الصراع فى مصر
د. محمد ابراهيم بسيونى
قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ كانت
الطبقة العليا في مصر صغيرة الحجم جدا جدا، بالنسبة لمجموع السكان، وتتكون من ملاك
الأراضي الكبار أو الإقطاعيين ومنهم الأسرة الملكية وحاشيتها. كان لايزال الكثير
من عائلات هذه الطبقة تجرى فى عروقها دماء تركية، ويعتزون بذلك، وينظرون إلى بقية
المصريين على أنهم مجرد فلاحين، كما كانوا غارقين فى نمط الحياة الغربية، تختلط فى
كلامهم اللغة العربية بلغة أجنبية، ويمارسون كل عادات الغرب فى المأكل والملبس
والمسكن، فضلا عن المدارس التى يرسلون إليها أولادهم. كان كل هذا من شأنه أن يعزل
هذه الطبقة عزلا شبه تام عن بقية المجتمع فكان لهم قصورهم ونواديهم وشواطئهم التى
قد يراها بقية الناس من بعيد دون أن تطأها أقدامهم قط.
قامت ثورة ١٩٥٢ للقضاء على هذه
الازدواجية، وسرعان ما أدركنا ذلك وفرحنا به. ولكن بعد مرور عشرين عاما أو أقل على
قيام هذه الثورة، كانت ازدواجية جديدة قد حلت محلها. وعندما توفى الرئيس جمال
عبدالناصر فى ١٩٧٠، كان نظامه قد حاول ان يخفف من الازدواجية البغيضة بين الغنى
والفقر، وبين الحضر والريف، بل كان الرئيس جمال عبد الناصر نفسه عند وفاته، هو
وأسرته، يسكنون نفس البيت المتواضع الذى كان يسكنه قبل الثورة، ولم يترك وراءه
ثروة تذكر، ولكنه ترك عناصر طبقة جديدة تحلم بالقفز إلى العرش بمجرد أن تتاح لها
الفرصة. وهو ما تحقق بدرجة مذهلة فى العشرين سنة التالية (١٩٧٠ ـ ١٩٩٠)، ثم ترسخ
رسوخا تاما فى العشرين سنة التى تلت ذلك (١٩٩٠ ـ ٢٠١٠).
امتاز الصراع الطبقي في مصر
بخصائص وصفات جعلته مختلفاً تماما عن الصراع الطبقي في المجتمعات الغربية، لسبب
بسيط أن اقتصاد مصر لم يكن نتاج تطور طبيعي لأنماط الإنتاج المعروفة، وإنما كان
نتاجا لمؤثرات خارجية دخيلة عليه، وهي مؤثرات الاستعمار، وبالتالي، فإن الطبقات
التي أفرزها المجتمع المصري كانت حتما مختلفة عن مثيلاتها في المجتمعات الغربية،
من حيث تركيبها وتكوينها وأسس العلاقات بينها، بل بين شرائح الطبقات نفسها، كما أن
علاقتها الإنتاجية اختلفت أيضاً، عن علاقات الطبقات الإنتاجية الاجتماعية الغربية،
وترتب على ذلك أن الصراع الطبقي كان في البلاد الغربية بين الذين يملكون والذين لا
يملكون، أما في مصر فكان صراعاً، ومازال، بين الذين يملكون والذين يملكون، بدرجة
الصراع نفسها بين الذين يملكون والذين لا يملكون.
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات