فتوّة
أبناء العراق المؤمنين
هي
أسلحة الدمار الشامل التي عَبروا من أجلها البحار والمحيطات للقضاء عليها
محمد النجفي
إن الحديث عن هذه المسألة طويل كما قلت في منشوري
السابق ولأهميته سيكون هذا المنشور مكمل لسابقه ...
إن هدف قوى الاستكبار كما قلت هو سلب فتوة أبناء
العراق المؤمنين والقضاء عليهم معنويا وماديا لهذا تصدت المرجعية الدينية الرشيدة
لهذه الحرب التي استشرفتها قبل وقوعها وذلك من خلال عدة نشاطات كطبع الكراسات
والاستفتاءات وإلقاء محاضرات وكانت على شكل دفعات تطعيم للوقاية مما هو آت من
أمراض معنوية حشّاها أعداء الإسلام في أسلحتهم المعنوية الفتاكة وهذه النشاطات
المتعددة كانت في السنوات 1419هـ - 1424هـ الموافق 1999م - 2003م قبل احتلال
العراق ومن بين هذه النشاطات محاضرات بدأ سماحته بإلقائها 19/محرم /1422هـ الموافق
14/4/2001م وكانت بعنوان (شكوى القرآن) وطبعت فيما بعد بكتاب بهذا العنوان وأوضح
كيف ابتعاد المسلمين عن تطبيق ما جاء فيه وكيف تستشعر قوى الاستكبار أنه لابد من
فصل المسلمين وإبعادهم عن القرآن الكريم وألقى سماحته في سنة 1422هـ - 1423هـ
الموافق 2002م - 2003م مجموعة محاضرات مهمة طبعت فيما بعد في كتاب حمل عنوان (نحن
والغرب) وألقى سماحته أربع محاضرات على طلبة الحوزة الشريفة في درس الفقه بتأريخ
22-25 صفر 1423 الموافق 5-8/5/2002م وطبعت فيما بعد في كتاب حمل عنوان (الحوزة
وقضايا الشباب)[1] ومن خلال كل هذه النشاطات وخاصة المحاضرات (شكوى القرآن) و
(والحوزة وقضايا الشباب) و(نحن والغرب) ... هيأ المرجع اليعقوبي وعبأ فتيان
الإسلام لمواجهة هذه الحرب التي تريد قوى الاستكبار العالمي أن تحشد كل قوتها وما
لديها من إمكانيات للقضاء على الإسلام والمسلمين من خلال انتزاع فتوتهم وإيمانهم
... لذا قررت أن تأتي بنفسها بعد أن فشل تلميذها المتمرد بذلك .
مما جاء في محاضرة ألقاها سماحته بتاريخ 27 ذي الحجة
1422هـ الموافق 11 آذار 2002 :
قد سمعنا أن ميزانية هذا العام (2002م) تضمنت زيادة
48 مليار دولار على الشؤون العسكرية، وما كانوا يستطيعون إقناع شعبهم بهذه الزيادة
إلاّ من خلال هذه الحرب الحضارية، وتقول تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا عام 1991م :
لقد قضينا على الشيوعية وبقي علينا أن نقضي على الإسلام.
وحربهم هذه على الإسلام ليست جديدة وإن تركزت اليوم
وتوسعت، فمن قبل قال رئيس الوزراء البريطاني تشرشل بعدما رفع المصحف لجنوده :
(انزعوا هذا الكتاب من حياة المسلمين اضمن لكم السيطرة عليهم)، وقال لويس التاسع
ملك فرنسا عند هزيمته في الحملة الصليبية وإطلاق سراحه عام 1250 مخاطبا جنده :
(إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده فقد هزمتم أمامهم في
معركة السلاح، ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم) وقال المبشر وليم
جيفورد : (متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي
يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه) فهدفهم إخراج المسلمين من
قيمهم ودينهم وتفتيت الوحدة الإسلامية وتمزيقها.
