العراق
حرب دينية تنبأ بها الكتاب المقدس
عماد حمدى
كتاب :( ما بعد العراق- الخطوة التالية- تصادم نبوءة
قديمة ومؤامرة عصرية) للمؤلف مايكل إيفانس:
كتابي دعوة دينية لحمل السلاح جنودها المؤمنون بقيم
الكتاب المقدس
بسرعة وسهولة يكشف الكتاب عن حقيقته: نموذج للمؤلفات
المنحازة التي تأخذ جانبا واحدا بصورة غير موضوعية. فعندما ذهبت لشراء الكتاب
وجدته على أرفف قسم الكتب الدينية في محلات بيع الكتب. وإذا كانت هناك ذرة واحدة
من الشك في انحياز الكتاب فإن نظرة واحدة على غلافه الخلفي تبدد تلك الذرة من
الشك.
فالغلاف يحمل ثناء من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو ومن نائب رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت ضمن شخصيات يهودية ومسيحية
يمينية أخرى.
لكن أهمية
الكتاب تكمن في أنه امتداد لموجة منتشرة في الولايات المتحدة بين اليمين المسيحي
المتطرف تصور الحرب الأميركية ضد الإرهاب كحرب دينية ضد المتطرفين الإسلاميين، بل
وبالنسبة للبعض، ضد الإسلام.
ولكن الكتاب يأخذ بعدا إضافيا في ذلك الاتجاه كونه
يصور الحرب في العراق كتحقيق لنبوءة دينية وردت في كل من التوراة والإنجيل.
يقول وزير
خارجية إسرائيل سيلفان شالوم وهو يلخص الكتاب في فقرة طبعت على غلافه الخلفي: إن
طغيان حكام العراق في عصرنا هذا إنما يعود بجذوره الى بابل القديمة في العهود
التوراتية. وقد تنبأ إرميا النبي بما يحدث اليوم في العراق وأشار في ذلك العهد
القديم الى الأخطار التي تشكلها بابل ( العراق اليوم) ضد المنطقة كما أشار الى
العقوبة التي أنزلها الله بالطغاة الوحشيين في أرض النهرين.إذ قال النبي إرميا:
سأحشد ضد بابل جمعا من الأمم العظمى من أمم الشمال لأن بابل اقترفت خطيئة ضد الله.
مؤلف الكتاب مايكل أيفانس قس وكاتب نشر مقالات عديدة
في صحف أميركية مثل وول ستريت جورنال وإسرائيلية مثل جيروزاليم بوست. وهو مؤسس
منظمة تدعى فريق الصلاة من أجل القدس بالاشتراك مع قطبي اليمين المسيحي المتطرف
جيري فولويل وبات روبرتسون.
وهذا الأخير كان مرشحا رئاسيا ذات يوم. وكلاهما تحدث
علنا بالسوء ضد الدين الإسلامي والمسلمين وضد نبيهم. وخلال عقدين من الزمن كان
المؤلف صديقا مقربا من رؤساء الوزارة في إسرائيل. الكتاب عنوانه:( ما بعد
العراق- الخطوة التالية- تصادم نبوءة قديمة ومؤامرة عصرية).
وهو كتاب
يمكن قراءته من غلافه الأمامي، إذ يصور الغلاف رقعة شطرنج يظهر فيها الملك ملفوفا
في العلم الأميركي وعلى رأسه الصليب. وبجانب الملك يقف عسكري شطرنج ملفوفا في
العلم الإسرائيلي وفي مواجهتهما تقف طابية الشطرنج ملفوفة بعلم إسلامي يحمل الهلال
والنجمة وعلى رأسها مئذنة مسجد.
لماذا العراق؟
يقول المؤلف إن أسامة بن لادن الذي يصفه بأنه (الأب
الروحي) لهجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 على الولايات المتحدة ، دعا الى
قنبلة نووية إسلامية. ويربط الكتاب بين هذه الدعوة وبين محاولات الرئيس العراقي
السابق صدام حسين تطوير أسلحة نووية. وهذه الصلة هي السبب وراء غزو العراق، ولكن
العراق لن يكون النهاية. كما أن القبض على صدام حسين وعلى أسامة بن لادن ، لو حدث،
لن يكون كافيا لأن هذه حرب لن يكتمل النصر فيها إلا بهزيمة المسلمين على يد
المسيحيين. ولكن هذا النصر سيتحقق فقط بعودة المسيحيين الى اصول وقيم الدين
المسيحي. يقول المؤلف: هذا الكتاب دعوة الى حمل السلاح لأن المعارك الحقيقية معارك
روحية يتحقق النصر فيها بالصلاة. ولن يتمكن من تحقيق النصر في هذه المعارك إلا
اولئك الذين يتمسكون بالقيم الروحية ومبادئ الكتاب المقدس، والذين يفضلون الصلاة
على المتعة.
