آخر الأخبار

الاستدراج وصناعة الشبح فى صفقة القرن الأوسطى






الاستدراج وصناعة الشبح
فى صفقة القرن الأوسطى





 منطقة الشرق العربي من فلسطين إلى ما بعد العراق تعيش حالة رمادية ، وهذه الحالة الرمادية وفق الاصطلاح السياسي هى منطقة خطيرة، منطقة الاستنزاف؛ استنزاف موارد واستنزاف أمن، وهذه الحالة الرمادية أو المنطقة اللاسلم واللاحرب وهى حالة تفرضها الولايات المتحدة والكيانات الامبريالية والصهيونية معا، من اجل الحصول على أكبر نفع مادي واستراتيجي ممكن من مناطق النفوذ فى الشرق العربى خاصة الخليج فى مقابل صك الحماية، الحماية ممن ؟!

من الشبح الذى اختلقته الأبواق الإعلامية الأمريكية والصهيونية وظلت تُضخّم في صورته وهيئته، مع اسجابته لهذا الاستدراج، من أجل تحوّل الصراع من صراع عربى صهيونى غربى إلى صراع سنّى شيعى عربى فارسى !


ثم تعال معى نلاحظ وندقق ونكتشف ...


في 12 تموز/يونيو، أطلق الحوثيون صاروخاً استهدف مطار أبها في قطاع عسير جنوبي السعودية، مما أدى إلى إصابة ستة وعشرين شخصاً وفقاً لبعض التقارير، وكان ذلك بمثابة أحدث مثال على أسلوب استهداف "العين بالعين" الناشئ الذي يعتمده الحوثيون.

لكن الذي لا تراه


أن ما يتم هو حالة تهيئ المناخ  تماماً لميلاد فرص متجددة وخلق علاقات متداخلة أكثر تشعّباً، لكن الحل يكمن فى الترويض وتطويق الجميع وفق آلية وهمية تُسمّى الاحتواء والاحتضان والمصالح المشتركة .

ومن هى تلك العملية ؟

أمن الكيان الصهيونى مقابل أمن الخليج والإقليم ، ربما تلك هى الصفقة !
 ولكن هل هى وفق التعريف الاصطلاحي مساومة أم صفقة ؟!



تأتى هذه الصفقة أو تلك المساومة تِباعاً بالتوازى مع الضغط على النظام السياسي الإيراني على الجانب الآخر لفتح مجال التفاوض فى موضوعات أخرى، ربما لا تتعلق أساساً بأمن الخليج ولكن تتعلق بالمسارات الاقتصادية المستقبلية فى قارة آسيا، وتأثير النفوذ المالي على السياسي .


فصفقة القرن  خضعت لمقدمات طويلة تم خلالها تمهيد الساحة لدخول معترك المساومة وانتقال مرحلة التفاوض من الخاص (الخليج) إلى العام (الشرق الأوسط) .


بالنظرِ إلى الوراء والعودة سريعاً لتاريخ الفكر المخابراتى السياسى داخل أروقة النظام الصهيوأمريكى، بالتحديد تشريح وتفكيك " العملية سيكلون " نجد أن " بريجنسكى " الذى كان بمثابة مهندس العملية ، قام بتحليل العقلية العربية الخليجية تحليلاً عميقاً وبالفعل استطاع أن يحصل على كل ما أراده وتمت العملية بموافقة جماعية عربية دون إبداء أى اعتراض ، وكانت حينها أداة الضغط المباشر " شبح النظام الإيرانى " .


كان غزو العراق هى محطة الإنزال الثالثة لخطة تفكيك الإقليم بعد مرحلتى الاعتراف بالكيان الصهيونى جزء من المنطقة العربية ١٩٤٨ م ، وغزو أفغانستان الجهادى ١٩٨٨ م ، ثم غزو العراق وتفكيكه عرقياً ومذهبياً وطائفياً ٢٠٠٣ م وأخيراً مرحلة تفكيك الجيوش العربية الأقوى المتبقية بالمنطقة (الجيش المصرى والسورى) بعد ثورات عام ٢٠١١ م .


يعتبر المستفيد الأول وفق الإحصاءات والتحليلات السياسية والعسكرية هو الكيان الصهيوني الذى تخلص من أقوى الجيوش العربية المناهضة له وأصبح هناك بديل لمفهوم الاحتلال والاستيطان الصهيوني وهو الإسلاموفوبيا والإرهاب العربى الإسلامي، ثم النظام الإيراني الذى أعطته الولايات المتحدة الأمريكية فرصه ذهبية للتمدد جغرافياً وسياسياً وثقافياً وعقائدياً داخل أرض خصمه اللدود سابقاً وصديقه الصدوق حالياً، ليبقى السؤال المهم حقيقةً وهو ما النفع الذى عاد على الدول العربية التى شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر فى هذا الغزو وماذا استفادت ؟

الإجابة: كلكم تعرفونها من خلال الواقع هنا وهناك ...


ففى سوريا أصبح لم يصبح الرابح لا الخليج ولا العرب ولا الإيرانيين  بل النظام الصهيونى الذي استباح الجولان رسمياً باعتراف أمريكي مُسبق، بالإضافة إلى النظام التركي الذي لم يكن يحلُم فى يوم من الأيام أن تتجول أبواقه العسكرية داخل الأراضي السورية بحرّية وأريحية مطلقة كما هى اليوم .


لم يمارس النظام الإيراني عمل عسكرى مباشر ضد دول الخليج ولكنه مارس أعمال عدائية هدفها التحرش السياسى وليس العسكرى، نجد فى المقابل محاولة النظام السياسى التركى والنظام السياسى القطرى بمحاولات عديدة عدائية وإرهابية ضد الدولة المصرية كان هدفها أيضاً التحرش السياسى، لكن تعامل الإدارة السياسية فى مصر اختلف كُليّاً شكلاً وموضوعاً تجاه تلك الأزمة واستطاع أن يحتويها من خلال السبل الأمنية المخابراتية والعمليات النفسية والمسارات السياسية الدولية والإقليمية .


لذا على تلك الدول ألا تنساق وراء عظمة تُرمى لها من أيدي من تعتقدهم حلفاء غربيين وهم أول عدو وأكبر عدو حقيقى لهم، وألّا تجعل الغضب يُربك حسابتها وقرارتها وتنساق وراء انفعالاتها، وعليها بأن تمتلك أدوات مخابراتية وإعلامية ودبلوماسية قوية قادرة على التمويه والاختراق داخل العمق الاستراتيجي للأنظمة السياسية المعادية لها، دون الاستسهال واللجوء لآخر خيار استراتيجي أمنى وهو الخيار العسكري قبل الخيارات المبدئية والأولية واستنفاذ كافة أدوات القوى الناعمة .


لماذا ينصح البعض بعدم اللجوء إلى الخيار العسكرى ؟

 ليس لأن النظام الإيراني نظام قوى عسكرياً، هذا فقط ما يتم الترويج له إعلامياً وفق إستراتيجية صناعة العدو وتضخيم الشبح، لكن القوة العسكرية الإيرانية عادية تماماً ولم تستطع الصمود أمام القوة العسكرية العراقية.

على الجانب الآخر الدول الخليجية ربما تمتلك القوة العسكرية لكنها لا تملك خبرة إدارة الحروب عسكرياً وهى النقطة التى يعلمها النظام السياسي الإيراني جيداً ، وبات ذلك واضحاً فى نتائج الحرب الحوثية السعودية .


لذا نجد أن استنجاد الخليج بالولايات المتحدة للقدوم إلى الخليج العربى والبقاء فيه كان لسببين أولهما ضمان الحماية ثانيهما استعراض قوى الخليج أمام النظام الإيراني، فى حين أن الولايات المتحدة لن تقتل الشبح الإيرانى الذى جنت من ورائه أموال وصفقات سلاح وبناء قواعد عسكرية وبسط نفوذ كبير فى منطقة الخليج العربي .


الدول الخليجية لديها رغبة مكنونة شرهة للحرب لكنها لا تقوى علي تبعاتها وتريد أن يصبح درعها فى المقام الأول هو الولايات المتحدة الأمريكية ، على أن تقوم الأولى بتحمل نفقات تلك الحرب مادياً وإعلامياً بشكلٍ كامل .


هناك دول تتغذى على النفايات الإستراتيجية ودول تأكل فى صحون الأخطاء الدبلوماسية والسياسية ، اندلاع حرب إقليمية دينية سنيّة شيعية يعنى ارتكاب مزيد من الأخطاء الإستراتيجية التى يتغذى عليها المنتفعون .


وبناء عليه بدلاً من الحرب العسكرية لابد وأن تسعى الدول الخليجية إلى وضع إستراتيجية دبلوماسية وأمنية ومخابراتية وإعلامية بالتنسيق مع الدول العربية المجاورة وعلى رأسها الدولة المصرية ، لسد الفراغ العبثى الذى يتحرك فيه كل من النظام السياسى الإيرانى والتركى والقطرى ، والذى يصب بالتبعية فى مصلحة الكيان الصهيونى الذى بات يتمدد فى الإقليم كما يحلو له .


وبدلاً من تحويل بوصلة العراك العربى الصهيونى إلى عربى فارسى أو عربى تركى أو عربى عربى، يجب وأن تبقى عيوننا ساهرة صوب كيفية تنفيذ مشروع عربى اقتصادى سياسى أمنى ثقافى تنويرى يصبح هو حامى الحمى والرادع الأقوى فى المنطقة العربية والإقليم بأكمله .







إرسال تعليق

0 تعليقات