وماذا يريدون من حربهم الحالية ضد الإسلام والمسلمين
يقول البروفسور ريتشارد كروسمان المسؤول السابق لقسم الحرب النفسية في بريطانيا :
(هدف هذه الحرب تحطيم أخلاق العدو و إرباك نظرته السياسية ودفن جميع معتقداته
ومثله التي يؤمن بها والبدء بإعطائه الدروس الجديدة التي نود إعطاءَها له ليصار
بالتالي إلى أن يعتقد بما نعتقد به نحن)، فانظر إلى الكلمات المرعبة التي اختارها
(حرب ـــ تحطيم ـــ عدو ـــ إرباك ـــ دفن) فهل نحن في مرحلة الحرب أم الإرباك أم
الدفن والعياذ بالله.[2]
وبيّن سماحته بعض معالم هذه الحرب وذلك في محاضرة ألقاها سماحته يوم 16 ربيع الأول 1423هـ الموافق 28 آيار 2002م :
إننا نعيش حرباً شعواء على الإسلام بأشكال مختلفة
أحدها الحرب العسكرية التي يسمونها الحرب ضد الإرهاب, وقد اتحدوا جميعاً وتناسوا
خلافاتهم وكل عداوات الأمس ليكونوا يداً واحدةً في هذه الحرب, وقد أعلنت الأخبار
اليوم (28/5/2002) ـــ وأنا أكتب هذه السطور ـــ إنهم وضعوا المسمار الأخير في نعش
الحرب الباردة بالاشتراك في اتخاذ القرار بين روسيا وحلف شمال الأطلسي, وهذا الشكل
من الحرب واضح وملتفت إليه, لكن الأخطر منه هو الحرب الخفية بتشويه صورة الإسلام
وتمييع أحكامه وإفراغه من مضامينه والاكتفاء بالشكليات, فلا مانع من أن تتحجب
المرأة ولكن على الطريقة الأمريكية أو الفرنسية, ولا بأس بأن يلتزم الشاب بالصلاة
والصوم مادام غربياً في أفكاره وولائه ومظهره, وأن يكون اهتمام الناس منصباً على
الازدياد من المظاهر الدنيوية فلا يستقر في دار حتى يطمح إلى أحسن منها, وسرعان ما
يبدل سيارته إلى أحدث موديل أو أثاثه, أو يتفاخر بكثرة أمواله, هذا غير ضياعه في
المتع المتنوعة من رياضة وفن, فلا يلبث أن يمل من متعة حتى يأتوه بغيرها ليبقى في
هذه الدوامة والدائرة المفرغة, ولا يلتفت إلى أهدافه الحقيقية رغم إن القرآن صريح
وواضح (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ
وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ
تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) ومحل الشاهد إننا لو
درسنا أسباب هذا الضياع لوجدنا أن أهمها غياب القدوة الحسنة التي تبهر العقول
وتدخل القلوب وتقنعهم بالإتباع والتأسي وتلغي كل ما سواها، وقد دأب الإنسان على
المتابعة والمشاكلة للشخصيات التي ينبهر بها حتى في الأشياء التي لا علاقة لها
بسبب انبهاره, فمثلاً هو يعجب به كبطل أفلام أو رياضي إلا انه يقلده في ملبسه
وحركاته ومظهره, بل حتى أفكاره ومعتقداته أحياناً, فإذا غابت عن حياته الأسوة والقدوة
الحسنة, فإنه سينجذب إلى الأسوة السيئة من رياضي أو فنان أو بطل فلم وهمي ونحوه.
[3]
وعلم سماحته أن أعداء الإسلام يعلمون جيدا أن من أهم
وسائل تحقيق نتائجهم التي يرجونها في حربهم على الإسلام هو دعم شخصيات ليست كفوءة
وغير مخلصة لدينها ووطنها لحكم المجتمعات المسلمة لهذا أكد سماحته في هذه المحاضرة
في كلمة صغيرة فصل فيها فيما بعد في كلمات وخطابات متعددة وعبارته كانت موجهة
لجميع المسلمين وهي (علينا أن لا نتبوأ موقعا إلا بجدارة)[4]
وفي محاضرة لسماحته ألقاها بمناسبة مولد الإمام
الحسين (عليه السلام) 3 شعبان 1422هـ الموافق تشرين الأول 2002م كانت محاور
محاضرته غنية بالتهيئة والتعبئة لهذه المواجهة التي ستقع قريبا ومما تناوله سماحته
في هذه المحاضرة معالجة لبعض الآراء التي تثبط عزيمة الرساليين وتقعدهم عن أداء
رسالتهم ومسؤولياتهم في هذه المواجهة استخلص المرجع اليعقوبي درسا مهما من قصة
أصحاب الكهف حيث قال سماحته:
وفي قصة أصحاب الكهف درس لأولئك الذين لا يقولون
بالوجوب (يقصد سماحته بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) إلاّ عند احتمال
التأثير في المقابل, فإن الفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم الله هدىً حاولوا جهدهم
أن يصلحوا قومهم فلم يفلحوا وكان تيار الشرك والإلحاد قوياً فلم يحتملوا ذلك
واعتزلوا قومهم وأوَوا إلى الكهـف فأماتهم الله (309) عاماً ثم بعثهم ليريهم
التغيير الذي حصل في قومهم نتيجة البذرة التي زرعوها هم وكيف انقلب حالهم إلى
الهداية والصلاح وأصبحوا أُمة موحِدة وليعطيهم, ولنا درساً إن عليك أن تؤدي واجبك
أما النتائج والآثار فقد لا تجنيها أنت فربما آتت أُكلها بعد هذه السنين الطويلة
أما أنت فجزاءك عند ربك.[5]
ويمكن مطالعة كتاب (نحن والغرب) التي جمعت فيها هذه
المحاضرات وسيرى القارئ ما يتمتع به المرجع اليعقوبي من استشراف للمستقبل وكيف أنه
بذل الكثير من وقته وجهده وفكره لإعداد المسلمين وتهيئتهم لهذه المواجهة التي بيّن
سماحته أهميتها في عدة كلمات وخطابات منها قوله (دام ظله):
( علينا أن نلتفت إلى أن الله تعالى خلقنا في هذا
المفصل التاريخي العظيم الذي قُدِّر له أن يرسم المستقبل ليس للعراق فقط بل
للمنطقة وللعالم، ولا تؤثر عليه المعاناة والمصائب والفجائع التي يدبرها لنا
اعداؤنا، فعلينا أن نحسن الأداء (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)
(الملك-2) وأن نؤدي وظائفنا المطلوبة على أكمل وجه في هذا اليوم الذي له ما وراءه
كما كانت تقول العرب وأن نشكر الله تعالى على هذه الفرصة الثمينة ونحسن استثمارها
)[6]
وفي كلمة لسماحته حملت عنوان (النساء والشباب حجر
الأساس في العولمة الأخلاقية والاجتماعية) ألقاها في جمع من طلبة جامعة كربلاء قال
سماحته:
(ألسنا نغبط أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الذين قاتلوا معه يوم بدر يوم الفرقان بحسب القرآن الكريم لأنهم ثبّتوا الإسلام،
ونغبط أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) ونقول (ياليتنا كنا معكم) لأنهم أقاموا
الحق في ذلك المفصل التاريخي الهام وحفظوه إلى يوم القيامة وان سرّ ثباتهم في ذلك
اليوم وهم يواجهون جيشاً متوحشاً يفوق عددهم ألف مرة لأنهم وعوا هذه وأراهم الامام
الحسين (عليه السلام) هذه النتائج المباركة إلى يوم القيامة، فكذلك نحن نعيش
مفصلاً تاريخياً في حياة الأمة وعلينا أن نسجل موقفاً محموداً ولا نفرط فيه من أجل
شهوة أو نزوة أو طمع أو تقاعس أو كسل أو الحصول على مكاسب شخصية محدودة، ولا ننخدع
بوعودهم أو تسويلاتهم والله ولي التوفيق.)[7]
وقد وقف المرجع اليعقوبي في حرب إسقاط الطاغية صدام
موقف الحياد لأن الحرب كانت بين ظالمين (بين ظالم وعبده الظالم الذي تمرد عليه)
وأراد بذلك المحافظة إلى أرواح المؤمنين على عكس كثير من القيادات الدينية
والسياسية التي كانت مواقفها تؤيد وتحث على دعم الولايات المتحدة وتحالفها بحجة
إسقاط الطاغية ودعم المعسكر المقابل الطاغية صدام بحجة أنه مسلم وأن قوى الاستكبار
تريد إسقاطه ... !
وقد نشر المؤمنون الرساليون الموقف الواعي الذي اتخذه
المرجع اليعقوبي في صفوف الناس وأوضحوا لهم أنه عليهم الوقوف على الحياد وأن لا
يكونوا وقودا لحرب بين ظالمين ... وكان هذا الموقف هو السائد بفضل الله تعالى ...
وبعد حرب إسقاط الطاغية صدام أخذ البعض جهلا يسبحون
بحمد الولايات المتحدة فبث سماحته الوعي في أذهان هؤلاء ليصحح لهم موقفهم وكان ذلك
من خلال كلمات مسجلة وخطابات مكتوبة ومن بينها خطاب المرحلة رقم (7) والذي حمل
عنوان (تكليفنا في هذه المرحلة) الذي صدر بتأريخ 16 ربيع الثاني 1424 المصادف
16/6/2003 ومما جاء فيه قول سماحته:
إن أمريكا وإن حاولت الإيحاء بأنها صاحبة فضل علينا
حين قضت على النظام البائد تريد في ذلك أن تخدعنا بأنها جاءت لتحررنا من الظلم
والبطش، وأجيبهم بمثال بسيط لو أن أحداً جاء بكلب مسعور ودربّه على أذى الجيران
وسهّل له ذلك ومكّنه حتى قتل وجرح وأتلف، والناس تستغيث وتطالب صاحبه بالتخلص منه
وهو لا يسمع، حتى استفحل أمر الكلب فصار يؤذي صاحبه فرأى هذا أن من المصلحة القضاء
عليه فتخلص منه، لكن هل يكون صاحب هذا الكلب متفضلاً على الجيران؟ على العكس بل
عليه أن يدفع كل الخسائر والأضرار التي حصلت بسببه.
هذا هو حالنا فإن أمريكا هي التي جاءت بعميلها ودربته
ومكنته وسكتت عن جرائمه ودافعت عنه، ولكنه لما فشل في القضاء على الإسلام بالوسائل
الوحشية وامتدت حركة الإسلام والعودة إلى الله تبارك وتعالى لتشمل أغلب هذه الأمة
الكريمة، رأت أمريكا أن تتدخل بنفسها وبأساليب اشد مكراً وخبثاً، فإن ظاهرها
الحرية والديمقراطية والتحضر ونحوها من العناوين البراقة، لكنها تستبطن السم
الزعاف. [8]
وتأكيدا منه على دفع توهم البعض بأن لأمريكا الفضل في
التغيير وأنها تستحق الشكر أصدر سماحته خطاب المرحلة (11) الذي حمل عنوان (هل
لأمريكا الفضل في حصول التغيير ؟)[9] بتاريخ 2 جمادي الأولى 1424 المصادف 2/7/2003
وأوضح من خلاله السبب الحقيقي للتغيير .
