آخر الأخبار

تجديد الفكر الديني


تجديد الفكر الديني







د. محمد ابراهيم بسيوني


يجب أن نعترف بأنه لا يوجد خطاب ديني واحد ليتم تجديده، فهناك خطابات متعددة منها الخطاب الديني السلفي، والشيعي والمحافظ، والمتحرر وما يسمى بالمعتدل وغيرها. أضف إلى ذلك بأن هناك خطابًا للمؤسسات الدينية وخطابات تنتجها مجموعات دينية خارج إطار المؤسسات الدينية ليس لأحد السيطرة عليها كالخطاب السلفي الجهادي والخطاب الديني المتحرر الذي يتماهى مع القيم الغربية. إذن، نحن أمام مجموعة كبيرة من الخطابات الدينية التي لا يمكن تجديدها مرة واحدة وبسلة واحدة، هذه صعوبة لا يمكن تجاوزها بسهولة.
الخطاب الديني الإسلامي عبارة عن مجموعة من المعايير المعرفية والأخلاقية متناسقة في منظومة فكرية ولغوية واحدة لها حدودها التي تفصلها عن باقي المعايير والخطابات الأخرى. هذه المنظومة ليست منفصلة عن واقع الحياة بل هي تتحرك في سياقات محددة ومعينة من خلال اللغة المحكية والمكتوبة وطرق التواصل في مجتمع صغير أو كبير تحدد تلك اللغة طريقة التعامل بين من يتبنون ذلك الخطاب ومع من يتبنون خطابات أخرى.
موضوع ازدراء الأديان وتطوير الخطاب الديني بين الماضي ومخربون الحاضر والأيادي المسمومة التي تعبث بالجميع تبدو كارثة محققة لنا. الكيانات الدينية الموجودة عاجزة عن التطوير لان عقلها فى الأوامر الأمنية وأصحاب أجندات التطوير غير مؤهلة. لذا يجب تطوير الفكر الديني، فمن لديه خطط تطوير للكتب التراثية وشك فى رواية الحديث أو أحاديث يجب عليه أن يعمل دراسة بحثية تناقش أولا بين العلماء المتخصصين ثم إذا تم التوافق فيما بينهم لقوة الحجج والأسانيد القرآنية والسنة الشريفة ثم التاريخية المصاحبة فسيكون هناك برامج لها فى الإعلام.
شروط من يخرج للإعلام ويتحدث عن تطوير الدين يجب أن يكون ممون من خلال دراسة علمية بحثية تم إقرارها حتى تظهر للناس بصورة لا خلاف عليها. فالبعض يمتلك أفكار وقراءات ومعلومات ولا يستطيع أن يدخل المجال الأكاديمي والإعلامي.

لا يستطيع أي منا اتهام الأزهر الشريف وجامعاته وكلياته او وزارة الأوقاف والخطباء أو حتى دار الإفتاء بالتقصير، ولكن نطالب بزيادة الجهود والانتشار والابتكار. فأعظم مكان ومجال للبحث العلمي والقراءة هى (الكتب السماوية) ثم كتب التراث ويجب أن نشجع على هذا العمل فهو لله وحده، ثم خدمة لجموع الناس في مصر والوطن العربي ثانيا. نطالب الجميع بالقراءة وان يبدأ الأزهر ووزارة الأوقاف بتقديم مجموعة علماء على القنوات لتفسير القرآن كما فعل شيخنا الجليل محمد متولي الشعراوى رحمه الله عليه. نطالب الأزهر والأوقاف باعتماد شيوخ أفاضل لتقديم برامج متكاملة لشرح الأحاديث والسنة عدة أيام فى الأسبوع على الإعلام المرئي والمسموع كدروس للشعب المصري. نطالب أن تكون مدة تلك البرامج بين ٤٥ -٦٠ دقيقة على القنوات العامة والخاصة لتعليم الناس أمور دينهم وإبراز الثقة والشك فى الأمور.

نطالب بوجود برامج وحلقات علمية دينية كل أسبوع حول موضوع هام فى دين الله ويدار من خلال عالم ازهرى لكي تقتربوا من الناس أكثر. يجب تقديم حلقات علمية دنيوية على قنوات عامة وخاصة بدعوة عدة علماء كل أسبوع على طاولة مستديرة لشرح الجديد فى الحياة.

هناك تقصير واضح من القائمين على الإعلام فى تقديم مثل تلك البرامج الهامة للناس سواء العام او الخاص والاهتمام بأشياء أخري للناس. الناس فى أشد الحاجة فى أيام الفتن الكبرى وسفك الدماء أن يقترب العلماء منهم ورجال الدين، ودور الإعلام كوسيط هام جداً.


تجديد الخطاب الديني وحده لن ينفع لتجنب ظاهرة التشدد الديني بل تجديد الفكر الديني وذلك باستخدام مناهج علمية متطورة في التعامل مع النص الديني والتاريخي من داخل وخارج المؤسسات الدينية التي لابد أن تتحول إلى مؤسسات أكاديمية بعيدا ً عن القدسية الموروثة، فالمتدينون إلى الآن مازالوا يدورون في فلك المنهج الوضعي وإن خرجوا من ذلك الفلك فهم لا يصلون إلا اضطرارا ً للمنهج التأويلي إذ لم يصلوا وربما سيكون متأخرا ً الوصول للمنهج النقدي الذي ينطلق من مبادئ معيارية أولها الأخلاق في طريقة تعاطيه مع النص الذي لا يرى به قدسية بقدر التفاعل معه كنتاج إنساني بحت ليتم التعامل معه بموضوعية. القدسية في المنهج النقدي لا تكمن في النص نفسه لكن في المبدأ الأخلاقي الذي يتضمنه المنهج والعاملون عليه. هناك طريق طويل لتجديد الفكر الديني وحتى الوصول إلى ذلك سنظل ندور في فكرة جوفاء أسمها تجديد الخطاب الديني ولكن بعد أن تذهب الكثير من الدماء وسنكون حينها في الدرك الأسفل من الحضارة.


عميد طب المنيا السابق


إرسال تعليق

0 تعليقات