لماذا ينتحر المواطنون العراقيون
هادي
جلو مرعي
عندما لاتشعر بالسعادة، وتجد
إنك محاصر بالحرمان والبطالة والضياع وغياب الأمل، فذاك أمر صعب، ولكن عليك أن
لاتنتحر، وانتظر قليلا.
تحدث رجال دين عراقيون عن
ظاهرة الانتحار المقلقة في البلاد في الفترة الأخيرة، وكان آخرهم ممثل المرجعية
الدينية في النجف التي تعود الناس أن يستمعوا إلى تدخلاتها الدينية في اللحظة التي
تشعر فيها إن الأمر بالفعل خطير للغاية، ولايمكن السكوت عليه، ولا يبدو إن
المتحدثين لديهم رؤية للحل، أو إنهم يستطيعون وضع أفكار مهمة تتلخص في التعريف بالظاهرة
وسببها، وماهو الحل الذي يوقف الرغبة المتزايدة بالانتحار بين الشبان والشابات
والنساء بطرق مختلفة، ويدور الحديث حول التحذير، بينما يواصل المنتحرون محاولاتهم
البائسة للتخلص من حياتهم التي لايستطيعون مواصلتها.
أسباب الانتحار عند النساء
ليست مشابهة تماما لتلك التي لدى الرجال الذين يبدون أكثر صمودا وقدرة على
المناورة، ومواجهة تحديات الحياة، بينما لاتتمكن النساء من إحداث اختراق مهم في
حواجز التقاليد والعادات والظروف القاهرة، والرغبة في تكبيلهن تماما، ومنعهن من
تحقيق الذات، والبقاء في دائرة التبعية للرجل، والاستسلام له، وفي حالات عدة تم
تشخيص أسباب انتحار سيدات وشابات على إنها تافهة للغاية، ولايمكن القبول بأنها
السبب الرئيس الدافع للانتحار، ولكن ذلك لايبدو مقنعا أيضا. فالنساء في تعاطيهن مع
الحوادث يختلفن عن الرجال كثيرا، عدا عن أن السبب الذي نجده تافها يراه غيرنا
أساسيا.
المرأة المخنوقة ليست كتلك
التي تمتلك بعض الحرية، والعاطل عن العمل ليس كمن يمتلك الملايين، ولديه وظيفة
محترمة، ودخل مالي شهري يحميه من عوادي الدهر، والوزير ليس كمثل عامل النظافة،
والبرلماني ليس كالموظف الكحيان في أمانة بغداد، والفلاح الذي ينظر الى عصابات
منظمة تحرق محصوله الذي ينتظره منذ عام ليس كالتاجر الذي يستورد الحنطة، ويحصل على
ملايين الدولارات كأرباح صافية.
القهر والإذلال، والشعور
باللاجدوى من الحياة، والبطالة وغياب الحلول للمشاكل كلها عوامل تهيء الأجواء ليأس
مطبق، عدا عن الضجر من الحياة، فهناك من ينتحر بعد أن تحقق له كل شيء في هذه
الحياة من مجد وشهرة وأموال، وقد كتبت الفنانة الإيطالية داليدا ورقة وجدت عند
رأسها تقول فيها، عذرا أصدقائي فالحياة لم تعد تطاق، بينما كانت فنانة مشهورة يركض
وراءها الفرنسيون من ساسة وفنانين ومصممين ومخرجين وصحفيين، وكانت تملك سكنا وعملا
وزوجا، وربما عشيقا، وفي المقابل لم ينتحر فنان مغمور، ولاصحفي طردته إدارة القناة
من العمل بحجة عدم توفر الأموال اللازمة، وهناك آلاف الشبان يخرجون للعمل صباحا
ولايحصلون على شيء، ولكنهم لايقدمون على الانتحار.
فراغ الروح من الإيمان، وعدم
مخافة الرب، وانعدام الأمل بالتغيير والغد، أسباب مهمة في هزيمة الذات، والشعور
بأن الخسارة أكبر من أن تحتمل، وعندما يكون الضجر سببا في الانتحار فذلك طامة
كبرى، ولكن يجب الالتفات إلى أسباب الظاهرة، ومحاولة معالجتها من خلال توفير فرص
عمل للعاطلين، وتحسين ظروف المعيشة، فالعراقيون لايشعرون بالسعادة، وهذا سبب كاف
للرغبة في الخلاص من الحياة المرة, والالتحاق بالموتى.
0 تعليقات