعل البلد ضعيفا مكشوفا مستعدا للهزيمة.
خامسا:
إن ما نحتاج أن نقف عنده ونؤكد عليه هو أن أمريكا بل حتى الصهاينة ينظرون إلى
عدوهم الايراني باحترام وإعجاب، بينما ينظرون الى حلفاءهم العرب الذين أغدقوا
عليهم مئات المليارات نظرة احتقار. انهم يعرفون العقلية الايرانية، ويفهمومنها
ويرونها عميقة، وجديرة بالاحترام.. بينما يرون حكام العرب كأشخاص ساذجين بلهاء، لا
يعرفون شيئا، وليس لهم وعي ولا إرادة ولا كرامة طبعا.
سادسا:
وهو الأهم، بالنسبة للعراق، أو بالنسبة للمعجبين بالنموذج الايراني، ويعتبرون
انفسهم ممثلين له أقول لهم: تعلموا من الايرانيين حبهم لوطنهم قبل كل شيء، وحرصهم
على وحدة الدولة وقوتها، والمحافظة على ثرواتها بدل سرقتها، وبدل تفكيك المصافي أو
تدمير الأراضي الزراعية بحجة كونها تمثل مناطق ساخنة، النموذج الايراني الذي يستحق
الاحترام هو نموذج الاكتفاء الذاتي واعتبار الكرامة فوق كل اعتبار، وعدم الخضوع
لأي جهة أجنبية مهما كانت ولو تحت عنوان ديني، وعدم تفتيت سلطة الدولة بين فرس وأتراك
وعرب وأكراد او بين سنة وشيعة.
أخيرا:
نحن لا نعرف كيف ستنتهي
الأمور، هل ستبلع أمريكا الاهانة وتسكت أم ستقوم بعمل عسكري؟ لا شك أن أمريكا
قادرة على إلحاق ضرر كبير بايران، إلا أنها تعلم جيدا أن ايران قادرة أيضا على
ايقاع خسائر كبيرة بها. وبأي حال، فان التجربة الايرانية تستحق الدراسة ممن يحبون أوطانهم
ويحترمون شعوبهم.
0 تعليقات