آخر الأخبار

الحلقة الرابعة الكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني


الحلقة الرابعة

الكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني

المواجهة العربية الفلسطينية




صالح عوض عوض

بداية كل التحية للشهداء الفلسطينيين والعرب والأحرار الذين سقطوا في ساحات المواجهة دفاعا عن الثورة الفلسطينية أو في مواجهات على حدود دول الطوق. .تحية لأرواحهم جميعا وهم يمثلون وحدة الهم والمستقبل.. وبعد ذلك لابد من تدبر الأداء الرسمي العربي في المواجهة على مدار عمر القضية الفلسطينية.

لقد أصبح واضحا مما سبق أن الكيان الصهيوني قاعدة استعمارية تؤدي وظائف تخريبية في الأمة العربية والعالم الإسلامي وحماية المصالح الاستعمارية في المنطقة بالإضافة إلى كون الكيان الصهيوني استيطان قائم على التطهير العرقي في فلسطين.. وكما أصبح واضحا أيضا في المقابل فان القضية الفلسطينية تمثل تحديا جوهريا للعرب والفلسطينيين بتكامل والمسألة هنا من باب نصرة فلسطين ولكن أيضا من باب الدفاع عن الأمن القومي و المستقبل الحضاري للأمة.


من خلال مسلسل الفراغ والتخلي عن الواجب تم عزل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي وكانت اتفاقيات كامبديفد الضربة القاسية في هذا الاتجاه على المستوى الرسمي.. وشيئا فشيئا أصبحت قضية فلسطين ليست هي قضية العرب بل هي قضية فلسطينية وهذا يعبر بوضوح عن عدم وجود رؤية لحقيقة وظيفة الكيان الصهيوني الذي يمثل خطرا ماثلا على الأمن القومي وعلى محاولات النهضة العربية.


ليس من المنطقي أن يصل كفاح الفلسطينيين والعرب في مواجهة الكيان الصهيوني إلى ما وصل إليه من إخفاقات وفشل دون توقف للمراجعة من قبل نخبهم السياسية والفكرية لتدبر ما حصل واستخلاص العبر ومراجعة الخطط والإستراتيجية للانتقال إلى مواجهة حقيقية للكيان الصهيوني وجودا سرطانيا ووظيفة استعمارية .


..وليس من المنطقي أن يقبل الفلسطينيون والعرب ب20% من فلسطين وأن يتخلوا عن 80% من أرضها و شعبها لكي يتوصلوا إلى مجرد الإعلان عن اتفاقية صلح مع الإسرائيليين في كامبد يفد ووادي عربة واتفاقية للتسوية في أوسلو وفي النهاية لم يحققوا الحد الأدنى 20 بالمائة بل إن الكيان الصهيوني يلتهم الأرض في الضفة بمشاريع استيطان ويغير معالم القدس..إن ذلك يعني بوضوح أن القادة الفلسطينيين والقادة العرب غابت عنهم طبيعة المعركة وما تحتاجه من سلوك سياسي ولم يعدوا لها أدواتها وهذا على أحسن الظن بهم، واستمر مسلسل الانهيارات متسارعة الى مستوى دون ما كان يعرض الكيان الصهيوني في مراحل سابقة


لقد زحزح العرب شيئا فشيئا عن أهدافهم المتمثلة بكل فلسطين وعودة اللاجئين وطرد المحتلين..وذلك لأنهم دخلوا مربعات من الصراع أتقن العدو تفوقه فيها حيث سحبهم إلى المواجهات العسكرية بشروطه حينا والى المفاوضات بشروطه حينا آخر ومن خلال استدراجات خطيرة تم دفعهم إلى دوائر من العمل الذي أحبط بنتائجه آمالهم وفتت قواهم.


لقد باشر العرب والفلسطينيون مواجهتهم للمشروع الصهيوني في 1948 بالمواجهة المسلحة في ظل رؤية سطحية لطبيعة العدوان ، وبدون عقيدة عسكرية ، فلقد كان كل جيش عربي يتحرك وفق رؤية ضيقة في المعركة..والعدو يدرك من خلال خبرته بالمنطقة وثقافتها ومكوناتها أي مستوى من الرد سيكون وكانت الدعوة إلى المواجهة المسلحة في ظل شعارات عربية وفلسطينية صارخة هي من ضمن توقعات العدو الذي اعد لها عدة تحقق انتصاره بلا عناء .