وفي أرجاء الكتاب المؤلف من 160 صفحة، يتحاشى المؤلف
استخدام كلمة الدين ويستعوض عنها باستخدام كلمة الروحانية ولكن المعنى المقصود
واضح وجلي لأنه يحدد الروحانية على أنها مبادئ المسيحية واليهودية. وتأكيدا لهذا
المعنى يقول المؤلف في موضع آخر من الكتاب: ما لم يركع الأميركيون الذين يخشون
الله وينخرطون في الصلاة فلن يكون انتصارنا في العراق إلا نصرا يتعامل مع القضايا
السطحية المحدودة بنظام حكم واحد. وما لم نكن مستعدين للصلاة وبمواجهة الشيطان
وراء الإرهاب فإن العدو الذي لا وجه له سوف يتحرك الى مكان آخر ويضرب في موقع آخر.
وفي مقارنة خطيرة يربط المؤلف بين ما يصفه بالإرهاب
الإسلامي وبين هتلر. ويقول: إننا نجحنا في القضاء على القوة السياسية لهتلر ولكن
الروح التي دفعته الى الكراهية والإبادة الجماعية استمرت لكي تحرض على الإرهاب
الذي نخبره اليوم، وهو الإرهاب الذي يشكل البغض ومعاداة السامية والكراهية ضد
المسيحيين واليهود.
حرب دينية
بابل في الكتاب المقدس إنما هي العراق اليوم. فلم تكن
مدينة بابل إلا على بعد ستين كيلومترا من بغداد اليوم. وكان العراق منذ البداية
أرض الخطيئة. هناك اقترف آدم وحواء الخطيئة بمعصية الله. ومن العراق استدعى الله
إبراهيم لكي يذهب الى أرض كنعان. ولكن خطايا بابل استمرت. لقد كان أحد ملوك بابل
هو الذي قهر إسرائيل ويهودا في العام 586 قبل الميلاد وأخذ الشعب اليهودي رهائن
وسجنهم لسبعين عاما. ويستمر المؤلف في سرد احداث تاريخية ودينية مستقاة من الكتاب
المقدس وكتاب النبي دانيال لتصوير ما يحدث اليوم في العراق على أنه امتداد للحرب الدينية
والخطايا الدينية في التاريخ القديم. ولتأكيد أهمية العراق في الحرب الدينية يشير
المؤلف الى أن بابل ذكرت في الكتاب المقدس 300 مرة وهي أكثر المدن ذكرا بعد مدينة
أورشليم( القدس). وبابل هي أول مدينة شيدت بعد الطوفان. ويقول المؤلف إن بابل في
الكتاب المقدس هي أرض الشر بينما القدس هي أرض الخير. وهاتان المدينتان ( أي بغداد
والقدس) يمثلان الرمز نفسه في الحرب الراهنة.
ويكشف المؤلف عما يصفه بوثيقة مخابرات سرية تفيد بأن
الرئيس العراقي السابق صدام حسين ( رمز الشر والخطيئة) أصدر أوامر قبل حرب عام
1991 تفوض ضرب إسرائيل ( رمز الخير والفضيلة) بصواريخ سكود التي تحمل اسلحة
كيميائية وبيولوجية لو زحفت القوات الأميركية وقوات الائتلاف ذلك العام على بغداد.
لقد استحقت بابل الدمار في العهد القديم ويستحق العراق الدمار في العصر الراهن.
إرهابيون من البداية
لكن الكتاب لا يكتفي بتصوير صدام حسين أو العراق على
أنهما رمز الخطيئة بل يقول إن العرب والمسلمين من بداية الخليقة إرهابيون. يشير
المؤلف الى ما جاء في الكتاب المقدس من أن المرارة التي ولد بها اسماعيل ( ابو
العرب) وهو النجل الأكبر لسيدنا إبراهيم من خادمته هاجر جعلته رجلا فظا. يقول الكتاب
المقدس ما معناه إن ملائكة الرحمن أخبرت هاجر أن وليدها اسماعيل سيكون جامحا.
