الصراع
الأمريكي الصيني
د. محمد ابراهيم بسيوني
تُعد Huawei شركة
رائدة في مجال توفير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)
والأجهزة الذكية. باستخدام حلول متكاملة عبر أربعة مجالات رئيسية - شبكات
الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والأجهزة الذكية والخدمات السحابية. يُتوقع أن
يتأثر مئات الملايين من مستخدمي الهواتف الذكية بقرار شركة "جوجل" بقطع
علاقة نظامها التشغيلي "أندرويد" بمجموعة "هواوي" الصينية
العملاقة للاتصالات.
ويعني القرار الذي يأتي على
وقع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أنه لن يعود بمقدور مستخدمي هواوي
الوصول إلى خدمات تملكها جوجل على غرار البريد الإلكتروني "جي ميل"
وخرائط "جوجل مابس" بينما سيحرمون من تحميل أي تحديثات مقبلة لنظام
أندرويد على هواتفهم.
ويأتي تحرّك مجموعة الإنترنت
العملاقة التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا على جبهة البرمجيات بعد توقّف الشركات
الأمريكية المصنّعة للشرائح الإلكترونية عن تزويد هواوي بالقطع، وهو ما يؤثر على
هواتفها.
تأثر أعداد هائلة من
المستخدمين لهذه الأجهزة التي باعت هواوي نحو 203 ملايين هاتف العام الماضي،
مقارنة بـ150 مليونا في 2017، بحسب شركة "غارتنر" لمتابعة البيانات،
متجاوزة بذلك "آبل" لتهدد "سامسونج" التي تتصدر القائمة.
ووفق حسابات "شركة
البيانات الدولية" لمتابعة الأسواق، باعت هواوي 59 مليون جهاز محمول في الربع
الأول من 2019 قبل نزاعها الأخير مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويواجه هؤلاء المستخدمون الآن
خطر خسارة القدرة على الوصول إلى تحديثات مهمة لنظام أندرويد تصدرها جوجل مستقبلا،
رغم أن هواوي ذكرت حتى الآن أنها ستواصل تقديم تحديثات أمنية.
ولن يكون بإمكان الشركة
الصينية إلا الوصول إلى مقتطفات برمجية وتوزيعها من المشروع مفتوح المصدر التابع
لأندرويد، إلا معلومات تملكها جوجل وتحتفظ بها، وهو ما يعني أن تطبيقات هواوي قد
تصبح غير قابلة للاستخدام. وسيكون على هواوي في نهاية المطاف أن تؤسس نظامها
التشغيلي الخاص بها على غرار ما قامت به آبل لهواتفها من طراز "آيفون"
لتجاوز حظر جوجل، لكنه أمر يتطلب بعض الوقت. وتوفّر شركة "مايكروسوفت" مثالا
يمكن الاحتذاء به، فبين عامي 2010 و2017، حاولت الشركة الأمريكية إقناع المستخدمين
بشراء هواتف ذكية قائمة على منظومتها التشغيلية "ويندوز"، لكن الهواتف
فشلت وأوقفت الشركة نظام التشغيل "أو إس".
ولدى هواوي ميّزة مهمة على
مايكروسوفت نظرا لنطاق تغلغلها الأكبر في سوق الهواتف الذكية.
وقد يشعر مطورو البرامج بأنهم
مجبرون على تقديم نسخ من تطبيقاتهم لتناسب هواوي بشكل محدد. أو قد تبدأ المجموعة
الصينية فرعا جديدا لنظام أندرويد بناء على النسخة مفتوحة المصدر المتاحة حاليا،
لكن ذلك كله سيحتاج إلى الوقت.
ساعد الاستخدام واسع النطاق
لخدمات جوجل من "مابس" و"جي ميل" وغيرهما الشركة الأمريكية
على احتلال موقع ريادي في السوق من خلال نظام أندرويد إلى جانب هيمنتها في مجال
تصفّح الإنترنت على الكمبيوتر.
لكن عبر حظرها لهواوي، باتت
جوجل مهددة بحرمانها من البيانات التي تدر عائدات من جميع أصحاب هذه الهواتف حول
العالم.
الحرب الأمريكية الضارية علي
هواوي ليست مجرد حرب ضد شركة صينية استطاعت أن تنافس الشركات الأمريكية في مضمار
تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وانما هي حرب تستميت فيها المراكز العميقة في
المؤسسات الأمريكية من أجل إنقاذ احتكار الولايات المتحدة للتفوق التكنولوجي كعنصر
أساسي من عناصر الهيمنة الأمريكية علي النظام العالمي.
ربما كانت الولايات المتحدة
الأمريكية تغامر بمخاطرة كبري في المعركة مع هواوي، إذ أن إفلات هواوي من الضربات
الأمريكية المتلاحقة ونجاحها في تقديم بدائل فعالة لأنظمة اندرويد، وتطبيقات جوجل
ربما سيجعل من نيران هذه الضربات نيران طائشة تلحق أفدح الأضرار بالاحتكارات
الأمريكية في هذا المضمار.
أمريكا تخوض معارك القرن
الشديدة الضراوة والشراسة من أجل إنقاذ هيمنتها علي العالم والابتزاز التجاري
لأوربا، وحروب الحمائية الأمريكية، وتحميل مبيعات السلاح الراكدة علي دول الخليج،
والحصار الاقتصادي علي إيران وشن الحرب عليها تزامناً مع محاولة إنفاذ صفقة القرن.
في نفس الوقت مع التحرشات والمماحكات الحمائية التجارية مع الصين، ثم إعلان الحرب
علي شركة هواوي لاختراقها نقطة اللاعودة في كسر احتكار الولايات المتحدة الأمريكية
للتفوق التكنولوجي.
المقصود هو ضرب مشروع الطريق
والحزام الصيني الذي بدأ يخطو نحو التحقق الفعلي كنظام عالمي بديل للتجارة
والعلاقات الاقتصادية والتمويلية بين الدول يحل محل عالم بريتون وودز، الذي ضمن
الهيمنة الأمريكية علي العالم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولذلك كانت
إيران والشرق الأوسط مجالاً حيوياً لمعارك هذا القرن التي تخوضها الولايات المتحدة
الأمريكية كمعارك أخيرة تواجه فيها تحدي فقدان هيمنتها علي العالم.
المعركة هي التي بدأت الولايات
المتحدة الأمريكية تخوضها بشراسة واستماتة للدفاع عن الهيمنة. هي معركة الدفاع عن
الحلم الإمبراطوري الذي أطلقه توماس جيفرسون (1743 – 1826) والذي اقتربت منه
كثيراً بعد الحرب العالمية الثانية عندما قامت بإزاحة الإمبراطوريات الاستعمارية
التقليدية عن صدارة المركز الاستعماري لترث هي تلك الصدارة وتسيطر علي مقاليد الاقتصاد
العالمي وعلي مراكز الطاقة في العالم وعلي أعصابه الجيوسياسية وشرايينه الناقلة
للتجارة.
المعركة ليست معركة دونالد
ترامب كما يظن البعض، بل المعركة هي معركة المراكز العميقة للولايات المتحدة
الأمريكية، وما ترامب إلا رجلاً قد اختارته طبيعة المرحلة التي تعيشها الولايات
المتحدة الأمريكية، معركة قوة عظمي وجدت نفسها بعد سلسلة من حروب الهيمنة تواجه
لأول مرة حقيقية احتمال أفول تلك الهيمنة قبل اكتمال هذا القرن.
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات