آخر الأخبار

اليوجينيا والسلالة الناجية





اليوجينيا والسلالة الناجية











خالد الأسود



منذ آلاف السنين طرح أفلاطون فكرته الفلسفية عن مجتمع اليوتوبيا حيث يحكم الأقوياء ويتناسلون فيما بينهم.. ووضع الأقل ذكاء في أدنى درجات السلم الاجتماعي في جمهوريته الفاضلة.


تطورت الفكرة بين فرنسا وألمانيا ليعتنقها كبار رجال السياسة والزعماء مثل هتلر وتشرشل وروزفلت.. تتحول فكرة أن هناك سلالات أفضل أحق بتمرير جيناتها على حساب سلالات أقل صلاحية لا تستحق أن تمرر جيناتها إلى قوانين صارمة وحشية مثلت أفظع جرائم الإنسانية التي مورست باسم تحسين سلالة الإنسان لنصل إلى اليوتوبيا الفاضلة..


عقم هتلر ٤٠٠ ألف يهودي ومعوق، فعلتها أمريكا في أكثر من ٢٠ ولاية ومنعت إنجاب ضعاف العقول والزنوج والمعوقين من التناسل بالتعقيم واستئصال الأرحام وعمليات إجهاض قسري لنساء حوامل، مارسها الأتراك ضد الأرمن، فعلها الصرب ضد مسلمي البوسنة والهرسك..


آمنت بها أسماء شكلت وعي الإنسانية.. يكفي أن نعلم أن من أنصارها ه.ج.ويلز الذي فجر كل خيالاتنا و جورج برنارد شو الأديب الفيلسوف الذي سحرنا و الدوس هكسلي وبرتراند راسل ونيتشه فيلسوف السوبرمان اليوجيني، وعشرات الأسماء الأخرى..


امتطت اليوجينيا علم الوراثة والبيولوجي والجينات لتمرر فكرتها العنصرية، آمنت أوروبا أن هناك أجناسا وسلالات لا تستحق أن تمرر جيناتها للأجيال التالية..
مورس التعقيم والإجهاض القسري والإبادة الجماعية ضد أجناس بشرية بأكملها.. سقط الملايين ضحايا للفكرة العنصرية البغيضة..


ليس كما يعتقد الكثيرون أن اليوجينيا انتهت بموت هتلر.. كشفت مذكرات تشرشل سياسي إنجلترا الأبرز وصاحب التقدير في أوروبا ميوله اليوجينية وإيمانه بفكرتها، طبقت الصين مبدأ التعقيم القسري والإجهاض على ضعاف العقول المعوقين وذوي العاهات، حتى أجبرتها الضغوط الدولية ومنظمات حقوق الإنسان على إلغاء تلك القوانين اليوجينية..

مازال المعهد اليوجيني قائما في ألمانيا وإن تغير اسمه إلى معهد جالتون نسبة لمؤسس النظرية في آواخر القرن التاسع عشر سير فرانسيس جالتون..


أحيانا تتنكر اليوجينيا وترتدي أقنعة جديدة كما فعلتها منذ قريب وطلت علينا تحت عنوان صراع الحضارات.

كانت اليوجينيا هي معركة الإنسان الأوروبي الأخيرة في سلم تطوره، عندما حرمها وجرمها كجريمة ضد الإنسانية، البداية كانت الاعتراف، ثم التوقف عن الممارسة، ثم إدانتها واتخاذ المواقف المناوئة لها كما حدث مع حكومة الصين في نهاية تسعينات القرن الماضي، وكما حدث تجاه مذابح الصرب العرقية ضد شعبي البوسنة والهرسك..

ربما ظل بعض قادة العالم والمؤسسات المخابراتية على إيمانهم بالنظرية اللإنسانية، ولكنهم يعملون في الخفاء متسترين كأي مجرم، تدينهم القوانين الدولية والمواثيق الإنسانية..

تطور الإنسان انتصر رغم قناعات هؤلاء العاملين في الظلام.

اليوم وصل العلماء _ كما هو متوقع من فترة_ إلى القدرة على توليد طفلين تمت هندستهم جينيا، أصبح بمقدور الإنسان أن يختار أية صفات يريد تأكيدها أو استبعادها للجنين، التجربة الصينية لتوليد بشر معدلين جينيا رغم المعارضات الأخلاقية والتحفظات البيوتيقية تعني أن الباب صار مفتوحا أمام الإنسان، والتاريخ يقول: لا يمكن إغلاق الأبواب بعد فتحها.
الآتي مرعب، قد يكون طبقية جينية من نوع جديد لم تعرفه البشرية من قبل، سيكون الفصل الجيني بين الطبقات هو الأكثر توحشا..


ويتبادر للذهن سؤال:
هل نجونا في عالمنا الشرقي من تلك الفكرة..؟؟؟

هل لدينا يوجينيا نابعة من ثقافتنا؟؟ ربما لا ترتكز لعلوم الوراثة والبيولوجي والجينات..
ربما تكون آتية من إيمان بفرقة ناجية تمتلك وحدها الحقيقة وكل الحقوق، يوجينيا لم تمزج الفلسفة العنصرية بالسياسة الاستعمارية، ولكنها مزجتها في لحظة تاريخية بالدين والعقيدة فأصبحت أكثر التصاقا بكينونتنا..


السؤال الآخر:
أين سنكون من القادم المرعب، هل سنكون في نفس الدوائر المغلقة، تستهلكنا نفس الصراعات البلهاء حول النقاب والحجاب والختان والطلاق والنكاح، هل أمة مشغولة بالأعضاء الجنسية في الجنة والمساحات المكشوفة في فساتين الفنانين هي أمة مكتوب لها البقاء في ذلك المستقبل المرعب..؟؟؟




إرسال تعليق

0 تعليقات