لم يتولد الكفاح المسلح بناء على الرؤية الإستراتيجية للصراع المبنية على وعي بطبيعة الكيان الصهيوني وبحقيقة وظيفته التخريبية في المنطقة والأمة..ولم يختر منهجا مناسبا لطبيعة المعركة ولم تسنده التعبئة المطلوبة.. غاب عنه أن يوضع في أطار حضاري يحافظ على تماسك الشعب وقوته ويحافظ على الرسالة الإنسانية لفلسطين وشخصيتها المتنوعة المتداخلة ويحافظ على الأمن القومي العربي ويحقق على ضوء ذلك انجازات بالمحسوس ..إلا أن الكفاح المسلح وهو فكرة مقدسة – بلاشك - انتابته كثير من الفوضى والانحرافات عن أهدافه السامية وانتهى إلى ظواهر يمارس البعض من خلال شعاراتها تقاسم المواقع في المجتمع الفلسطيني في الوطن أو الشتات..وفي النهاية لم يصل إلا إلى العدم على صعيد الانجاز الوطني كما يرى الجميع اليوم ..فأين يقع الخلل؟ ذلك لأنه تحرك بمنطق بدائي وسطحي مدفوعا بمشاعر وعواطف وتصورات فكرية لإدارة الصراع غير صالحة.. ولم يأخذ في الحسبان إدراك الواقع وتبني آليات مناسبة تستند إلى خصوصية القضية والزمان والمكان..ورغم ما قدمه الشعب والأمة من تضحيات جسيمة تحت شعار الكفاح المسلح ، وهي تضحيات عزيزة وكريمة وغالية..إلا أننا نلاحظ أن الكفاح المسلح والبندقية اليوم تدخل في دوامة التساؤلات بعد أن أصبح واضحا أن العمل العسكري لم ينجز تحريرا وبعد أن تبدلت مهماته في بعض الأحيان..وهنا من الضرورة التأكيد على أن النقاش لايمس فكرة الكفاح المسلح في مواجهة العدوان والاحتلال إنما يمس نظرية الكفاح المسلح وممارسة النظرية في حالة هي فلسطين بكل ما فيها من خصوصية الاستعمار انه استعمار عنصري إحلالي في فلسطين و بوظيفة تخريبية للأمة..وما يتوجب على ذلك من خصوصية الرد.


أما العمل السياسي الفلسطيني والعربي لمعالجة القضية الفلسطينية فهو الآخر مثل حالة من الجهل بطبيعة العدو ونقاط ضعفه و بكيفية إدارة الصراع مع عدو مزود بالدعاية الواسعة ولكنها القائمة على الأكذوبة ..ظن الذين نهجوا نهج المفاوضات والاتصال بإسرائيل على اعتبار أنها خيارا أوحدا واستراتيجيا أن مزيدا من التخلص من أنيابهم وابتعادهم عن ساحات الاشتباك المسلح معه سيقنع العدو بالتزامهم بالتسوية وأنهم يستحقون دولة وان ذلك يؤهلهم لدخول المربع السياسي ونيل الشرعية والقبول من طرف صناع القرار على المستوى الدولي ..وإمعانا في التأكيد على خيار التسوية والسلام لم يترددوا أن ينسقوا معه سياسيا وامنيا وغير ذلك.. إلا أنهم شيئا فشيئا فقدوا قوة الدفع وتراجعوا شيئا فشيئا عن أهدافهم بل الأسوأ أن أصبحوا ينتظروا مبادرات العدو لتبنيها ،ولم يستفيدوا من السمعة التي نالوها على اعتبار أنهم دعاة سلام فيتمترسوا في مواقعهم لكسب المؤيدين لهم ، فوقعوا الاتفاقيات ولم يسلموا من الغدر
الصهيوني الذي تواصل في كل مكان على مساحة الوطن العربي وانتهت الطريق المتبع بهم إلى حالة ضياع في الأمة وارتباك وتغلغل السرطان الصهيوني في مفاصل الأمة ويكتشف دعاة العملية السياسية السلمية أن كل ما فعلوا سراب.


من المهم هنا التأكيد على أن كل ما قد تم إنجازه على صعيد عمليات التسوية في المنطقة من معاهدات صلح مع بعض الدول العربية أو اتفاقيات هدنة وغيره لم تنه الصراع المحتدم في المنطقة بل لعل تلك الاتفاقيات مع الصهاينة العنصريين هي التي أضرمت نار العنف في المنطقة كلها داخل المجتمعات العربية من جهة وبين الفلسطينيين والكيان الصهيوني من جهة أخرى..إن كل مشاريع التسوية في المنطقة كانت مشاريعا صراعية لأنها تكرس الحالة العنصرية الدينية بل وتولد عنصريات متنوعة طائفية وقومية تزيد من حدة الاشتباك بين عناصر تكوين المنطقة.


لقد كان الكفاح المسلح العربي والفلسطيني فاقدا للقاعدة الفكرية الحضارية التي تجعله أداة مفيدة للقضية والشعب لا أن تعزل الفلسطينيين وتلحق بهم الأذى الكبير.. فهاهو الكفاح المسلح الفلسطيني والعربي تجاه القضية الفلسطينية إما قد أصبح ملغما أو موسميا أو مجمدا أو قد أعلن عن إفلاسه وعدميته، فلا الجيوش العربية ولا المقاومة الفلسطينية بألوانها استطاعت ان تشكل مسارا متصاعدا نحو انتصارات متراكمة، وها نحن رسميا نصل الى إعلان رسمي من قبل كل العرب والموقف الرسمي الفلسطيني بإيقاف العمل العسكري والعمل السياسي الذي ارتكز إلى التعاطي مع الأمريكان والغربيين على اعتبار أنهم وسطاء وأخذ وعودهم كقاعدة ارتكاز لنشاطه الدعائي قد أوهم ساسة التسوية من الفلسطينيين والعرب أن العمل السياسي إنما هو لقاءات ومفاوضات ومحافظة على عدم إزعاج الأمريكان، والتعاطي إيجابا مع ما يصدر عنهم من مبادرات.. هذا العمل انتهى إلى سراب..من هنا بالضبط كان واجبا على المفكرين والمثقفين وأصحاب الرأي الفلسطينيين والعرب إن يبحثوا عن جملة ثقافية فكرية تكفي لتحريك العجلة كلها في اتجاه انجاز مكتسبات تحدث بفعل التراكم الانتصار الأكبر بإنهاء هذه القضية التي طال عليها الزمن وأنشأت من الكوارث في المنطقة ماهو قابل للتوسع والتعمق.





إرسال تعليق

0 تعليقات