آخر الأخبار

(الجزء التاسع) تناهيد دار أبي الأرقم أوراق يعقوبية






(الجزء التاسع)



تناهيد دار أبي الأرقم
أوراق يعقوبية





بقلم السيد احمد الجيزاني


 (15)




لم يكن سماحته مستغلا لعواطف الجمهور الصدري وتعلقهم الشديد بشخص السيد الصدر وهذا واضح من خلال سعي الشيخ إلى الإدلاء بالمفاهيم الدينية وخاصة الفقهية سواء كانت متطابقة مع آراء أستاذه الصدر الثاني أم متقاطعة وهذا دليل أمانته وصدقه وعدم ركوب الموجة واستغفال الناس والنزول عند رغبتهم ومماشاة أهوائهم ..

جاءني أحد طلبتي وهو الشيخ علي البغدادي وكان يمتلك وعيا ويقلد السيد فضل الله وقال إن الشيخ اليعقوبي أصدر استفتاء ينص على مفطرية التدخين خلافا للسيد الصدر الثاني ويحث على الاحتياط وضبط النفس .. ولما كانت الظروف غير مهيئة لمثل هذا الخطاب خاصة وان البعض ممن يروم ركوب الموجة يعمل جاهدا على تشكيك الناس بإخلاص الشيخ للخط الصدري !! وإقناع عامة الناس بخذلان الشيخ لمشروع السيد الصدر خاصة وان الشارع الصدري كان لا يرى الأشياء إلا بعاطفته لا بعقله .. فذهبت إلى معاون الشيخ (شيخ محمد حسين أبو علي) وقلت له : إن توقيت هذا الاستفتاء غير مناسب بالمرة ويجعلنا نقضي أيام شهر رمضان بين أخذ ورد ودفع وجذب في وسط جمهور يرى أن الاستفتاء فيه تخطئة للسيد الشهيد!


عرض معاون الشيخ وجهة نظري على سماحته فرحب الشيخ بنصيحتي كثيرا وقال فعلا لا توجد مصلحة من نشر هذا الاستفتاء خاصة وان من يدخن في نهار الصوم هو يتمتع بحجة شرعية تتمثل بقول المرجع الذي يقلده فلا حراجة عليه ..


ومن مواقفه العلمية التي تثبت صدقه وإخلاصه في رسالته وعدم اكتراثه لانزواء الناس عنه هو تحقيقه في مسألة السمك الصبور والطرشي المدبس وخروجه بنتائج فقهية تخالف آراء أستاذه السيد الصدر قدس سره الشريف .. ومن مواقفه معالجة قضية الغش في الامتحانات والتي أطلق تجويزها السيد الصدر الثاني مسببا إرباكا يومئذ بين مدافع وناقد لاذع فكان للشيخ رأي يمنع منه معللا منعه بان الغش حتى إذا قلنا بجوازه على مستوى التكليف الفردي ولكنه يسبب خللا في الحياة الاجتماعية العامة حينما يتصدى غير الكفوء في إدارة شؤون الحياة فأصدر سماحته كتابا يناقش تلك القضايا وطلب مني أن أكتب له مقدمة فكتبت وكان اسمه (الفقه الاجتماعي) ..


لم يشذ الشيخ عن علماء الحوزة في مناقشة الآراء العلمية لأساتذتهم وتبني ما هو صحيح منها وتفنيد ما ليس قويما في نظره وبسبب ذلك جاءني أحد المشايخ يوما (وكنا في المرحلة الأولى) وكأنه اكتشف كارثة إنسانية أو جاء من سبأ بنبأ يقين !! وقال انظر ماذا يقول الشيخ اليعقوبي عن السيد الصدر في كتاب (الرياضيات للفقيه) وكانت العبارة (الكفرية!!) : تهافت من قلمه الشريف ... فقلت له إن هذه العبارة طبيعية وليس فيها جرحا أو قدحا بالشخص ذاته بل هي متداولة في الأروقة العلمية ..


ومن المضحك المبكي أن سماحته حينما أصدر كتاب (القول الفصل في أحكام الخل) ألفينا بعض الطلبة في دار أبي الأرقم (الجامعة) حزينا كئيبا ممتعضا بل معترضا على الطلبة الذين يحملون الكتاب إلى المجتمع ويرى أن فيه خيانة للصدر الراحل إذ كيف يفند الشيخ رأي أستاذه !! وقد بذل الشيخ جهدا جهيدا حتى استطاع أن يزيل صنميتهم للسيد الصدر الذي ما فتئ يكرر : (ما قيمتي أنا العمدة نفع التشيع) ..


ومن أمثلة الصنمية التي عانى منها الشيخ وقتذاك : حينما أراد سماحته أن يعطي درسه في مسجد الرأس ويجلس على الكرسي الذي كان يجلس عليه المرجع الراحل ولكن فوجئ الشيخ باعتراض من بعض الطلبة الصدريين واعتبروا أن هذا تجاوز على مقام السيد الشهيد الصدر الثاني وكأن السيد هو تلك الأعواد التي كان يجلس عليها تماما كتقديس أبي حنيفة لعصا كتب عليها محمد رسول الله فقال له الإمام الصادق قبل يدي فإنها لحم ودم رسول الله وهكذا كان ينبغي أن يدرك الطلبة أن السيد يحفظ في علمه وفكره ونهجه الذي أودعه في تلميذه سماحة الشيخ.








إرسال تعليق

0 تعليقات