الجزء الخامس
عباس ينقب عن حوت يونس ....( اشتباك حر)
(( فرعون الآرامى))
محمود جابر
فرعون الآرامى فى مصر القديمة :
أحداث قصة موسى وفرعون التى
جرت فى مصر تحمل العديد من الارتباك بفعل التفسيرات المنحرفة تارة، والجاهلة أخرى،
والمتعجلة ثالثا.
ووقع الأغلب الأعم فى هذا
الخطأ بشكل أو بآخر، والأكثر اتهام حكام مصر بالفرعونية، وبعضهم ادعى بأن اليهود
كانوا هم بناة حضارة وادي النيل، وفى الأخير جاء عباس الزيدى ليقول
أن أحداث قصة موسى لم تقع فى مصر الحالية والتى لم تكن فى ذاك الزمان تحمل نفس
الاسم !!
ولعل عباس الزيدى لديه مبررات
أقامها على المعارف السابقة وبعض مما لم يفصح عنه، وأهمها أن اسم "
فرعون" اسم آرامي قديم كما سنوضح فى هذا المقال، ونحن هنا نحاول أن نعيد
الأمور إلى نصابها الصحيح علنا نوفق .
ولعل كلام الدكتور خشيم فى أن
الفرعونية ليس لها أصلا مصريا وهو القول الذى استعرضناه فى الحلقة السابقة قد يؤدى
الى زيادة التيه لدى القارىء، وإنى أرجو منه أن يستمر معنا فى متابعة تلك الحلقات
حتى نصل معا إلى الحقيقة .
ويمكن القول أن أصل اسم (
فرعون ) هو الفعل ( فرعن ).
والنون في آخر الكلمة أصلية في أثناء تطور
العربية واستعيض عنها بالتنوين الذي ينطق ولا تكتب نونه، أو أن الجذر العربي (
فارع ) هو أصل فرعون ويعني العلو والطغيان وهذا وارد.
* أو ربما يكون الاسم مشتق من
اسم البلدة العربية التي أتى منها وهى ( فاران ) كما يقول ابن عبد الحكم في كتابه
فتوح مصر.
أو فرعون مأخوذة من اسم قبيلة(
فرعا ) الموجودة حتى الآن في وادي عسير غرب الجزيرة العربية.
الشاهد من هذا أن كلمة فرعون
كلمة عربية ولفظ عربي صميم جاء مع الغزاة العبرانيين والأعراب بشهادة أهل اللغة
ورجال الآثار والتاريخ الإسلامي وقبلهم جميعاً القرآن الكريم الذي يصف فرعون بنفس
المشتقات العربية العلو والطغيان.
{إن فرعون لعال في الأرض }
يونس 83.
{فرعون إنه كان عالياً في
الأرض } الدخان 31.
{اذهب إلى فرعون انه طغى }
المنازعات 17.
{ فقال أنا ربكم الأعلى }
النازعات 24.
هكذا إذاً هو الأمر.
وإن لم يكن هذا مرضياً، إليك
أدلة أخرى...
عاشراً :
أجمع ثقاة علماء الآثار المصرية وعلى رأسهم السير ألالن جاردنر في كتابه النحو
المصري، والسير آرثر ايفانز، والعالم ألن شورتر، والعديد غيرهم أن كلمة ( ب ر –
عا) المعتقد إنها أصل كلمة فرعون باللغة المصرية، معناها الحرفي البيت الكبير أو
القصر وليس لها أي علاقة بشخص الملك أو اسمه.
حادى عاشراً:
هذا الاسم ( فرعون ) غير متداول فى بلادنا لا قديماً ولا حديثاً، ويكاد ينعدم
استخدامه بيننا فلا تجد شخص منا اسمه أو لقبه فرعون؛ ولكنك ستجده منتشراَ وبكثرة
حتى اليوم فى السعودية واليمن والأردن والعراق وعند العديد من العرب كاسم علم
للكثير من الأشخاص والعائلات الكبيرة والمشهورة، ومن أشهرهم عائله الدكتور "
رشاد فرعون" الدبلوماسي السعودي المعروف، وعائلة ميشيل فرعون وزير الدولة
لشؤن مجلس النواب اللبنانى، وفى المؤتمر الأول لمنظمة المرأة العربية الذي عقد في
البحرين عام 26 تم تكريم السيدة السورية قمر فرعون، كذلك هناك ليف فرعون البطل
السعودي في الزوارق المائية، وإذا سألت عن فرعون الشعر فهو شاعر مضر " ناصر
الفراعنه " والفراعنة فخذ من قبيلة سبيع بالجزيرة العربية ، أما الأدهى فهو
اسم المدعى العام العراقى القاضى الذى حضر إعدام صدام حسين فاسمه " منقذ آل
فرعون " من عشيرة آل فرعون بالفرات الأوسط، أما اسم أخوه فهو عاد آل فرعون.