ستكون يده ضد كل إنسان. وستكون يد كل إنسان ضده. وسوف يسكن في وجود اخوته. ويتساءل
الكاتب ما إذا كان هذه الصورة في الكتاب المقدس ترمي الى الإرهابيين العرب
والمسلمين اليوم. أما اسحق فقد ولد لإبراهيم من زوجته سارة وبمباركة من الله. هذه
البركة استمرت في سلالة اسحق وهم اليهود كما تمتع بالبركة نفسها يعقوب وسلالته.
ويذهب الكتاب خطوة أبعد لكي يحط من قدر العرب والمسلمين فيتعقب تاريخ الدين
الإسلامي ويخلص الى أن الإسلام دين يحرض على العنف والقتل أما المسيحية فدين يحث
المسيحي على أن يدير خده الآخر.
النفط العراقي
ليس هناك ايجابيات في العرب والمسلمين من وجهة نظر
الكتاب. لقد لجأوا الى ابتزاز العالم الغربي والمسيحي عام 1973 لأنه لم يعد
بمقدورهم الانتصار في حرب مسلحة بعد أفول الأمبراطورية الإسلامية وبزوغ الغرب على
ذروة المسرح العالمي نتيجة للثورة الصناعية في أوروبا والولايات المتحدة في القرن
الثامن عشر. هذا التفوق الغربي تحقق بسبب وفرة الطاقة الرخيصة. وبعد اكتشاف النفط
العربي ساعد النمو الاقتصادي والتكنولوجي الغربي المحتاج لموارد الطاقة في توفير سلاح
وحيد للعرب. بعد حرب عام 1973 ضد إسرائيل استخدم العرب والمسلمون النفط في
الابتزاز. ولكن هذا الابتزاز لن يحدث مرة أخرى. ويعتقد المؤلف أن واشنطن سوف تتوقف
عن قريب عن شراء النفط الإيراني بعد أن حطمت منظمة الأقطار المصدرة للنفط بسيطرتها
اليوم على النفط العراقي.
لقد شعر العالم الإسلامي بالإذلال لبزوغ الغرب كقائد
للعالم. وتجزأ العالم الإسلامي وبدأ يبحث عن عامل يوحده. وجاء قيام الدولة
اليهودية في فلسطين سببا لتوحيد العالم الإسلامي الذي وجد في إسرائيل عدوا يوفر له
الوحدة الغائبة. إن المسلمين لا يكرهون أميركا بسبب إسرائيل بل يكرهون إسرائيل
بسبب أميركا. والمعركة قائمة حول كتاب. كتاب يؤمن به اليهود والمسيحيون وهو الكتاب
المقدس. والكتاب الآخر هو القرآن. ويقول المؤلف إن أحد الكتابين حق والآخر باطل
ومن المفهوم أي الكتابين باطل في رأي مايكل إيفانس.
تشويه الإسلام
في عدة فصول من الكتاب يعمد المؤلف الى رسم صورة
مشوهة للدين الإسلامي عن طريق طرح للوهابية واستعراض تاريخ منظمة التحرير
الفلسطينية ثم الجمهورية الإسلامية في إيران. ويهدف المؤلف الى إظهار الدين
الإسلامي على أنه دين إرهابي وعنفي. وفي فصل آخر من الكتاب يقول المؤلف إن الطريق
الى بغداد يؤدي الى القدس وهو التعبير نفسه الذي استخدمه اليمين المسيحي المتطرف
لإقناع حكومة الرئيس بوش بغزو العراق. الطريق الى بغداد يؤدي الى القدس من عدة
بوابات.
الأولى هي أن القدس ( أو إسرائيل) هي الآن وستظل في
المستقبل الجدار الذي يحمي الغرب من نيران الإرهاب الإسلامي.
والثانية هي أن نظرية الدومينو، أي تداعي أنظمة الحكم
في العالم الإسلامي سوف تتحقق نتيجة لإرساء الديموقراطية في بغداد.