وفي خطاب المرحلة (7) آنف الذكر أوضح المرجع اليعقوبي
بكل صراحة ووضوح أن الولايات المتحدة جاءت من أجل تدمير أسلحة الدمار الشامل وأنها
تقصد بذلك الشباب المؤمن الرسالي حيث قال سماحته:
إنهم حينما يتحدثون عن أسلحة الدمار الشامل إنما
يقصدونكم أنتم جنود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) الذين سيفتح بكم الإمام (عجل
الله فرجه) العالم كله منطلقاً من هذه الأرض الحبيبة المعطاء، وحينما تقول أخبار
الظهور أنه في زمانه يكشف الفرات عن كنوز ما هي والله من الذهب والفضة، فالكنوز هم
انتم الذين أنجبكم الفرات والعراق كله بدجلة والفرات هو ابن الفرات لأنه الاسم
الأوضح في الأذهان يومئذٍ كما نقول الحسنين تغليباً للحسن والشمسين تغليباً للشمس
فنقول للعراق الفرات تغليباً له، فإذا أردتم الفوز والفلاح فحافظوا على دينكم
واقطعوا أسباب الفساد والانحراف عن أنفسكم أولاً وعن أسركم ثانياً وعن مجتمعكم
ثالثاً لتكونوا من تلك الكنوز.[10]
وفي بداية الخطاب قال سماحته:
يشهد بلدنا الحبيب اليوم حلقة جديدة من سلسلة هذا
الصراع الطويل فهاهي أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني جاءوا لينتزعوا منكم هذه
الجوهرة الثمينة وهو الإسلام وولاية أهل البيت (عليهم السلام) التي لا يعدلها شيء،
يأتي شخص إلى الإمام (عليه السلام) يشكوا له ضعف حاله وأنه ليس عنده شيء فقال
(عليه السلام): بل إن عندك أكثر من الدنيا وما فيها، فتعجب وقال: كيف يا ابن رسول
الله؟ قال (عليه السلام): إن عندك ولايتنا أهل البيت فهل تتخلى عنها مقابل الدنيا
كلها، قال لا، قال إذن عندك ما هو أثمن من الدنيا وما فيها في الوجود.
حتى الحياة التي هي أثمن شيء عند الإنسان لا قيمة لها
بدون الصلة بالله تعالى وولاية أهل البيت (عليهم السلام) قال تعالى (والفتنة اشد
من القتل)؛ لأن الفتنة عن الدين قتل للروح وتخريب للحياة الأبدية الخالدة، فهي
أخطر من قتل هذا الجسد المادي وإنهاء هذه الحياة القصيرة وهم جاءوا ليفتنوكم عن
دينكم وليقتلوكم معنوياً، وإن وعدوا بالرخاء المادي، لكن ما قيمته مهما عظم إذا
كان ديننا في خطر وولاية أهل البيت (عليهم السلام) في خطر، فكونوا يقظين وحذرين
ومتأهبين وواعين فإن الدين أمانة في أعناقنا جميعاً فأدّوا الأمانة إلى أهلها كما
أداها السلف الصالح وأوصلوها إلينا ناصعة نظيفة رغم مرور 1400 عام.[11]
وإن كان كلام المرجع اليعقوبي لا يحتاج إلى ذكر شواهد
خاصة وأنه سبق وأن استعد وتهيأ لهذه المواجهة وهذه الحرب قبل عدة سنوات كما بيّنا
وهيأ وعبأ الشباب المؤمن الرسالي حتى يكونوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم
في هذه المفصل التاريخي المهم إلا أنه مع ذلك ذكر شاهدا على سبب مجيء قوى
الاستكبار بعد أن فشل عميلها المتمرد في تحقيق أهدافها حيث قال سماحته:
وأنقل لكم أحد الشواهد على ذلك فقبل أيام جاءت مجموعة
من الأمريكان ومترجم معهم إلى إحدى مدارس الطالبات للنظر في احتياجات المدرسة