ويالها من مفارقة تثير العجب...
ففرعون اسم آرامى يخص العرب
والعبرانيين مثله مثل( خلدون زيدون بيضون سمعون هارون قارون شارون جدعون رعنون
مأمون رحمون شمشون وكلها أسماء آراميه قديمة.
أما هامان فمنتشر أيضا عند
العرب ويعنى هام جدا, فالمقطع ( آن ) يعنى جدا ومثله مثل ( غسان سلمان سمعان فهمان
عمران خلفان مهران) وكلها كما لا يخفى أسماء عربية وعبرانية.
لكن الأعجب أن يختاره الرسول
الحكيم ليطلقه على أبو جهل رأس كفار العرب، فاسماه على وجه الخصوص " فرعون
قومه "، ونقرأ أن لحسان بن ثابت حصنا شامخا من حصون يثرب اسمه حصن فارع،
وفارع هو المصدر العربي لكلمه فرعون، وحديثاً نجد اسمه مخلداَ للعديد من الأماكن
فى العديد من الدول العربية ففى فلسطين قرية " فرعون" ومدرسة بنات فرعون
وجبل فرعون بمحافظة طولكرم، وعلى جبل لبنان بلدة " فرعون" وفى قلب بيروت
شارع فرعون وبنك فرعون لمؤسسه ناجى فرعون وأشهر قصورها " قصر فرعون "،
وحتى لا تستثنى دولة عربية من الافتخار بفرعون وجدنا بالأردن وفى مدينة العقبة
جزيرة " فرعون".
لكن المدهش انه لا يوجد فى أي
مكان من أرض مصر أثراً منسوب لفرعون، غير " حمام فرعون " و "عيون
فرعون " الذي يوجد وللعجب في سيناء حيث كان يعيش فرعون مع قومه المحتلين لمصر
في ذلك الوقت.
وسؤال يطرح نفسه، وأظن ان من
حقنا أن نعرف الإجابة لماذا انتشر هذا الاسم بين العرب وكاد أن ينعدم فى بلادنا،
إلا على الأماكن التى عاش فيها فعلاً – فى سيناء ؟
ثالث عشر: المراجع الإسلامية
من المراجع الإسلامية أن نأتي
بخبر فرعون كاملاً وعلى الترتيب التالي:
1- طمعت في مصر العمالقة
.........(كتاب الفضائل الباهرة) .
2- وكان أولهم يقال له (
فرعــــون ) فصار ذلك اسماً لكل من تجبر وعلا أمره........(المواعظ والاعتبار
للمقريزى).
3- كان من بلدة " فاران
" وفاران بطن من بطــون " قضاعة " ................ ( فتوح مصر
لإبن عبد الحكم).
والجميع يعرف أن برية فاران هى
البرية القاحلة التى نشأ فيها إسماعيل ابن إبراهيم (عليهما السلام) وكانت منبت
العماليق أنساب إسماعيل وهم من العرب العاربة ومنهم أيضا عاد وثمود.
4- كما نرى في المراجع
الإسلامية
قال قتادة : " الفراعنة
أولهم كان في زمن الخليل.. ثم الثاني وهو فرعون يوسف، ثم فرعون موسى..."
قال أبو الفدا : " وكان
من العمالقة " فراعنة مصر." قال ابن خلدون : ومن العماليق ( فراعنة) مصر.
إن جميع المؤرخين المسلمين
يؤكدون أن ملوك العماليق (الهكسوس) هم فقط الذين يحملون لقب فرعون ولسبب غير معروف
لا أحد يهتم بما قاله المؤرخون القدامى عن فرعون خاصة، ويتهمونهم بالتهويل
والمبالغه.
