آخر الأخبار

(الجزء الثامن) تناهيد دار أبي الأرقم أوراق يعقوبية





(الجزء الثامن)

تناهيد دار أبي الأرقم

أوراق يعقوبية







بقلم السيد احمد الجيزاني


(14)


لم تكن شجاعة الشيخ اليعقوبي في إطار معارضة فكر ومنهج السلطة البعثية فقط بل كانت قد تجلت في ميدان آخر لا يقل خطورة وصعوبة بل إن علماء الشيعة اجمالا يتقوه ويحذروه أكثر من خطر مقارعة النظام والسلطان وهذا هو (الميدان الاجتماعي) إن حركة المرجع بعيدا عن ذوق الناس ورغباتهم وما ألفوه في حياتهم أمر في غاية الصعوبة ويولد ردة فعل تجاهه بل احيانا قطيعة ومشاكل وذهاب الناس من حوله أيدي سبأ ..

لقد كان الشارع الصدري وأكثر طلبة جامعة الصدر ممتعض جدا من الحوزة الأخرى خاصة بعد فقد السيد الصدر الثاني بل الكثير منهم يكن العداء والبغضاء لها بل لا يتوانى عن رشقها بوابل من السباب وهي سابقة خطيرة في الشارع العراقي الشيعي فكان توجه الشيخ اليعقوبي يتقاطع تماما مع هذا المهج والأسلوب ويرفضه جملة وتفصيلا ..

أتذكر في عام 1999 (وكنت طالبا في المرحلة الأولى) أن الشيخ اليعقوبي كان قد دعى إلى رأب الصدع الذي نجم من تفرق التشيع صدريين وسيستانيين ولملمة أطراف الحوزة وأبناء المذهب وترك المهاترات والتقاذف والسباب بين مؤيدي ما عرف آنذاك بالساكتة والناطقة وقال أن هذا الموضوع أخذ منحى غير صحيح وعندما ألقيت محاضرة كان سماحته والشيخ قاسم الطائي والشيخ قيس الخزعلي والشيخ حيدر اليعقوبي والسيد مصطفى الصدر والسيد محمد حسين الطباطبائي وطلبة المرحلة الأولى حاضرين فيها فلما أعجب بها سماحة الشيخ طلب مني أن أكتب كتيبا حول مضمون المحاضرة فكان كتيب : (اتقوا فتنة) الذي أحدث ضجة بعد طبعه وتوزيعه على طلبة الجامعة بسبب انتقادي للصدريين فقرر الشيخ سحبه وإتلافه !!

وكان سماحته يقول إننا في السابق ندفع ثمنا (نقد الاتجاه الآخر) فكان مقابل مثمن وهو توعية الناس ولفت انتباههم إلى القيادة الأصلح وكذلك تحريك الاتجاه الآخر وتحفيزه نحو العمل أما اليوم فالاستمرار بمنهج النقد والتقريع فهو دفع ثمن بالمجان والعقلاء لا يفعلون ذلك ..

وحينما لوح شيخ عباس الغزالي معرضا بالحوزة الساكتة وكان سؤاله حول تمييز العالم الناطق من غيره ؟ كان رد الشيخ جميلا وواعيا قال : لا نطالب العلماء أن يكونوا على شاكلة السيد الصدر الثاني بل يجب على العالم أن يتحرك وفق الحيز المتاح له فمن كان يستطيع أن يتحرك عشرين بالمائة ولم يتحرك بهذا المقدار كان مقصرا ولا نطالبه أن يتحرك أكثر من ذلك ..

وكانت المشكلة تكمن في تصور أغلب الطلبة بأن يكون الكل نسخة من السيد الصدر الثاني وهو أمر محال !!!

 وهكذا استطاع الشيخ شيئا فشيئا أن يعدل من أمزجة الطلبة ويقلل من عصبيتهم أو يلغي ـ أحيانا ـ تطرفهم واستطاع أن يكون المثل الأعلى لهم ولم يشذ عن أتباعه سوى نفر قليل في نهاية المطاف.




إرسال تعليق

0 تعليقات