وسألوهن عن مطالبهن، فقالت إحداهن نريد تعلية الجدار الخارجي لحماية الطالبات من
نظر الأجانب، فقال المترجم: لا نستطيع ذلك لأنهم يريدون منكن خلع الحجاب وأنت
تريدين تعلية الجدار؟ فقالت هذه المؤمنة العفيفة المنتمية لمدرسة الزهراء (عليها
السلام) وزينب الكبرى: إذن نرميهم في (الزبالة) -أي سلّة النفايات والمهملات- رغم
أنها كانت قبل قليل تشكو للمترجم ضعف حالتها المادية.[12]
وحينما ذكر سماحته هذه الحادثة أثناء إلقائه خطابه
على جموع أهل الناصرية الذين وفدوا لمبايعته وإعلان الولاء له في خوض هذه المواجهة
الحضارية بكى وأبكى الحاضرين.[13]
مما تقدم يظهر بكل وضوح أن أسلحة دمار الشامل التي
كانت تقصدها أمريكا ليست كما تناقلتها وسائل الإعلام بدليل أنها لم تجد شيئا من
ذلك وإنما كانت تقصد فتوة فتيان الإسلام أي دينهم وإيمانهم فقد جاءت لتنتزع إيمان
وعقيدة ودين العراقيين فيكون العراق منزوع الإيمان والدين الذي تراه أمريكا وجميع
قوى الاستكبار خطرا على مصالحها وهيمنتها على العالم ...
وما يؤكد هذا كلمة للمرجع اليعقوبي قبل أكثر من خمسة
عشرة سنة حيث قال: قبل خمسة أيام كانت هناك جلسة مساءلة أمام لجنة الشؤون العسكرية
في الكونغرس الأمريكي .... المساءلين ثلاثة نائب وزير الخارجية الأمريكي ارميتاج
ونائب وزير الدفاع ولفويتز ومارينز نائب رئيس هيئة الأركان الأمريكي محل الشاهد
قول مارينز لما تكلم عن مواجهة الصعوبات في العراق إنهم يريدون أن يعيدوا حكومة القرن
السابع (القرن السابع يعني حكومة رسول الله صلى الله عليه واله وأمير المؤمنين
عليه السلام) ولا يكتفون بالعراق (شوف نظرية الشيعة الحكومة العالمية حكومة الإمام
عليه السلام) ولا يكتفون بالعراق ولكن يعتبرون العراق ساحة المعركة الأساسية ...
وأوضح المرجع اليعقوبي في الكلمة أنه طلب من بعض الأخوة البحث عن تفاصيل هذا الخبر
لأن الكلام كان مجملا وأحب أن يعرف التفاصيل إلا أن وسائل الإعلام لم تنشر تفاصيل
هذا الخبر. [14]
وهذا الكلام على إجماله يظهر أن قوى الاستكبار تستهدف
إيمان المؤمنين وتستهدف قضية الإمام المهدي (عليه السلام) وقاعدته ومركز حركته
وبداية انطلاقتها التي تكون من هذه الأرض الطيبة وقد سبق وأن أوضح السيد الشهيد
الصدر (قدس سره) من على منبر جمعة الكوفة اهتمام أمريكا بقضية الإمام المهدي (عليه
السلام) حيث قال (قدس سره): يوجد من الأخبار ما يكفي من أن أمريكا قد أسست منذ عدة
سنوات، ربما عشر سنين، ما يسمى بقوات التدخل السريع تحسبا لظهور المهدي (عليه
السلام) وليس لشيء آخر. كما أنها افتعلت حرب الخليج لأجل أن تملأ الخليج بالبوارج
الحربية، تحسبا لظهور المهدي (عليه السلام). كما انه من الأكيد أن له في البنتاغون
ملفا كاملا وضخما عن أخباره التي تستطيع أمريكا جمعها، حتى قالوا انه يفتقر فقط
إلى الصورة الشخصية له، وطبعا هي مفقودة. ولا شك أيضا أنها تأخذه بنظر الاعتبار في
كومبيوتراتها السياسية كأحد أهم المحتملات للتغير الاجتماعي الممكن حصوله في الشرق
المسلم طبعا، مع التعتيم التام على كل هذه الأمور.
