آخر الأخبار

في ذكرى حادثة الفرهود

في ذكرى حادثة الفرهود
قراءة الحدث بقلم يهودي







عز الدين البغدادى

بعد فشل ثورة مايس – مارس- التي قام بها عدد من الضباط العراقيين الأحرار والتي استمرت شهرا واحدا، وبعد فرار قادتها رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة والمرحوم يونس السبعاوي والمفتي أمين الحسيني، وفي يوم احتفال اليهود بيوم نزول التوراة يوم 1 حزيران/يونيو 1941، حدثت اعمل عنف ضد اليهود العراقيين وقد استمرت ليومين، وقد كان للدعاية النازية دور مهم في حصولها. وقد نتج عنها قتل عدد من اليهود وتم الاستيلاء على بعض ممتلكاتهم، وقد عرف هذا الحدث بـ "الفرهود" أو البوغروم باللغة العبرية.
وقد حاولت الإعلام الصهيوني استغلال الحادثة لدفع يهود العراق لتأييد مشروعهم الصهيوني، حيث ضخت أكاذيب كثيرة عن الحدث، كما أن كثيرا من العراقيين لا زلوا يستذكرون الحدث بطريقة جلد الذات التي نعشقها جدا.
في كتاب "اليهود العرب" لمؤلفه يهودا شنهاف شهرباني العراقي الأصل توقفت عند أكثر من نقطة ذكرها الكاتب منها: انه ذكر بأنها كان أول حادثة عنف عامة تعرض لها اليهود في تاريخهم الطويل في العراق.
ومنها أنه قال بأن "الأسباب لم تكن واضحة" لوقوع هذا الحدث، وهذا تعبير مهم ربما يكشف عن وجود أمور غير مفهومة من قبيل دعايات مشبوهة أو أثارة مفاجئة أو دفع مقصود باتجاه الحدث.
مما يستحق التوقف عنده والتأمل فيه هو أن المؤلف ذكر بأن البريطانيين كانوا على أبواب بغداد إلا أنهم تعمدوا وأخروا دخولهم لبغداد 48 ساعة!! بل ما هو أعجب أنه قال ما نصه: "وحسب بعض الشهادات لم يبذل البريطانيون أي مسعى لتهدئة النفوس الثائرة في المدينة والحيلولة دون وقوع الصدام بين اليهود والمسلمين، فقد اعتقد البريطانيون بان الحكمة تقتضي عدم التدخل"... طبعا الحكمة هنا ليست غير المصلحة .
وبالنسبة لعدد القتلى، حسب الكتاب "فقد قتل من اليهود 160 شحصا وعدد غير معروف من المسلمين" وقد قتل بعضهم دفاعا عن مواطنيهم من أبناء الطائفة اليهودية، بينما تذكر مصادر متأثرة بالصهيونية ان عدد اليهود الذين قتلوا بلغ 800 شخصا، ومنهم من قال أنهم 3000 ومنهم من قال بأن تم الاعتداء الجنسي على آلاف اليهوديات بل زعم بعضهم أنه حتى العجائز تم الاعتداء عليهن جنسيا!
وهذا جزء من الدعاية الصهيونية المبتذلة، ولا ينسجم مع نظرة العراقيين للمرأة لاسيما في ذلك الوقت ولا مع عدد اليهود في العراق.
الحدث لم يكن اجتماعيا فقط، كما يتصوره البعض، بل كان جزء من وضع سياسي عالمي تأثر بالحرب العالمية وصعود النازية، كما كانت له نتائج أريد لها أن تتحقق من قبل مهندسي المشروع الصهيوني الذي كانوا يشكون (كما ذكر الكتاب) من عدم انسجام يهود العراق مع الدعوة الصهيونية ورغبتهم بالبقاء في بلدهم، وجاءت النتائج حيث أدت هذه الحادثة لاحقا إلى ما عرف بـ"عملية عزرا ونحميا" التي غادر فيها ما يقرب من 140 ألف يهودي عراقي كانوا يشكّلون جزء هاما من الطبقة الوسطى والعليا في وسط وجنوبي العراق، فضلا عن 20 ألفا من الفلاحين الفقراء من يهود كردستان.
وكان لحكومة توفيق السويدي المرتبط ببريطانيا في بغداد دورها بإصدارها قانون رقم (1) المتعلق بإسقاط الجنسية في شهر أيار 1950 ثم قانون رقم (5) في نفس الشهر والسنة ويتعلق تجميد أموال اليهود المسقط عنهم الجنسية. مع العلم أن اليهود كانوا يمثلون ثقلا هاما في الحركة الشيوعية في العراق وهو ما جعل السلطة منزعجة من وجودهم في العراق.
عموما ما حصل كان أمرا مؤلما فعلا، لكن الفتن الطائفية تحدث في البلدان كلها، وأسبابها سياسية غالبة وان كان ظاهرها اجتماعيا، وقد حدثت مرة في دمشق في سنة 1860 وقتل فيها آلاف المسيحيين، وكما حدث في ايرلندا الشمالية بين الكاثوليك والبروتستانت، وكما حصل في البوسنة، وكما حصل عندما شارك – للأسف- عدد من أبناء العشائر على أطراف الموصل بالاعتداء على مواطنات ايزيديات، وغير ها وغيرها.
انه أمر يؤكد خطر ثقافة التكفير والتخوين بين أبناء المجتمع، واهم من ذلك يؤكد أهمية المواطنة باعتبارها شيئا جامعا يضع جميع الناس تحت صعيد واحد دون تفريق على أساس ديني أو غيره حتى لا يشعر أبناء الأقليات بالخوف ولا يكونوا موضع استغلال أو اختراق من قوى أجنبية.
(ملاحظة: الصورة في المنشور صورة حقيقية ونادرة من الفرهود)


إرسال تعليق

0 تعليقات