هل تجاهل القرآن الكريم اسم
هذا الملك الجبار ؟
وكيف يتجاهله ولا يأتى به
وقصته مع بنى إسرائيل من أهم وأطول قصص القرآن الكريم وأكثرها جدلاَ ؟
الآن ... نستطيع الإجابة عن
السؤال ونقول:
لا ...لم يتجاهل القرآن الكريم
اسم هذا الملك الجبار الذي عذب بنى إسرائيل، بل أورده أربع وسبعين مرة، باسمه
" فرعون ".
كذلك لم تتجاهل التوراة اسمه
بل أتت به مجرداً هكذا " فرعون " رغم محاولات تعميمه على كل ملوك مصر.
لماذا أصبح اسم فرعون لقب لكل
ملوك العماليق؟
يقول المقريزى: ( فرعون ) صار
اسماً لكل من تجبر وعلا أمره.
من هنا أطلق المؤرخون هذا
الاسم على كل ملوك العماليق حتى الذين سبقوا فرعون نفسه، وأصبح قاصراً عليهم فقط،
وهو على كل حال أمر شائع فكثير من أسماء الأعلام تحولت مع مرور الوقت إلى ألقاب
مثال كسرى ...كان حاكماَ للفرس ولكنه تحول مع الوقت إلى لقب لكل من ملك الفرس
وتسموا بالأكاسرة.
وهكذا النجاشى أصبح لقباَ
لملوك الحبشة- يوليوس قيصر ...كان حاكماَ للرومان، ولكن اسمه تحول للقب لكل من حكم
بعدة وتسموا بالقياصره - منذ أن أسسنا نحن المصريين حضارتنا نطلق على الحاكم اسم
الملك ، ورغم ظهور كلمة فرعون واستعمالها للدلالة على الحاكم بعد طرد الهكسوس، إلا
انه لا يوجد ملك مصري واحد نقش هذا اللقب فى الخرطوش الخاص به – فمن المتعارف عليه
أن أسماء الملوك تكتب فى مستطيل يسمى بالخرطوش الملكي يحتوى الاسم والألقاب - ولم
يحدث أن وجدت كلمة فرعون داخل أي خرطوش ، فلم نكن نكتب إلا الألقاب الملكية
المصرية مثل:
1- ن ب وتعني السيد ، وهناك
" ن ب - ب ر " ومعناها سيد البيت ، و " ن ب ت . ب ر " ومعناها
ربة البيت.
2- ن س و وكان يدل على ملك
الوجه القبلي
3- ب ت استعمل هذا اللقب
للدلالة على ملك الوجه البحري ولكن بعد توحيد القطرين ادمج اللقبان واصبحا لقباَ
واحداَ " ن س و ب ت " أي ملك الوجهين.
4- ح ق و هى تعنى الحكمـــة
والحــق ، كما تعنى العالم بأسرار الطبيعة وما وراء الطبيعة . وفى معجم جاردنر نرى
كلمة " ح ق ت " تعنى السيف كما تعنى أيضا العدل والوزن.
سا – رع : لقب من الأسرة
الرابعة ويعنى ابن الشمس.5-
6- حر – نوب : وهو يعنى صقر
السماء الذهبي.
الخلاصة :
نخرج من هذا بأنه كان هناك
أقوام بدو جبارين همج من الأعراب والعبرانيين استولوا على حكم مصر أُطلق عليهم اسم
الهكسوس، وفى آخر أيامهم ملكهم رجل طاغية اسمه فرعون، فأرسل الله إليهم من أنفسهم
رسولاَ كريماَ هو موسى عليه السلام، الذي طالب بإخراج قبيلته بنى إسرائيل من وسط
قبائل الهكسوس الهمجية ( والتي تم طردها على يد أحمس ملك مصر العظيم أثناء خروج
موسى مع قومه) ولجبروت هذا الملك " فرعون " تحول اسمه إلى لقب لكل ملوكهم
المحتلين لمصر، ولكن اليهود نجحوا في جعله لقباَ لملوكنا نحن المصريين بهدف
الإدانة. وتقنن الوضع الكاذب، لسيطرة الإسرائيليات على القصص الدينية التي أصبحت
مرجعنا الوحيد من جهة، وعدم إجادتنا لقراءة تاريخنا بل وكتابنا المقدس الكريم من
جهة أخرى ، ومع التكرار، تقرر الوضع الكاذب وأصبح هو الحقيقة.
وللحديث بقية
0 تعليقات