وعلى أي حال فيكون من الحكمة الإلهية إخفاء موعد ظهور
المهدي، وبقاء الموعد غامضا مجهولا منوطا بأذن الله سبحانه وتعالى.[15]
ولا يخفى على الكثيرين أن امتداد يد الاستكبار
العالمي تصل إلى كل مكان وتحاول التدخل في كل مكان وتراقب كل مكان خاصة الأماكن
المهمة والحوزة العلمية من أهم الكيانات والأماكن لأنها مركز قيادة أمة حاول
الأعداء القضاء عليها على امتداد أربعة عشر قرنا ولم ينجحوا ...
ولا نستبعد أن أيادي قوى الاستكبار العالمي وصلت من
خلال عملائها إلى بعض كيانات الحوزة أو المنتسبين لها وحاولت من خلالهم تشويه صورة
واسم وعنوان الإمام المهدي (عليه السلام) من خلال نقل أعمالهم وسلوكياتهم المشينة
ومن خلال ذلك صورت أن الشيعة قتلة إرهابيون !
فعراق منزوع الإيمان والدين (عراق بلا فتوة) هدف
أمريكا لأنها تخشى من العراق وتعرف أو على أقل تقدير تظن أن العراق هو مركز
التغيير بالعالم وأنه يهدد بقاء هيمنتها خاصة وأن صوت الحق الذي انطلق من العراق
أخذ مداه بالاتساع وهذا ما كشفه المرجع اليعقوبي في حديث له مع مجموعة من علماء
وفضلاء الهند وباكستان ومع عدد من العلماء والزوار من العلويين الأتراك المقيمين
في ألمانيا وبلجيكا والنمسا يتقدمهم سماحة العلامة الشيخ عيسى الكنش من زعماء
العلويين الأتراك في ربيع الثاني 1430هـ الموافق نيسان 2009م حيث قال سماحته:
قد أذن الله تبارك وتعالى اليوم بانطلاق هذا الصوت
المبارك من العراق ليفتح العالم كله حيث تجد الإقبال على التشيع لأهل البيت (عليهم
السلام) واتباع تعاليمهم التي أخذوها من جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلّم) وقد تحدّث لي بعض العاملين في الطبع والنشر في بيروت أن نهماً شديداً لا
سابق له لاقتناء الكتب الشيعية في جميع دول العالم وعلى رأسها الدول التي أغلقت
أسماعها عن سماع صوت الحق ...
إن هذا الصوت المبارك لأهل البيت (عليهم السلام) الذي
بدأ يجلجل في أروقة العالم كله رغم مرور أربعة عشر قرناً من الخنق والكبت والقتل
وأخذت الأفئدة تهوى إليهم تصديقاً من الله تعالى لدعوة خليله إبراهيم (عليه
السلام) (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)( إبراهيم/37)
يضاعف علينا المسؤولية في أن نحسن أداءه وإيصاله وأن تتطابق أفعالنا مع أقوالنا
لنكون زيناً لهم (صلوات الله عليهم أجمعين) ومرآة عاكسة لسيرتهم العطرة ومبادئهم
السامية.[16]
وقال سماحته في كلمة ألقاها في وفود من أبناء محافظة
البصرة ومدينة الصدر ببغداد بحضور عدد من الكتاب والمثقفين وأساتذة جامعات البصرة
وبغداد والنهرين في 1432هـ الموافق 2011م:
إذا التزم المسلمون بالتوجيهات النبوية الشريفة فإنهم
سيفتحون العالم بهدوء وبحركة بيضاء –كما يُقال- وهذا يقدّم لنا فهماً لما ندعو به
دوماً لإمامنا المنتظر (أرواحنا له الفداء) (حتى تسكنه أرضك طوعاً).[17]
إن الولايات المتحدة تعلم هذه الحقيقة جيدا لهذا قامت
المراكز الفكر فيها بإعداد الدراسات والتقارير والخطط الكفيلة لتحقيق عكس النتيجة
التي اختصرها المرجع اليعقوبي في كلمته آنفة الذكر ... أي وضعت هذه المراكز
الدراسات والخطط الكفيلة لإبعاد المسلمين عن تطبيق التوجيهات النبوية الشريفة ...
وبمعنى أدق أنهم يسعون لسلب إيمان الناس برسالة الإسلام وما جاء به خاتم النبيين
أي لسلب فتوة المؤمنين الرساليين ..
روى الكليني في الكافي عن الامام الصادق (عليه
السلام) انه قال (لرجل عنده: ما الفتى عندكم؟ فقال له: الشاب، فقال: لا، الفتى
المؤمن، إن أصحاب الكهف كانوا شيوخاً فسماهم الله عز وجل فتية بإيمانهم)[18].
ورويت بطريق آخر عن سليمان بن جعفر الهمداني عنه
(عليه السلام) قال فيها (أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا كهولاً فسمّاهم الله فتية
بإيمانهم، يا سليمان من آمن بالله واتقى فهو الفتى)[19].[20]
وكما قلنا في مقالات سابقة أن الفتى وفق القرآن
الكريم وروايات المعصومين (عليهم السلام) هو المؤمن اكتسب وصف الفتوة لإيمانه ...
فهل علمنا أهمية دعوة المرجع اليعقوبي في جعل يوم 15
شوال ذكرى معركة أحد يوم نادى المنادي ( لا فتى إلا علي ) يوما للفتوة ودعوته جميع
العلماء والكتّاب والمفكرين وجميع المؤمنين الرساليين بالتعريف بتفاصيل هذه الخصلة
الكريمة ووضع البرامج لاكتساب المجتمع خصوصا الشباب هذه الخصلة المباركة ؟!
علينا أن نكون خير عون للمرجعية الرشيدة في هذه
المواجهة لنفوز في الدارين ونسجل مواقف مشرفة في هذا المفصل التاريخي المهم ...
والله ولي التوفيق
الهوامشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]
أنظر: أيضا خطاب المرحلة ج2 ص199.
[2]
نحن والغرب، ص34-35.
[3]
نحن والغرب، 63-65.
[4]
نحن والغرب، 65.
[5]
نحن والغرب، ص101.
[6]
خطاب المرحلة ج10 ص99.
[7]
نشرة الصادقين العدد (186) الصادر بتاريخ 14 ربيع الأول 1440هـ الموافق 22 تشرين
الثاني 2018.
[8]
خطاب المرحلة ج3 ص74.
[9]
خطاب المرحلة ج3 ص100.
[10]
خطاب المرحلة ج3 ص75.
[11]
خطاب المرحلة ج3 ص73.
[12]
المصدر السابق.
[13]
تسجيل فيديوي.
[14]
من كلمة لسماحته ألقاها في وفد جامعة الصدر الدينية فرع الديوانية 1 تموز 2004م.
(تسجيل فيديوي)
[15]
الجمعة التاسعة والعشرون، الخطبة الأولى. بتاريخ 9 رجب 1419هـ الموافق 30 تشرين
الأول 1998م.
[16]
خطاب المرحلة ج6 ص54-55.
[17]
خطاب المرحلة ج6 ص377.
[18]
ج8 ص395.
[19]
تفسير العياشي ج2 ص323.
[20]
الموقع الرسمي للمرجع اليعقوبي: http://yaqoobi.com/arabic/index.php/news/6911.html
0 تعليقات