والثالثة هي
أن سقوط العراق سوف يفتح الباب أمام تسوية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس
لا يهدد وجود إسرائيل. وينتقد المؤلف خطة خارطة الطريق التي تتبناها الولايات
المتحدة مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا لأنها تدعو الى اقامة دولة
فلطسطينية بدون أن تشترط القضاء على الإرهاب ، كما ينتقد مبدأ السلام مقابل الأرض
بالنظر الى أن الأرض أعطاها الله لليهود فيما يسميه يهودا واسامراء ( الضفة
الغربية). وبالتالي لا يمكن ان تحلم منظمة التحرير الفلسطينية ( الإسلامية
الإرهابية) بالحصول على هبة لهية منحها الله لليهود.
العراق ليس النهاية
يقول الكتاب إن سقوط العراق لا يعني سقوط الإرهاب وإن
هناك حاجة لمواصلة الحرب ربما ضد سوريا وإيران أيضا ، بل ويدعو المؤلف الى إنذار
الدول العربية النفطية والتي يقول إنها ترعى الإرهاب إما أن تتعاون في الحرب ضد
الإرهاب أو تلقى مصير الإفلاس. ولكن المؤلف يقول إنه ليس ضروريا أن تدخل الولايات
المتحدة في حرب مباشرة ضد تلك الدول. بل الوصفة التي يطرحها المؤلف لتحقيق النصر
ضد المسلمين تتلخص في ثلاث نقاط: الأولى هي العودة للتمسك باصول الدين المسيحي
والكتاب المقدس. والثانية هي استخدام الضغوط الاقتصادية التي يقول المؤلف إنها هي
التي أدت الى انهيار الاتحاد السوفييتي ، وبالتالي يمكن أن تنجح أيضا مع الدول
الإسلامية. والثالثة هي استخدام موارد الأشرار لخدمة الأخيار على حد ما ورد في
الكتاب المقدس. وبهذا يعني المؤلف أن تستخدم الولايات المتحدة الثروة النفطية في
العراق لكسر لتدمير منظمة أوبك عن طريق إفلاس المملكة العربية السعودية وإيران.
يقول المؤلف إن العراق يقبع فوق 112 مليار برميل من النفط و110 تريليونات متر مكعب
من الغاز. وبالسيطرة على هذه الموارد في العراق يمكن للولايات المتحدة أن تدفع
بأسعار النفط هبوطا الى عشرة دولارات للبرميل.
المستقبل يكمن في الماضي
يختتم المؤلف كتابه بالعودة الى الكتاب المقدس والى
تاريخ بابل. لقد أعطى الله المسيحيين تفويضا لمنح اليهود الراحة والسعادة على
الأرض. والأرض في الضفة الغربية هي الأرض التي منحتها السماء لليهود. الماضي يرسم
طريق المستقبل. والماضي يقول بابل كانت شريرة، وسلالة اسماعيل أشرار، والحرب هي
حرب بين الخير ( القدس والمؤمنين بالكتاب المقدس من جانب) وبين الشر ( بابل
والعراق وسلالة اسماعيل المؤمنين بالقرآن).
الخلاصة
كتاب مايكل إيفانس مكانه الطبيعي هو سلة القمامة. وهو
يشكل حالة دراسية في الكراهية العنصرية والدينية. حتى أرحم النقاد المحايدين وصفوه
بأنه كتاب يروج جانبا واحدا. وهو لا يحمل جديدا وإن كان يؤكد اتجاها واسعا بين
اليمين المسيحي المتطرف في أميركا. هذا الاتجاه يصور الحرب الأميركية ضد ما يسمى
بالإرهاب ثم الحرب في العراق على أنها حرب دينية. وهنا تبرز أهمية الكتاب. إنه
يعكس الرأي السائد بين 19 في المائة من إجمالي الناخبين الأميركيين وهم جالية
اليمين المسيحي المتطرف. ولأن هذه الكتلة الانتخابية تشكل دعامة قوية داخل الحزب
الجمهوري لا يمكن للرئيس بوش التفريط فيها، فسوف تظل الحرب الأميركية ضد الإرهاب
تصطبغ بصبغة دينية مهما أكثر الرئيس بوش من زياراته للمساجد في أميركا. لقد قال
سفير أميركي سابق في الشرق الأوسط هو فيليب ويلكوكس ( يشغل الآن منصب رئيس مؤسسة
سلام الشرق الأوسط ومقرها واشنطن): إن لدينا نحن الأميركيين متطرفين أيضا.
وكتاب مايكل إبفانس دليل مجسد على وجود هذا التطرف
السياسي والتعصب الديني في الولايات المتحدة.
0 تعليقات